عدن..التقرير الاداري لعام 1958م

> «الأيام» نجمي عبدالمجيد:

> هذا التقرير الإداري يقدم لنا مرحلة من تاريخ عدن، عرفت بها هذه المدينة آلية العمل لجهاز الدولة، الذي أشرفت عليه الادارة البريطانية ووضعت له أسساً وأنظمة كانت من العوامل الهامة في جعل عدن صاحبة أفضل جهاز إداري في الشرق الاوسط.

ونقدم هنا بعضا من فقرات هذا التقرير لندخل من خلالها الى قراءة هذه التجربة والفترة الزمنية التي أفرزت خصائصها وطرق تعاملها والعلاقة بين التقرير والادارة .. وكل هذا يوضح الرؤية التي مرت بها هذه المرحلة من تاريخ العمل الاداري في عدن.

الكهرباء
حول الخدمات الكهربائية في عدن يوضح التقرير ما يلي:«يكاد برنامج التحسين الخاص بتجديد شبكة الاسلاك القائمة ووسائل توزيع التيار الكهربائي أن ينتهي، غير أنه كان ضرورياً التوقف عن الاستمرار في العمل بسبب التكاليف التصاعدية للمادة والعمل.

وقد أدخل التيار الكهربائي في منطقة ساعد نفسك في الشيخ عثمان بعد توان وعناء كبيرين، وأمكن لحسن الحظ تفادي أهم انقطاعات التيار الكهربائي الى حد كبير خلال هذا العام، كما ادخل جهاز توزيع ووقاية في خطوط التموينات العالية للكهرباء في الشيخ عثمان حتى يمكن التغلب على انقطاعات التيار الكهربائي هناك.

وقد وضعت التصميمات وأرسل في طلب المواد اللازمة لتموين شبكة اسلاك الحكومة بالتيار الكهربائي من منطقة عدن الصغرى خلال عام 1959م، ويقصد بذلك تجنب انهاك محطة الكهرباء العدنية حتى يحين موعد إدخال معدات توليد اضافية، وعلى الرغم من أن جهاز توليد طاقته 5000 كيلووات سوف يدخل في أوائل عام 1959م، إلا أن الحاجة مازالت ماسة لتوليد طاقة كهربائية أكبر.

في شهر يوليو من هذا العام أمكن تخفيض قيمة الوحدة الكهربائية بسنت واحد، وفي خلال السنة التي يجري استعراضها بلغت الطاقة الكهربائية المولدة 57.000.000 وحدة أي بزيادة 22.000.000 أو 28 في المئة بالنسبة للعام المنصرم، كما ارتفع عدد المستهلكين الى 17.100 أي بزيادة 2000».

إدارة العلاقات العامة والنشر
في هذا الجانب يوضح التقرير أنه في عام 1958م كرست الادارة الجزء الاكبر من مجهوداتها لتحسين خدمات محطة عدن للاذاعة، حيث تم بناء الاستديو الجديد في وقت مبكر من نفس السنة، وفتح رسمياً على يد حاكم عدن السير وليم لوس (1956-1960م) في احتفال عام في شهر أبريل من عام 1958م. وقد أدخل موظفو المحطة الفنيون جهاز مراقبة جديداً من النوع الذي كان يعرف في ذلك الوقت باسم ماركوني والمعدات المكملة له في أحد اقسام الاستديو، كذلك أدخل جهاز مراقبة آخر لقسم التسجيل، وهذا العمل قد مكن الاستديو الجديد وللمرة الأولى، محطة عدن للاذاعة من الحصول على تسهيلات خاصة للتسجيل والإرسال، وقد ساهمت تلك التسهيلات والتي كانت جديدة في حينها في تقدم عمل المحطة الى حد كبير في إعداد البرامج.

في شهر مايو عام 1958م اضافت المحطة ساعتين ونصف الساعة كل يوم لإرسال برامج القسم العربي لهيئة الاذاعة البريطانية زيادة على الخمس ساعات الخاصة بالإرسال المحلي، وقد أمكن بذلك تقديم خدمة خاصة لمستمعي أواخر الليل.

وفي نهاية العام زاد البث الاذاعي المحلي ساعة واحدة، وبذلك تمكن المستمعون من الاستماع إلى محطة عدن لمدة ثمان ساعات ونصف الساعة يوميا، وقد بذلت في هذا المجال عناية كبيرة لتدريب العدنيين على الشؤون الاذاعية، وأتم اثنان من المساعدين الإذاعيين في ذلك الوقت دورات تدريبية عامة في الشؤون الاذاعية في هيئة الاذاعة البريطانية في لندن، وكذلك فترات الالتحاق بالقسم العربي في نفس المحطة خلال العام المذكور. أما من الناحية الفنية فقد استمر مهندس المحطة في إلقاء سلسلة من المحاضرات على موظفيه حول مواضيع إذاعية عامة وأمور كهربائية، وقد ارسل في تلك الفترة احد المساعدين الفنيين الى قسم التدريب الهندسي التابع لهيئة الاذاعة البريطانية في المملكة المتحدة في دورة تدريبية كانت مدتها ستة أشهر وعاد بعد إتمامها في الجزء الأول من عام 1959م.

وفي ذلك العام بذلت عدة جهود بالاعتماد على العدد المحدود من الموظفين الموجودين للنهوض بمستوى البرامج في إذاعة عدن، وقد حظيت المحطة على وجه الخصوص بالحصول على الخدمات التطوعية في الوقت الاضافي لمذيعة متدربة تتكلم اللغة العربية لإخراج ركن المرأة، وقد أمضى الموظفون الاذاعيون وقتا اكبر في التنقل وأُعدت الكثير من برامج تلك السنة خارج الاستديو، ولكن لاسباب مالية بحتة لم يكن ممكنا تشكيل منظمة استطلاع (رأي المستمع) على الوجه المطلوب داخل ادارة المحطة، ولكن أمكن تكوين فكرة عن عدد الجمهور المستمع وتفاعله مع برامج محطة عدن وكان ذلك عن طريق الرسائل المتدفقة، والتي كانت تصل الى المحطة بلا انقطاع وبواسطة توزيع قوائم الاستفتاء التي أرسلت الى بعض المراكز في المحميات، وفي عام 1958م كان عدد ما تسلمته محطة عدن حوالي 180 الف بطاقة وخطاب وكان العدد الكثير منها خاصا ببرنامج ما يطلبه المستمعون.

أما نشاط قسم التصوير فقد ازداد خلال عام 1958م وخاصة في حقل النشر لعدن في صحافة بما كانت تعرف ما وراء البحار، وكانت قد ظهرت عدة صور رسمية في عدد كبير من صحف وجرائد ما وراء البحار، أما في الداخل فقد حرض على إعداد الاعلانات المصورة الكبيرة، كما أعدت عناوين جديدة بمساعدة مكتب الاستعلامات المركزي بلندن، وقد لقيت الكثير من صور الحائط الملونة والتي حوت عدة مناظر من عدن ذيوعاً منقطع النظير وكان المصور قد أنجز الطلبات المتزايدة خلال السنة، كما قدم قسم التصوير المعونة في مناسبات عديدة للصحفيين والمصورين الزوار.

قسم الأفلام كان قد واصل عرض الأفلام ليلياً على الجمهور وفي المستشفيات والنوادي والمدارس والسجن والمراكز الأخرى الهامة، وتم عرض 300 من أفلام الإدارة شاهدها أكثر من 20.000 شخص، كما واصل القسم توزيع الأفلام على بعض المراكز في المحميات، حيث توجد تسهيلات للعرض في ذلك الوقت وكذلك إعطاء دور السينما التجارية في المستعمرة الأشرطة الاخبارية مقاس 35 مليمتراً.

وكان قسم الصحافة قد أصدر أكثر من 1000 مقال ومادة إخبارية في خدمة الصحافة العدنية وحقق بهذا العمل زيادة في نسبة التوزيع سنويا لما يقرب من 240.000 نسخة عربية وانجليزية وقد تم نشر تلك الكتابات الصحفية في الجرائد المحلية وصحف ما وراء البحار، كذلك اخذ القسم على عاتقه مراجعة الاقسام الخاصة بعدن في عدد كبير من المراجع الهامة السنوية ودوائر المعارف.

قسم الترجمة واصل اهتمامه بإعداد البلاغات الصحفية باللغة العربية وكذلك إعداد خلاصة الصحف اليومية والمجلة العربية والتي كانت تتبع الإدارة وقد وزع منها نحو 2000 نسخة كل شهر، كما تولى القسم ترجمة جميع النشرات الخاصة بأسبوع سلامة الطريق وعمل على تجهيز تقويم عام 1959م باللغة العربية، وقد استعان بالصور الادارية وقدمت المساعدة لادارة العمل فيما يختص بإعداد وتوزيع كتيب خاص بأساليب الطباخة، وقدمت المساعدة ايضا لإدارة الزراعة في توزيع التقارير الشهرية الخاصة بها باللغتين العربية والانجليزية، كذلك أعد كتيب صغير بعنوان (مستقبلك) وكان يحتوي على معلومات واقعة حول الدستور الجديد، وقد وزع عند حوالي أواخر العام 1958م.

الإدارة الطبية
يقدم التقرير هذه المعلومات عن الوضع الصحي في عدن، وقد تم بهذه الكلمات : «تم تشييد مستشفى الملكة اليزابيت في اوائل العام وافتتح من قبل صاحب السعادة الحاكم في 28 أبريل عام 1958م، كما شرع في استخدامه في 3 مايو 1958م وحدث بعض التأخير نتيجة تحطم السفينة سكوبرين عندما كان لا بد من إيواء حوالي 1200 ممن أنقذوا وأنزل معظمهم في المستشفى وكان من الضروري نتيجة الصعوبات بخصوص مستخدمي التمريض تأجيل افتتاح قسم من المستشفى، ولكن المأمول أن يصحح هذا الموقف في القريب العاجل، وبناية المستشفى ومعداته من أعلى مستوى وأمكن تحسين مستوى العلاج المتوفر كثيرا.

واستمر المستشفى الاهلي القديم في العمل في حدود طاقته للأشهر الاربعة الاولى من العام واحتفظ بقسم من هذا المستشفى كإدارة كبرى للمرضى الخارجيين مجهزة بأشعة اكس الخاصة بها وغرفة للمرضى الخارجيين وتسهيلات للتحليل، وثبت أن احلال طبيب اسنان حكومي في المستشفى الاهلي كان أمرا مرغوبا فيه جدا، وهو الآن وبعد مضي اثنا عشر شهراً يعمل بأقصى طاقته، كما يستمر تزايد العمل في مختلف إدارات المرضى الخارجيين والمستوصفات وتنمو شهرة دار العجزة لدى افراد الجمهور.

ودل العمل في دار الامومة والعناية بالطفل على زيادة اكثر مما كان عليه في الاعوام السابقة، ولكن بتكامل بغيته من الاطباء أمكن للموظفين إدارته في حدود الأماكن المتوفرة، ولو أن ذلك لا يتم إلا ببعض الاجهاد بالنسبة لموظفي التمريض الكبار.

ونجح ثلاثة من سبعة طلبة يتدربون في المملكة المتحدة في امتحاناتهم، وهم الآن يكملون مدة إقامتهم قبل التسجيل لاثني عشر شهرا في مستشفيات المملكة المتحدة وينتظر عودتهم الى عدن خلال النصف الاول من عام 1959م. ويستمر طلبة التمريض الستة بالمملكة المتحدة في تدريبهم وينتظر تأهيلهم في عام 1959م، ولازال مشروع التدريب المحلي لمستخدمي التمريض يصادف صعوبات ويعود هذا جزئيا إلى الحقيقة أنه لم يتسن توفير مقر مناسب للتدريب حتى الآن وأكثر من ذلك في الحقيقة أنه لم يتقدم العدد الكافي من الحائزين على المؤهلات العلمية المطلوبة وطالما أن الجواب الوحيد لاعداد خدمة تمريض فعالة هو في التدريب الكافي لمستخدمين لائقين يوظفون محلياً، فمن الجلي إذن أنه يجب متابعة المشروع بهمة ولو أن النتائج المباشرة تدعو لخيبة الامل.

وفي حقل الصحة العامة انتشر مرض الجدري بين أولئك الذين لم يلقحوا انفسهم ضده في أبريل، وذلك في بعض المساكن بالتواهي، مما أدى الى وفاة 10 من بين 52 حالة.

وأمكن السيطرة على الموقف بسرعة، كما منعت نسبة التلقيح العالية بين السكان توسع انتشار الوباء وكان مصدر العدوى الاساسي من خارج عدن، وإضافة الى هذا الانتشار عولجت 36 حالة معدية من مرض الجدري، كما حدثت ثمان وفيات.

وفي الجزء الأول من العام شكلت الحالة الصحية السيئة لدار سعد في سلطنة لحج خطرا شديدا بالنسبة لصحة أهالي الشيخ عثمان، ونجحت ادارة الصحة مرتين في الحصول على موافقة السلطات المحلية لتزور وتنظف القرية التي سرعان ما انتكست على كل حال وعادت الى سابق عهدها، والمأمول أن يتيح رفع الحظر عن القات تجنب حدوث أمور مماثلة في المستقبل.

وزاد عمل إدارة الميناء الصحية، نظرا لرقم البواخر القياسي التي تمر بالميناء والشهرة المتزايدة التي اكتسبتها مستوصفات البحارة».

الادارة القانونية
في عام 1958م حدثت زيادة بسيطة في سن التشريعات عما كانت عليه في سنة 1957م، حيث أجاز المجلس التشريعي ما مجموعه 18 قانوناً خلال عام 1958م، وكانت 6 منها جديدة والبقية تشريعات موجودة عدلت ومنها:

أ- نقض قانون تسجيل الاشخاص 1958م.

ب- قانون الخدمة في المستودعات التجارية 1958م.

ج- تعديل قانون الميناء الصحي 1958م.

د- قانون التبليغ عن الامراض 1958م.

هـ- تعديلات قانون أمانة الميناء،1958م، وتعديل رقم 2 لقانون امانة الميناء 1958م.

و- تعديل قانون بنك التوفير 1958م.

ز- قانون تسويق المحصول 1958م.

ح- تعديل قانون انتخابات المجلس التشريعي 1958م.

ط- قانون التأمين البحري 1958م.

وكان أهم تشريع فرعي صدر، ذلك الذي تطلبته حالة الطوارئ التي اعلنت في مستعمرة عدن في نهاية شهر مايو وتألف هذا من قوانين الطوارئ 1958م، وقوانين الطوارئ الخاصة بالمطبوعات 1958م وقوانين الطوارئ الخاصة بالإجراء الجنائي1958م وقوانين الطوارئ الخاصة بمنع التجول 1958م، وتعديل قوانين الطوارئ 1958م، والتعديل رقم 2 لقوانين الطوارئ 1958م.

اما التشريعات الفرعية الأخرى فقد شملت نقض واستبدال قوانين أمانة الميناء الجزئية وأمر رقم التموين المدني الخاص بالقات والذي كان قد نص على مراقبة أسعار القات ومنح تراخيص للموردين والبائعين بالقطاعي، كما كان يعرف في ذلك الوقت، وتعديلات لقوانين سلطة الضواحي وقوانين جمع التبرعات في المنازل والشوارع، وتعديلات لقوانين إدارة البريد الخاصة بالرسوم وكان هناك عدد كبير من الاعلانات وتعديلات الانظمة والقوانين، وقد ادت الانتخابات في العام 1958م لمجلس عدن التشريعي، أوسع يتكون من 12 عضوا منتخبا، كما أدى ذلك الى سن قوانين ولوائح داخلية جديدة لذلك المجلس إلى وضع الكثير من المسودات لتشريعات فرعية في الأشهر الثلاثة الاخيرة من عام 1958م.

الخزينة
كانت جميع أرقام الخزينة في ذلك الوقت للمرة الثانية أعلى من ارقام أي سنة سابقة، وقد وصلت إيرادات مستعمرة عدن للسنة النهائية في 31 مارس 1958م مبلغا وقدره 3.891.591 جنيه استرليني، بينما وصلت المصروفات العادية 3.757.280 جنيه استرليني وبلغت مصروفات التطوير الرقم القياسي ومقداره 1.766.160 جنيه استرليني.

وقد بلغت المعاملات النقدية للجنة عملة شرق افريقيا مع المصارف المحلية خلال السنة مبلغا وقدره 8.350.737 جنيه مسجلة هبوط بحوالي 300.000 جنيه بالنسبة لرقم السنة السابقة.

المعارف
نال هذا الجانب اهتمامه من حكومة عدن في التقرير وقد جاء بما يخص معارف عدن ما يلي: «يتدرب حاليا 26 متدرباً من المستعمرة و13 من المحمية في مركز تدريب المعلمين. وتدرس الدورة الخاصة بمتدربي المستعمرة هذا العام باللغة العربية حتى يمكن تدريب المعلمين الذين يجدون صعوبة في استيعاب الدروس باللغة الانجليزية.

ويبلغ عدد موظفي المركز عشرة، أما قسم تدريب المعلمات الذي كان قد افتتح في مركز البس فقد نقل الى مدرسة البنات الابتدائية في الطويلة.

وفيما يختص بامتحانات شهادة الثقافة العامة، فقد نجح 8 من تلاميذ كلية عدن في ما لا يقل عن موضوعين في المستوى العالي وبهذا اصبحوا مؤهلين للالتحاق بالمعاهد الثقافية العالية في الخارج ونجح 28 متقدما في اربعة مواضيع أو أكثر في امتحانات المستوى العادي لشهادة الثقافة العامة.

وفي هذا العام نجح 15 متقدما في امتحانات سيتي اندجيلدز المستوى المتوسط وللمرة الاولى نجح طلبة عدن في امتحانات الجمعية الملكية للفنون، فقد نجح اربعة في الرياضيات واربعة في الضرب على الآلة الكاتبة وواحد في الاختزال. وقد بلغت مدارس الحكومة الابتدائية للبنين وعددها ثلاث المستوى المنشود بافتتاح ستة فصول إضافية هذا العام، وعليه فقد أمكن قبول أكثر من 200 تلميذ في هذه المدارس هذا العام بالنسبة لعام 1957م، كما ينمو بسرعة القسم المتوسط التابع لكلية البنات فقد التحقت به 144 متقدمة جديدة هذا العام. ويبلغ عدد الطالبات في القسمين المتوسط والثانوي اكثر من 500».

هذه بعض الفقرات من التقرير الاداري لحكومة عدن 1958م وهو يقدم مراحل من تاريخ الحياة الادارية في هذه المدينة، والتي جاءت اليها مع قدوم بريطانيا إليها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى