الموازنة العامة والاعتماد الإضافي..بين تقصير البرلمان وحذق ودهاء الحكومة

> «الأيام» عدنان غالب العامري:

> من ينظر إلى التركيبة الحالية لأعضاء البرلمان سيخرج بنتيجة أن 90% منهم مشايخ قبائل وعشائر وأعيان وأصحاب وجاهات اجتماعية وتجار وقادة عسكريون، والمثقفون منهم خطباء مساجد وكتاب وقادة توعية جماهيرية وحزبية ومنظرون حزبيون.. إلخ وهؤلاء قدراتهم متواضعة وأفكارهم محدودة وتصوراتهم آنية ونظرتهم سطحية ومن السهولة بمكان على الحكومة تسييرهم كيفما تريد في أي أمر يطلب منهم، أما الكوادر المتخصصة في مجالات معينة فهم البقية بنسبة 10% وهؤلاء يشكلون قلة، وليس بمقدروهم نبش المخبأ ولا فضح ما هو مستور، لعدة أسباب منها أن أغلب هؤلاء يمثلون الحزب الحاكم، فهم يعرفون الكثير من الاشياء المغطاة ولا يستطيعون كشفها لعذرهم المشار إليه، والذين هم في أحزاب المعارضة أو مستقلون، يجدون صعوبة بالغة في اختراق الحواجز من اجل الوصول الى ما هو محظور ويمنع الاطلاع على بياناته، والذين يمثلون رجال المال والاعمال لا يتتبعون المسائل التي تهم أبناء الشعب، ولا يحاولون الاقتراب من مصالح المستفيدين، كونهم اصحاب مصالح ويعرفون جيداً ماذا يعني الإضرار بمصالح الآخرين، لهذا ينصب اهتمامهم فيما يعود على مصالحهم بالفائدة، وفي ظل هكذا وضع لا تستطيع الكثرة ولا القلة خدمة أبناء هذا المجتمع.

ماذا يمكن أن يعرف هؤلاء عن خفايا وأسرار الموازنة العامة؟

لا يمكن أن يعرفوا شيئا عن الأسس التي تقوم عليها، وبالكاد يفهمون القوائم المالية والجداول الملحقة بها، والتي تحمل الارقام المالية لنفقات وإيرادات الحكومة خلال سنة مالية قادمة، تبتدئ في 1/1 من السنة وتنتهي في 31/12 منها، وهذه الميزانية تنقسم الى قسمين، القسم الأول النفقات العامة بالجانب الأيمن والقسم الثاني الايرادات العامة بالجانب الايسر، ويعرفون أن كل قسم يحمل أبواباً وفصولاً وبنوداً وأنواعاً لكل من النفقات والايرادات العامة، ومن طبيعة قائمة الموازنة العامة أن يكون الجانبان متساويين في الإجماليات ومشروع الموازنة العامة تقدمه الحكومة ممثلة للسلطة التنفيذية للبرلمان لغرض مناقشته والعمل على دراسته وتعديل كل ما يجب تعديله بعد الأخذ والرد وتقديم الاسباب والمبررات والحجج والبراهين، ومن حق البرلمان مناقشة كل الارقام المالية الواردة من الحكومة نفقة كانت أم إيراداً كلاً على حدة، نوعاً نوعاً وبنداً بنداً، وبعد ذلك يتم اعتماد الارقام المالية التي وضعها البرلمان وبموجب ذلك يقرر ويصدق على هذه الموازنة، وتصبح بعد هذه الإجراءات القانونية سارية للتنفيذ، وتحت تصرف الحكومة ممثلة بوزارة المالية والبنك المركزي اليمني، وتتحمل الحكومة المسؤولية الكاملة في تحصيل كل الايرادات المربوطة عليها بالموازنة، وتلتزم بالصرف في حدود النفقات المقدرة لها بالموازنة .. إلى هنا والأمر واضح وقد يدركه الجميع. ولكن الشيء الذي لا يدركه اعضاء البرلمان، كيف استطاعت الحكومة أن تحصل ايرادات إضافية فوق ما هو مربوط عليها بالموازنة بمقدار 451 مليار ريال؟ هذه المشكلة من صنع اعضاء البرلمان ويتحمل مسؤوليتها جميع الاعضاء فيه، فبدلاً من أن تحقق الحكومة عجزاً في تحصيل الإيرادات المربوطة عليها وجدناها تحقق فائضاً كبير يتعدى الـ 50% من الايرادات الملزمة بتحقيقها.

إذن من اين أتت الحكومة بهذه الايرادات؟ قد يقول قائل من أعضاء البرلمان هذه المتحصلات من الايرادات جاءت من فوارق أسعار بيع النفط للخارج حيث يدرج اسعار النفط بمبالغ أقل من قيمتها تحسباً لأي تأرجحات في الأسعار بالزيادة والنقص، فمن المعروف أن أسعار النفط العالمية خلال النصف الثاني من عام 2004م فترة إعداد ومناقشة الموازنة العامة للدولة، كانت تتأرجح بين 62 دولارا للبرميل و63 دولارا.

فكيف استطاعت الحكومة اقناع أعضاء البرلمان على تحديد سعر البرميل من النفط بـ 35 دولارا؟! وهل تابع بعد ذلك أعضاء البرلمان التسويات المالية لهذه الفوارق كل شهر بشهره وتأكد لهم بأنها تورد لخزينة الحكومة ولا يُصرف منها شيء؟!

وكذلك فوارق اسعار النفط ومشتقاته المباعة محلياً بعد نزول الجرعة، وهناك فوارق أسعار بيع الاسمنت المنتجة من مصانع اسمنت القطاع العام، وهناك انتاج نفطي من حقول النفط بالزيادة عن ما هو مقدر بالموازنة، سواء عن طريق إخفاء كميات من المنتج حالياً او عن طريق تدشين حقول إنتاج جديدة لم يفصح عنها خلال فترة مناقشة الموازنة العامة للدولة.

هناك أيضاً معونات ومساعدات طارئة وقروض استثنائية، وضرائب ورسوم فرضت لاحقاً وإيرادات من شركات نفطية مقابل حق الامتياز للمشاركة في اعمال التنقيب وإيرادات من شركات الاصطياد الحاصلة على عقود لاحقة لإعداد الموازنة...إلخ هذه الإيرادات التي كانت غير مربوطة بالموازنة وهناك احتمالات لتحصيلها أو جزء منها كان يدرك بها البعض بشكل غير دقيق ويجهلها البعض الآخر، وإذا كان هناك من يعرف بهذه الأمور ولو معرفة سطحية غير دقيقة باحتمال تحصيل مثل هذه الإيرادات ولم يعمل على توضيح ذلك لبقية زملائه من اعضاء البرلمان فهو غير جدير بتحمل المسؤولية التي ألقيت على عاتقه من ناخبيه، فهذه الاشكالية أظهرت أوجه القصور في أعضاء البرلمان، وإذا كانت هناك سلطة للشعب على هؤلاء الاعضاء لمحاسبتهم فليبادروا للقيام بتقديم دعاوى ضدهم ومحاكمتهم على التقصير الحادث منهم في هذا واتهامهم بعدم الفهم لوظيفتهم البرلمانية وتواطئهم مع الحكومة.

وعندما قامت الحكومة بتحصيل هذه الايرادات الاضافية طمعت في الاستئثار بها، وكأنها من (مشاقيها) وأتعابها وليس من ثروات وإيرادات ابناء هذا الشعب، الذين وكلوا من يقوم برعاية مصالحهم فخانوهم بقصد أو بغير قصد. وإذا وجد من يقول بأنه كان مدركاً لكل هذه الامور وعلى علم بخفاياها، او زعم بأنه تمت مناقشتها في اطار الموازنة العامة، فنرد عليه ولماذا لم تعملوا التشريع المناسب للحفاظ على هذه الايرادات المحتمل تحقيقها خلال فترة سريان الموازنة ولم تدرج فيها، أليس أنتم في أعلى هيئة تشريعية في البلاد، وبمقدوركم إصدار أي قانون او توجيه او تعليمات أو ميزانية إضافية استثنائية وفي أي وقت كان للحفاظ على هذه الاموال العامة؟ اين دوركم في هذا المجال يا ممثلي الشعب؟

الشيء الآخر الذي يتحمل مسؤوليته أعضاء البرلمان

الإهمال وعدم المبالاة والتقصير في متابعة ومراقبة ما هو ظاهر وموجود حيث لم يتخذ البرلمان أي اجراءات او خطوات جدية للقيام بدورهم الرقابي والاشرافي ومتابعة تنفيذ الموازنة العامة للدولة بشقيها نفقات وإيرادات عامة.. وهذه الرقابة والاشراف والمتابعة تتم من خلال فرض السيطرة الكاملة على أعمال البنك المركزي اليمني ومتابعة كل نشاطاته أولاً بأول بشكل شهري او دوري .. فهذا البنك يمتلك كل المعلومات المالية المرتبطة بعمل الحكومة، وكل شاردة وواردة متعلقة بنفقات وإيرادات الدولة موجودة لديه.

فالمتعارف عليه أنه بعد اقرار الموازنة العامة فالنفقات الشهرية على مستوى البلاد مقدرة ومحددة عند رقم معين، وأي زيادة أو نقص له تفسير ومبررات وكذلك الايرادات الشهرية مقدرة ومحددة عند رقم معين وأي زيادة او نقص له تفسير ومبررات، وإذا استطاع اعضاء البرلمان إحكام السيطرة على هذا الأمر، لعرفوا في حينه ووقته كل شيء يدور في دهاليز وأروقة البنك المركزي .. ولتبسيط هذه المسألة نضرب مثلاً بأن البرلمان بدأ عمله في الرقابة والإشراف والمتابعة لنشاطات البنك المركزي بعد انتهاء الربع الاول من السنة المالية وليكن في 5/4 من السنة وعندما طلب البيانات من البنك (نفقات وإيرادات) للاشهر يناير- مارس وجد الآتي: (انظر الجدول).

وعند تحليل هذه البيانات وطلب التفسير عن المتغيرات بين ما هو معتمد وما هو منفذ فعلاً:

- يناير 2005م: النفقات مطابقة بين المنصرف والمعتمد أما الايرادات فهناك زيادة عن المعتمد بمقدار 18 مليارا وتم توضيح هذه الزيادة من ايرادات نفطية للخارج وفوارق اسعاره، يعني ان الكميات المصدرة من النفط للخارج اكثر مما هو معتمد بالموازنة ولو تمت الرقابة من يناير 2005م لكانت صدرت التعليمات للحكومة بخصوص الحفاظ على هذا المبلغ.

- فبراير 2005م: النفقات زادت عن المعتمد بمبلغ 5 مليارات فتم التوضيح بقيام الحكومة بسداد اصحاب العقود المنفذين للبرنامج الاستثماري وكذلك قيام الحكومة بسداد التزاماتها تجاه النفقات الراسمالية.

أما الايرادات فهناك فارق بالزيادة 23 مليارا وتم توضيح ذلك من ايرادات النفط للخارج وفوارق أسعاره.

- مارس 2005م: النفقات المنصرفة زيادة عما هو معتمد بمبلغ 60 مليارا وتم التوضيح: صرف هذا المبلغ عهدة للمؤسسة الاقتصادية ووزارة الدفاع وهو يمثل صرفاً خارجاً عن إطار الموازنة وبعيداً عن اعين أعضاء البرلمان، أما الايرادات يمثل صفراً أي أن هذه الفوائض في الايرادات تم سحبها نهاية شهر مارس 2005م، في هذه الحالة لو كانت هناك رقابة فعالة من قبل البرلمان من اول شهر لتنفيذ الموازنة ما كانت هذه المبالغ صرفت ولم يستطع أحد التصرف بها، إلا بعد الرجوع للبرلمان، هنا يظهر التقصير بجلاء من قبل البرلمان وهكذا الفساد يحدث من ورائهم وهم غافلون عن ممارسة دورهم ومسؤولياتهم وهذا ما حدث للمبلغ 451 مليارا الذي تطالب به الحكومة لاعتماده كنفقات إضافية، فالمبلغ هذا لم يعد موجودا بالبنك كرصيد نقدي، وإنما الموجود وثائق صرف بما يقابل هذا المبلغ لإخلاء العهد المنصرفة خلال المراحل الماضية لفترة تنفيذ موازنة عام 2005م .

نكتفي بهذا التوضيح ونعتذر في الأخير لكل من يرى قول الحقيقة إساءة له.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى