الحكومة والهيكل..وأشياء أخرى

> أكرم أحمد باشكيل:

> حاولت مراراً وتكراراً أن أتلمس عذراً لحكومتنا الموقرة في ما آلت إليه الأوضاع من تردٍّ يفوق كل التصورات وعلى مستويات عدة، لكني عدت أسحب ذيول هزيمتي عندما قابلت - لحظة تلمسي - ذلك الغول الذي التهم كل شيء ولم يبق لهذه الحكومة المسكينة المغلوب على أمرها سوى الانقياد له طوعاً وكرهاً، بل تجاوزت هذه المرحلة إلى مراحل متقدمة بتبنيه وجعلت من نفسها رديفاً لهذا الغول الكاسح .. إنه (الفساد)، وعلى طريق برامج الإصلاح نحن وهي نتوهم إصلاحاً إدارياً ومالياً ولا يجني شعبنا المغلوب على أمره إلا تبعات اقتصادية إضافية على عاتقه تاركينه يلهث وراء لقمة العيش التي لا يجدها في الغالب إلا بشق الانفس، هذا إن وجدها!! وهكذا فإن مسلسل الجرع الذي تعودناه دائماً وأبداً من حكوماتنا المتعاقبة بلغ مستوياته العليا في حكومتنا هذه التي فاقت كل المقاييس في النفقات، التي ربما لا ترقى إلى مستوياتها حكومات الدول النفطية في البلدان المجاورة.

وتأتي جرعة يونيو الأخيرة كالقشة التي قصمت ظهر المواطن الذي لم يعد يحتمل مثل هذه الجرع، وظلت الوعود مشرعة من حكومتنا المبجلة بأن هذه الجرعة بداية العافية لجسد المواطن الذي انهكته الجرع، فلم يعد له من مقومات الصحة ما يعيد له الحياة.

وقد وعدت الحكومة قطاع الموظفين لديها بإصلاح متكامل في هيكلية الأجور وهنا فتحت أبواب التفاؤل وأوصدت أبواب اليأس والقنوط .. وها هي الحكومة تجعل من موظفي الدولة حديث كل الناس وبدأت ربات البيوت بشراء آلات حاسبة لمعرفة ما سيستلمه الزوج بعمليات حسابية وفق جداول تتغير كل يوم، وأصبح الهيكل كأسعار البورصة يتغير يومياً ويتابع الجميع متغيراته عبر الصحف، وهنا فتحت الاجتهادات أبوابها وأصبحنا نطالع كل يوم وزير الخدمة المدنية وهو يصرح تارة بمعدلات التغيير وفق الجداول وتارة بموعد التنفيذ، وعملت غرفة عمليات ولجان فاقت كلفتها المليارات للرد على الشائعات (المغرضة) تجاه التنفير لا التبشير بما يحمله الهيكل لهؤلاء الموظفين الغلابى وتدريب اللجان على تطبيقه، لكن يوليو قد ذهب ولم يعد، وها نحن في أكتوبر وما زلنا نسمع جعجعة ولا نرى طحينا، والجرعة قد أنهكت أجساد الموظفين ولم يأت الهيكل بعد، وبارك الله في حكومتنا الموقرة وجهدها الجهيد الذي تبذله، ودعواتنا لها في الشهر المبارك.

وبالرغم من أننا في هذا الشهر الفضيل رمضان المبارك فقد وعدتنا الحكومة الموقرة بإستعداد في كل شي حتى في أنفسنا من خلال ضبط الأمور، وجزاها الله ألف خير فقد هلت علينا منذ بدايات هذا الشهر الزيادات في كل شيء، في المواد الغذائية والمواصلات و..و.. وحدث ولا حرج، لكن ما لفت نظرنا بوضوح في رمضان هذه السنة هو ما يجود به البحر على الغلابى من أسماك هي التي تبقى لهم بعد أن فطموا من طعم اللحوم ولم يعد لهم طاقة على تذوقها، فاذا بالبحر الذي لا يبخل عليهم بما يجود به من سمك يأتيه غول آخر هو الاستثمار ليلتهم كل ما جاء به عليهم ويقذفه إلى دول الجوار وغيرها من الدول باحثا في أسواقها عن العملة الصعبة، تاركاً سوقنا تقتلها الحسرة ونظرة المسكين الذي يتفحص ليلياً ببصره طاولتها الفارغة من أنواع السمك التي اعتادها حتى(الصابات)، وأصبح الديرك والغودة والثمد.. أسماء لأنواع من السمك قد نسي المواطن شكلها، وإذا جاءت السوق خطأ فإن سعرها لا تقوى عليه إلا جيوب هؤلاء الأقوياء. والعجيب أن سعر الثمد مثلاً في سوقنا المحلي وصل في رمضان إلى (1000 ريال) للكيلو بينما لا يزيد سعره في دول الجوار على (8 ريال سعودي) ويصدر من أسواقنا إليهم .. ماذ تقول حكومتنا في تفسير ذلك رغم أنها لديها قدرة على التنظير تفوق قدرتها على التنظيم.. وكله استثمار!!

أخيراً يقولون إن التاريخ يعيد نفسه وهكذا رأيت ذلك ماثلاً أمامي وما أشبه الليلة بالبارحة حين استجوب مجلس النواب الموقر رئيس الحكومة في جلسته الأخيرة من جلسات انعقاده على ضوء آخر المستجدات في الإصلاح الإداري والوظيفي واعتماد إضافي لتغطية عجزها المالي وغيرها، وقد مثل رئيس الحكومة للرد على أسئلة النواب وقد أشفقت عليه وهو يحاول جاهداً الرد على استفسارات النواب وخطبهم النارية الاستعراضية، وتساءلت لحظتها من يستجوب من؟! فالنواب بحاجة أولاً لاستجواب من قبل ناخبيهم الذين حملوهم الأمانة فلم يكونو أهلاً لها وبحثوا سياسياً عن مصالحهم قبل البحث عن مصالح الأمة.

وهنا تذكرت المشهد الذي وقف فيه رئيس الحكومة حالياً ووزير الكهرباء أمام المدعي العام في أحداث 13 يناير التي وقعت بجنوب الوطن، وأشفقت عليه وهو يرد على أسئلة المدعي العام حول اتهامات وجهت له وحينها سألت نفسي من يحاكم من؟! فكل قد تحمل أوزاراً لا طاقة لمحاكم العالم بأجمعها أن تقضي فيها أمراً.

وبين هذا وذاك يظل المواطن يدفع فواتير أخطاء الأنظمة والحكومات، ولكني أراه هو الآخر يتحمل مسؤولية مباشرة في ذلك لأن السلبية التي يعاني منها والتي حملها معه من إرث الانظمة الشمولية التي جعلت منه هيكلاً آخر لا يقوى على شيء فمتى يكتسيى الهيكلان؟!

هيكل الحكومة الذي طال انتظاره وهيكل المواطن حين يكون جسداً متعافياً.. الحكومة والمواطن بحاجة إلى إجابة على ذلك. ولا نملك إلا أن نقول لهما رمضان كريم وكل عام وأنتم بخير.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى