نجوم عدن..عمر قاسم العيسائي

> فضل النقيب:

>
فضل النقيب
فضل النقيب
لم يكن محل بيع الجملة للشيخ عمر قاسم العيسائي يبعد كثيراً عن محل الشيخ علي عبدالله العيسائي في حافة الشيخ عبدالله بكريتر - عدن. لقد كان الشيخان والمحلان أقرب لبعضهما من حبل الوريد، وأصبحا في فترات متلاحقة شريكين متنافسين لا يشق لهما غبار في منسوجات الشام العالية الجودة وفي الشركة العربية للسيارات و«كندا دراي»، ولا يزالان إلى اليوم بعد مرورأكثر من نصف قرن عالقين في ذلك الهوى القديم وإن كان كل منهما قد عبر بإمبراطوريته نصف تخوم العالم على الأقل.

للشيخ عمر شخصية «كاريزمية» شديدة الجاذبية وآسرة السحر، وهو لا يحسم الأمور الخلافية أبداً بالضربة القاضية وإنما بالنقاط ، كما أنه عاشق للسخرية المرحة يستعين بها على جفاف الناس ويعبّر عما بين السطور، فما كلُّ كلام يقال، وهذا الدهاء المرشوش بكرمٍ أصيل يصدر عن نفس نورانية.

يبدو لي أن نهاية الحرب العالمية الثانية كانت منطلق أعمال الشيخ عمر بصورة أو بأخرى بقرب مطلع الخمسينات أو قبلها بقليل لأنني حين وعيته في منتصفها كان رجل أعمال يشار إليه بالبنان بمقاييس ذلك الوقت وقد أخذ يوزع أعماله بين عدن وجدة ذهاباً وإياباً، وقد افتتح معرضه الأول للسجاد في شارع العسقلاني أمام مقهى فارع الشهير وكان آية في جاذبية العرض والتلطف إلى المشتري تعبيراً عن الذوق الحديث الذي كانت المخازن القديمة تجافيه.

ذات يوم سألني والدي الذي كان يعمل «مُبردِن» أي وكيل مغتربين، كم لدينا في حساب البنك؟.. قلت له أربعمائة ألف وبعض شلنات، قال حول المبلغ كله لعمك عمر ولا تبق سوى ما يسمح بعدم غلق الحساب، سألته عن الموضوع فقال: لا أدري.. من يسأل الجبل يا ابني؟.. ولم تمر سوى 3 أو 4 أيام حتى كان المبلغ في حسابنا وقد تعجبت من ذلك أكثر مما تعجبت في البداية: الوعد كالرعد والإيفاء كالمطر.

روى لي والدي أن الشيخ عمر قبل أن يقف على قدميه كان يضع مدّخراته لدى الشيخ صالح حسين بن شيهون الذي كان مستودع الأمانات لأهل يافع ومسكنه في حارة الاتحاد بكريتر إذا لم تخنّي الذاكرة.. وكان رجلاً جاداً بالغ الصّرامة تعرفت إليه برهبة في آخر أيامه حيث كان والدي يتردد عليه للسلام وشرب فنجان قهوة بين حين وآخر محبة وتقديراً، وقد طلب منه الشيخ عمر أمانة مودعة، فوهم الشيخ صالح ظاناً أنه قد أخذها وكان رده كعادته قاطعاً مانعاً، فتبسم الشيخ عمر الذي كان في عنفوان الشباب وأجابه: لعلـّني أخذتها ونسيت فسامحني. ثم خرج.. و«لعب الفار في عب الشيخ صالح» فقام بجرد كل الأمانات وتدقيقها حتى وجد أمانة الشيخ عمر فاستدعاه واعتذر له وسلمه ما أودعه، عاتباً عليه أنه لم يلحّ في طلب حقه لتنبيهه، فقال له: أنا كنت متأكدا مئة في المئة أنك ستجدها وستستدعيني فمن يعدل إذا لم تعدل أنت يابن شيهون؟.. جَبَرَ خاطر الشيخ واسترد حقـّه، ألم أقل إنه لا يحب الفوز بالضربة القاضية وإنما بالنقاط.

العم عمر سيرة ممدودة وسريرة محمودة، وإذا كان كثيرون قد تسابقوا إلى قمم الأعمال ووصلوا إليها فإنه بين قليلين ظلوا على القمة محافظين على توازنهم وعلاقاتهم وحسن تسيير أعمالهم.. دون أن يقولوا هذا من عند أنفسنا {ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله، لا قوة إلا بالله ...} صدق الله العظيم.

لا أدري لماذا حلمت يقظان أن الشيخ عمر سيذكر عدن المدينة الفاتنة التي لم يعد إليها منذ أربعين عاماً على الأقل والتي كانت محط أحلام شبابه، وسيتذكر كذلك مسقط رأسه في العياسئ - يافع - حيث وجدتُ رفيق عمره الشيخ علي عبدالله العيسائي يحاول أن يشاهد فيلم طفولته المرسوم على المنحدرات الصخرية والسُّحب العابرة.

إننا لمنتظرون.. وكل عام وأنتم بخير.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى