مع القرآن

> «الأيام» علي بن عبدالله الضمبري:

> يقول الله - تقدست أسماؤه وعظمت آلاؤه - مخاطباً حبيبه الأعظم محمداً صلى الله عليه وآله وسلم في الآيات 62-65 من سورة الأنفال: {وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألّف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألّفت بين قلوبهم ولكن الله ألّف بينهم إنه عزيزحكيمü يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين ü يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم مائة يغلبوا ألفاً من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون}.

هذه الآيات من سورة الأنفال التي خلدت ذكريات غزوة بدر الكبرى بصفتها أول مواجهة مسلحة مع معسكر الشرك والكفر في 17 رمضان من السنة الثانية للهجرة.. رغم قلة العدد والعتاد، وضآلة الإمكانيات، وشراسة الهجمة الهمجية العاتية.. لكن النصر صار للإسلام لأن الله قد أيد رسوله الكريم بنصره الذي تحقق على أيدي المؤمنين الذين ائتلفت قلوبهم على حب الله دونما طمع في مال من أوساخ الدنيا.

على أن الملفت لنظر المتأمل أن الآيات ركزت على (ألفة القلوب) هذه الحالة الإيمانية التي نفتقدها ونفتقر إلى نسائمها الندية وأحاسيسها الدافئة وقد كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم يحرص هو بنفسه على تعميق هذه الألفة الإنسانية.. ولنقف عند هذا المشهد الحي النابض المؤثر الذي حدث قبيل معركة بدر فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يسوي صفوف المجاهدين ويعدلها والصحابي (سواد بن غزية) خارج الصف، فدفعه النبي بشدة على بطنه بقدح (سهم) فقال سواد: أوجعتني يا رسول الله وقد بعثك الله بالحق والعدل فأقدني (دعني آخذ حقي منك).. فكشف النبي صلى الله عليه وسلم عن بطنه فقال لسواد: استقد، فاعتنق سواد النبي صلى الله عليه وسلم وقبل بطنه فقال له النبي : ما حملك على هذا يا سواد؟ قال: يا رسول الله ، قد حضر ما ترى، فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك. فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم.

تقول الأستاذة حنان اللحام في كتابها (هدي السيرة النبوية في التغيير الاجتماعي صفحة 209) «هل بين القواد والمربين والعلماء من يعامل أتباعه بهذا العدل؟! فكيف لا يحظى محمد صلى الله عليه وسلم بحبهم واستعدادهم لفدائه بأرواحهم؟ هذا عدا عن أنه نبي مرسل ينبغي نصرته والدفاع عنه.

إن القرآن لا يعير الجانب المادي والمالي أية أهمية، ولا يضع له وزناً أو اعتباراً : {لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم} .. وكأنه يرد- بشكل غير مباشر - على تلك الدعوات والجماعات المشبوهة التي تتحرك (بدعم أهل الخير) وتقدم الفتنة والشقاق والخلافيات التي (توزع مجاناً) رغبة في تنافر القلوب وتناكر العقول، وتناحر النفوس.

لقد كان النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم يحرص ويحث ويحض ويدعو إلى اعتبار الأخوة الإيمانية معياراً للمفاهيم وميزاناً للمواقف، فالمسلم أياً كان أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يقتله ولا يحقره، وحفاظاً على تأليف القلوب جعل النبي المعلم المربي (أربى الربا) : «استطالة الرجل في عرض أخيه المسلم» وبالمقابل قال النبي صلى الله عليه وسلم : «دعوة المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه بخير، قال الملك الموكل به: آمين، ولك مثله» رواه مسلم.

وقررت الآية الأخيرة أنه لو كان هناك مئة مؤمن فلسوف يغلبون ألف كافر.. فكيف والحال أن لدينا أكثر من (مليار مسلم) لم يغلبوا (مليون صهيوني).. لماذا لأن (ألف بين قلوبهم) معدومة بسبب قلوبهم المهزومة ونفوسهم المأزومة وحسبنا الله ونعم الوكيل.

اللهم ألف بين قلوب عبادك، وأجعلهم من أهل حبك وودادك، واجمع كلمتهم على الهدى وأحفظهم من كيد العدا.. آمين .. وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى