سياسة الرد والانفعال السريع على كل شيء

> د. عمر حسين أحمد:

> في عدد من جلساتي ونقاشاتي مع مجموعة من الأصدقاء من ابناء الجالية اليمنية وخاصة منهم ابناء الجنوب حول ما يجري في وطننا وحول السياسات اليمنية الجديدة وإعلامها الرسمي خلصت إلى أن هناك إجماعا على أن الحكومة اليمنية وإعلامها الرسمي ومن يدور في فلكهما أظهروا في الفترة الأخيرة شكلاً وأسلوباً فيه كثير من التشدد والحدة وردود الأفعال غير المبررة، وهو أسلوب لو استمرت الحكومة اليمنية وإعلامها في الأخذ به سوف يؤدي بنا حتماً إلى شكل من أشكال النظم الشمولية التي انتهت بقيام دولة الوحدة في الثاني والعشرين من مايو 1990، على الرغم من أننا في اليمن ندعي ونصر بإلحاح على أننا دولة ديمقراطية! والمتتبع للإعلام الرسمي ومن دار في فلكه يلمس كل ذلك من خلال ردود الأفعال على التصريحات التي أدلى بها السيد كراجيسكي، السفير الأمريكي في اليمن لصحيفة «الأيام» والتي قال فيها إن تقدم الديمقراطية في اليمن قد توقف.. وهو تعليق نسمعه كل يوم وربما نسمع أسوأ منه كقول البعض بأن الديمقراطية في كل من أمريكا وبريطانيا والدول الأوربية لا سيما بعد أحداث 11 سبتمبر قد تراجعت بسبب الإجراءات الأمنية، ولا تخرج الدولة لتلعن من يقول ذلك.. ولكن رد الفعل الحاد من قبل الإعلام الرسمي اليمني تجاه تصريح السفير الإمريكي يثير تساؤلات وشكوكا في مقدمتها هل أصاب سعادة السفير الإمريكي كبد الحقيقة؟ والجواب عن هذا السؤال اختلف فيه كل من ناقشت الأمر معهم، إلا أن معظمهم قد اتفق معي بأن السيد كراجيسكي قد أصاب كبد الحقيقة ووضع يده على الجرح الدامي لديمقراطيتنا التي بدأت تحبو كما يحبو الاطفال وعندما ارادت الوقوف للسير اصيبت بالشلل كذلك الشلل الذي يصيب الاطفال. ومن أجل تسمية الأشياء بمسمياتها دون استحياء أو خجل وبدون أن نعمل مثل النعامة التي تخفي رأسها فقط دون بقية جسدها تحت الرمال، ظناً منها أن الآخرين لا يرونها، فأنا من أبناء الجنوب المتتبعين لمعظم وسائل الإعلام اليمني وقد لاحظت في الفترة الأخيرة أن الحكومة اليمنية وإعلامها الرسمي ومن دار في فلكه يركزون كثيراً علي مهاجمة شخصيات وطنية جنوبية وبأسلوب غير لائق دون سواهم وبطريقة وأسلوب متشددين وحادين وكأن الحكومة وإعلامها يريدان التأكيد على سياستهما التي استهلوها بقائمة الستة عشر بعد حرب صيف 1994 الظالمة، وهي القائمة التي ضمت ست عشرة شخصية جنوبية فقط..وتحاول الحكومة اليمنية وإعلامها الرسمي ومن يدور في فلكهما اليوم وكل يوم أن يضموا لها شخصيات وطنية سياسية وعسكرية جنوبية جديدة أمثال الرئيس علي ناصر محمد وعلي سالم البيض وعبدالله عبدالمجيد الأصنج وأحمد عبدالله الحسني، واصفة هذه الشخصيات تارة بالجنون وتارة أخرى بالعمالة والخيانة، ويخشى إن استمرت هذه الحالة للسياسة اليمنية بهذا الشكل والأسلوب أن يجد كل أبناء الجنوب أنفسهم قد ضموا إلى قائمة الستة عشر بمن فيهم من يتبوأ اليوم مناصب عليا أو وزارية كما حدث لعبدالله أحمد غانم عندما كان وزيراً واتُهم من قبل أحد الوزراء الشماليين في اجتماع لمجلس الوزراء بأنه انفصالي. ومن منطلق العفو العام الذي أصدره رئيس الجمهورية في حق الكل وما تعرض له الإخوة المذكورون آنفاً، فإننا نجد أن الرئيس علي ناصر محمد ـ ولم أقل الرئيس السابق لأن العرف المعمول به في كل بلاد العالم وخاصة منه المتحضر أن صفة الرئيس أو عضو مجلس قيادة يحتفظ بها الرئيس والعضو حتى بعد أن يترك وظيفته فلا يقال على سبيل المثال الرئيس السابق كلينتون ـ إضافة إلى ذلك فإن رؤساء كثير من الدول مثل أمريكا وأوروبا يستمرون بالاحتفاظ بكثير من الامتيازات وهم خارج السلطة التي كانوا يتمتعون بها عندما كانوا في السلطة مثل حق الاطلاع على أخطر التقارير السرية استخباراتية أو غيرها، إضافة إلى أن الرؤساء الامريكيين بعد خروجهم من السلطة يصبحون مستشارين للرئيس الجديد.. وكل ذلك لا يعني سوى الحفاظ على المستوى اللائق للرئيس بعد خروجه من السلطة.. كما أننا لم نسمع أو نقرأ أي نقد أو تجريح في حق رئيس أمريكي أو بريطاني أو فرنسي أو... او... بعد خروجه من السلطة. وفي المقابل فإننا قرأنا الكثير في وسائل الإعلام الرسمي اليمني ومن يدور في فلكها من هجوم وتجريح إعلامي في حق الرئيس علي ناصر إضافة إلى أن مسكنه الشخصي قد صرف لشخص آخر دون حق قانوني، وفي تصوري الشخصي ربما يكون هذا سبب عدم زيارة الرئيس علي لليمن وتحديداً عدن منذ فترة، ولقد كان آخر هجوم عليه بعد كتابته مقالا عن الزعيم السوداني الجنوبي جون قرنق الذي أصبح نائباً للرئيس السوداني بعد المصالحة، وهو الذي قتل في حادث تحطم الطائرة التي كانت تقله. أما علي سالم البيض وعلى الرغم من كونه أحد الطرفين الموقعين على اتفاقية الوحدة اليمنية مع الرئيس علي عبدالله صالح، وقد علم حينها في عام1990 بأن الجانب الجنوبي الذي مثله البيض هو الذي أصر على الوحدة الاندماجية بينما تقدم الجانب الشمالي بمقترح وحدة كنفدرالية أو في أحسن الاحوال وحدة فدرالية، كما أن الجانب الجنوبي اشترط الأخذ بالتعددية السياسية وحرية الصحافة.. وربما كان ذلك مسلك الجانب الجنوبي بسبب الشمولية المفرطة التي طبقها الحزب الاشتراكي اليمني وسياسة التأميم والبطش والقتل التي مارسها والتي دمرت كثيراً من المكاسب الذي تحققت للجنوب من خلال الادارة البريطانية له لفترة 129 عاماً .. ولم يشفع له كل ذلك فقد نال قسطاً وافراً من الهجوم والتجريح الإعلامي ربما أكثر مما لاقاه صديقه الرئيس علي ناصر وذلك منذ حرب صيف 1994، كما أن مسكنه الشخصي هو الآخر واجه نفس مصير مسكن الرئيس علي ناصر. إلا أن قضية عبدالله عبدالمجيد الاصنج وهي القضية الساخنة هذه الأيام والتي يبدو مما كتب عنها بأنها آخذة أبعاداً إقليمية وربما دولية.. فالأصنج عرف عنه أنه كان من أبرز الشخصيات السياسية الجنوبية، فقد كان يقود المؤتمر العمالي في عدن ويرأس حزب الشعب الاشتراكي الجناح السياسي للمؤتمر العمالي وذلك قبل استقلال الجنوب عام1967 . وبعد ثورة 26سبتمبر 1962 في صنعاء أسهم إسهاماً فاعلاً في الدفاع عن النظام الجمهوري وذلك بإرسال عشرات الآلاف من المتطوعين من الجنوب على نفقة المؤتمر العمالي.. وبعد الاستقلال اضطرته الظروف للنزوح إلى الشمال حيث تبوأ عدة مناصب وزارية كان أهمها وزارة الخارجية.. وبحكم مناصبه في المؤتمر العمالي وحزب الشعب وفي الاتحادات العمالية العربية والدولية فقد تكونت للاصنج علاقات واسعة وقوية بشخصيات نافدة وقوية عمالياً وسياسياً في كثير من دول العالم وقد عزز من مكانته على المستوى الإقليمي لا سيما لدى دول الجزيرة العربية مناصبه الوزارية في صنعاء.. غير أن الظروف اضطرته مرة ثانية إلى مغادرة صنعاء في عام 1985 والاستقرار في المملكة العربية السعودية. وقبل نحو شهرين نشرت بعض وسائل الإعلام اليمني والعربي بياناً أصدره الاصنج من العاصمة البريطانية لندن أعلن فيه عن تشكيل كيان سياسي معارض للنظام في اليمن أسماه (الكتلة اليمنية من أجل الإصلاح والتغيير والتقدم) وتصدت له وسائل الإعلام الرسمي والحكومة اليمنية وطلبت من المملكة العربية السعودية تسليمه على الرغم من عدم وجود حكم قضائي في حقه لجنحة جنائية.. وقامت الدنيا على الأصنج ولم تقعد بعد.. وبالمقارنة فإن الأصنج دعا لتشكيل كيان سياسي، وبعكس ما ذهب إليه الشيخ الحوثي من تمرد عسكري استمر أشهراً وسقط فيه كثير من القتلى والجرحى، إلا أن الدولة اليمنية عفت عن مجاميع الحوثي وتقوم بصرف مبالغ طائلة لأتباعه الموجودين في صنعاء كرواتب شهرية حتى اليوم.. فكيف يمكن تفسيرهذا الكيل بمكيالين؟.. هل لأن الأصنج من أبناء الجنوب شأنه في ذلك شأن الرئيس علي ناصر محمد وعلي سالم البيض وحيدر أبوبكر العطاس وعبدالرحمن الجفري وغيرهم؟!! وكذا أيضاً السفير أحمد عبدالله الحسني الذي قرر اللجوء إلى المملكة المتحدة تاركاً عمله كسفير لليمن لدى سوريا واتهم حينها بالجنون، إلا أن من شاهدوه في قناة المستقلة الفضائية وهو يقارع ويناقش الكثيرين بمن فيهم عبدالسلام العنسي الذي حاول استفزازه بكلمات خارجة عن الأدب واللياقة لم يرد عليها الحسني سوى ببرود وبمنتهى الأدب، وأثبت للملأ بأنه إلى جانب كونه قيادياً عسكرياً محنكاً فإنه يتمتع بصفات أخرى.. وعلاوة على ذلك أثبت أن الحكومة وإعلامها عندما وصفوه بالجنون قد فعلوا ذلك لأنهم يريدون أن يؤكدوا على سياستهم الجديدة في التشدد وفي ردود الأفعال غير المحسوبة بدقة، التي تأتي نتائجها دائماً عكسية تماماً، كما كان الحال بالنسبة للهجوم الإعلامي الذي شن على السفير الأمريكي. في النهاية أرى أن الأمانة تحتم علي ذكر حقيقة يعرفها الكل، وهي أن الرئيس علي عبدالله صالح عرف عنه أنه صاحب صدر واسع وطول بال ومتسامح ويبقي جسوره مفتوحة مع الكل من خلال الاتصالات المباشرة مع كافة أقطاب المعارضة في الداخل والخارج على السواء، وأنه بحكم المؤكد أن هذه السياسة وردود الأفعال الانفعالية واللغة الحادة المتشددة ليست من طباعه وشيمه، وأن من يقوم بها معتقداً بأنه يقدم خدمة جليلة للرئيس يخطئ كثيراً ، بل على العكس من ذلك فإنه يسيء كثيراً للرئيس والوطن برمته.

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى