إنها لحظة ميركل وألمانيا القادمة

> علي سالم اليزيدي:

>
علي سالم اليزيدي
علي سالم اليزيدي
دخلت رئيسة الاتحاد المسيحي الديمقراطي في ألمانيا أبواب حقبة تاريخية مع فوزها بمنصب المستشارية للمرة الأولى في هذا البلد الاوروبي الكبير، ولهذا فهي أول امرأة تصل إلى هذا المنصب في تاريخ ألمانيا، ومع أنها قد تبوأت عدة مناصب حكومية في عهد هلمت كول، منها وزيرة للبيئة والعائلة، فهي ضعيفة كما يقول المراقبون بخصوص السياسة الخارجية وقد ركزت خلال مناظراتها وحملة الانتخابات على قضايا ألمانيا الداخلية، وقد طرحت انغلا ميركل سؤالا بينما كانت تسلط أنظارها على مشاهديها وهو هل نحن الألمان أفضل حالاً مما كنا عليه العام الماضي، أوالذي قبله، هل يبدو مستقبلنا أكثر ازدهاراً؟ وقيل في حينه إن ثقافتها السياسية قد دفعتها إلى التركيز على الوضع الألماني بعيداً عن القضايا الدولية اأخرى، وقال عنها المناوئون إن الديمقراطية لدى انغلا ميركل عمرها خمس عشرة سنة فقط فهي من الجزء الشرقي لألمانيا وعاشت تحت ايديولوجية شمولية، ولكنها مع ذلك من أسرة كاثوليكية وغيّرت في خطاباتها الرأي العام وسحقت كل الافكار المناوئة، وشبهها الكثيرون بأن مرحلتها الانتخابية تشبه مرحلة الرئيس الأمريكي رونالد ريغان، ويوم عانى الأمريكيون ليواجهوا الخيار عام 1980م وأوصلوا ريغان للحكم ولكن الألمان لا يشبهون الأمريكان ولا تشبه ثورة ميركل ثورة ريغان كما يعتقد البعض من المحللين والمتابعين للتحولات الجديدة في ألمانيا.

ولكن ما هو التغيير الحقيقي الذي حدث في صلب المجتمع الألماني بصعود انغلا ميركل؟ يقول مراقبون غربيون إن وصول زعيمة لألمانيا من الجزء الشرقي ومنذ التوحيد في عام 1990م، هو تطور داخلي حقيقي بالنسبة للتوحيد الألماني وايضاً تبوء هذا المركز من ثقافة ذات بعد شمولي وهو ما يشعر البعض بأن له تأثيراً ضرورياً في المرحلة المقبلة، أولاً من حيث الظهور لهذه الشخصية القادمة من شرق ألمانيا، حيث مخلفات الشيوعية وهي نظام شامل وأحد نظامين في ألمانيا أعقبا النظام للحزب النازي آنذاك. ثانياً هو إحداث توازن جذري بين الرجال والنساء في المجتمع الالماني والأهم من هذا هو كيف ستبدو عليه صورة ألمانيا الخارجية تحت حكم ميركل، ومن هنا فإن من الضرورة التوضيح أن القصة الحقيقية في ألمانيا هي بالرغم من المعارك المزعجة على السطح فإن هناك توافقاً براغماتياً متنامياً في أوساط النخب السياسية، ولدى الحزبين الرئيسيين مقترحات إصلاح جديدة، وهنالك الكثير من مراكز الأبحاث والفكر التي تشرح لماذا بات من الضروري تطبيق هذه الإصلاحات وأن جزءاً كبيراً من وسائل الإعلام ومؤسسات الأعمال الألمانية تؤيد هذه الإصلاحات بصوت عال.

ومع أن الكثيرين أثناء التصويت وما قبله اعتبروا المرحلة السابقة أسوأ مرحلة حكم في تاريخ ألمانيا فإن مشكلة ألمانيا الحقيقية ليست مشكلة اقتصادية ببساطة، بل هي نفسية، فرغم كونها ثالث أغنى دولة في العالم فإنها من أكثر دول العالم اكتئاباً، وهذا الغضب المفرط يترجم نفسه إلى إنفاق استهلاكي أدنى، ويمكن هنا توجيه اللوم إلى السياسيين الألمان وهذا ما يفسر كيف تحول خطاب انغلا ميركل إلى القضايا الألمانية الداخلية غير عابئة بالخارج، ووصف المراقبون خطاب شرودر بأنه يشبه خطب تشرشل البريطاني والمناشدة بالتبرع بالدم، والنموذج الذي أثار رضى الألمان في حديث ومناظرة ميركل جعل منها قريبة إلى محاكاة الوجدان الألماني وما يتطلبه ويصبو إليه، فكانت كما اتفق الغالبية على أنها لحظة ميركل في ألمانيا القادمة.

وبين هذا وذاك، فما الذي يقدره العرب من الفوز الجديد والنتائج المنظورة؟ طبعاً هناك تساؤلات وقلق حقيقيان إذ صدم العرب بأن الزعيمة انغلا ميركل ذات الخمسين عاماً ستقف إلى جانب قضايا ألمانيا الداخلية أكثر، وهذا سيؤثر بالضرورة على العرب وقضاياهم والمسلمين وسينطبق الحال في النظام الجديد على التأثير ربما بصورة أضعف على المهاجرين العرب وقوانين الهجرة وسياسات العمل والضمانات الاجتماعية، وهو المحور الذي يدور في أذهان المراقبين والسياسيين العرب والمهتمين بالشؤون العربية في ألمانيا، وكل ما يأمله العرب هو أن يحصل الحزب الاشتراكي الديمقراطي في التشكيل الائتلافي الحكومي على وزارة الخارجية، وهو الذي شهد تفاعلا مع عدد من القضايا العربية في الآونة الأخيرة، وهذه التوقعات هي الأقرب من العواصم الشرق أوسطية العربية والتطلع إلى تفاهم عربي ألماني قادم.

ومهما قال عنها خصومها السياسيون فقد نجحت لأنها وضعت نفسها أمام ألمانيا كما أرادت هي أن تكون وتقدم صورة لتفاؤل مستقبل ألمانيا، وأيضاً فازت انغلا ميركل لأن ألمانيا أرادت أن تعلن للعالم ولأوروبا خصوصاً جذرية الوحدة الألمانية وتاريخ دروسها البليغة من واقع التاريخ للأمة الألمانية، وأرادوها من شرق ألمانيا حاكمة لكل ألمانيا لنهضة موحدة وكسر الحاجز النفسي بعد تحطيم جدار برلين، ولهذا فإننا نعتقد أن هؤلاء الألمان لا يشبهون أحداً الا أنفسهم وتاريخهم وتجديده زمناً بعد زمن، فلا داعي للادعاء بأن هناك تشابهاً سياسياً يربط الألمان بهذا أو ذاك.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى