السلطة وسلطة الدولة

> الشيخ طارق عبدالله المحامي:

> لقد كانت تصريحات فخامة الرئيس مؤخراً بشأن اللامركزية موضع ترحاب من قبل المواطنين بوجه عام.. مرة أخرى كانت تلك نقطة انطلاق للمهنة القانونية، أهل الفكر و الأحزاب السياسية وبوجه خاص أنصار الحكم المحلي في التفكير بشكل فعَّال في تعديلات محتملة لقانون السلطة المحلية وكذا الدستور مما يخدم ويحقق الغرض الرئيسي بالدرجة الأولى ألا وهو التعايش السلمي في إطار تأسيس دولة ذات نظام تعطي فيه للمحافظات صلاحيات واسعة.

ولكي نفهم ماهية هذا من الضروري أن يكون لدى المواطنين في إطار مجتمعنا إدراك أفضل لمفهوم السلطة وسلطة الدولة عند استخدام المصطلح في سياق القانون المحلي أو السلطة المحلية وسوف أحاول هنا القيام بذلك.

السلطة هي طاقة إرادية تظهر عند من يتولون إدارة جماعة بشرية تسمح لهم بفرض أنفسهم.. وهذا الغرض إما أن يتم بالقوة أو بناء على الرضا وتوزيع الاختصاص، فإذا كان مصدر السلطة هو القوة قيل إن السلطة (سلطة فعلية)، أما إذا كان مصدرها رضا الخاضعين لها أو تأتي من الأطر الديمقراطية عبر توزيع الاختصاص على سبيل المثال عبر الانتخابات، المؤسسات القانونية، الاحزاب والمنظمات السياسية، المؤسسات والمنظمات غير الحكومية قيل إن السلطة (سلطة قانونية) لأن في ظل القانون والديمقراطية فإن السلطة تجد مصدرها و أساسها في الشعب الذي يمنحها للحكام ولا شك أن أهم ضابط يمكن أو يوقف طغيان السلطة هو تأسيس منظمات المجتمع المدني.

نوع السلطة في اليمن
في حالتنا مزيج غريب من السلطتين (السلطة الفعلية) و(السلطة القانونية):

في اليمن بعد 26 سبتمبر 1962م على إثر سقوط النظام الإمامي في الشطر الشمالي وبعد 30 نوفمبر 1967م على إثر نيل الاستقلال في الشطر الجنوبي كان الحكم بالسلطة الفعلية أي بمجرد القوة واستمر على هذا المنوال.. وإن كلا من شطري اليمن وبأساليب متباينة أعلنا الديمقراطية وتظاهرا بالعمل بها ولكن بأسلوب يتحقق معه بقاء السلطة الفعلية في أيدي الحُكـَّام واستمر إلى حين قيام الوحدة، على سبيل المثال كان مصدر السلطة القوة وليس رضا الشعب، أي أن السلطة الفعلية هي التي حكمت شطري اليمن.

نوع السلطة بعد الوحدة:
مع قيام الوحدة كانت بداية العملية الديمقراطية الصحيحة لأول مرة وكان الاستفتاء الأول يتمثل في تصويت الشعب تأييداً للوحدة ومن ثم كانت هناك ثلاثة انتخابات عامة لأعضاء مجلس النواب وانتخابات للمجالس المحلية وانتخابات رئاسية في ظل التعددية السياسية والحزبية.. وبصرف النظر ودون التفات إلى ما قيل أو يمكن أن يقال بصدد الانتخابات فقد ظلت اليمن الدولة الوحيدة التي سارت بخطى واسعة تجاه العملية الديمقراطية.

للديمقراطية عموماً الأثر العميق تجاه إصلاح وتحسين أحوال البلاد أي توافر فرص متكافئة للمواطنين، استقرار اقتصادي من يخفف من حالة الفقر، إقامة العدل وسريان حكم وقاعدة القانون إلى آخره.. ومع ذلك لم تحقق الديمقراطية اليمنية هذا الأمر.. ويثور السؤال هنا لماذا؟ فالديمقراطية ليست مجرد انتخابات، بل هي تأسيس الاحزاب والمنظمات والمؤسسات الديمقراطية ضمن إطار الحكم والمجتمع مثل إقامة نظام قضائي سليم وخدمة مدنية.. إلى آخره، الأمر الذي لم يتحقق حتى بالحد الأدنى، ومن الناحية الفعلية فإن الشعب لا يحكم عبر الأحزاب والمنظمات المدنية وإنما الذي يحكم هو القوات المسلحة، الأمن و القبائل (غالبية أفراد القوات المسلحة والأمن هم من القبائل) ولهذا بعد الوحدة أيضاً بوجه عام يتمثل الحكم في اليمن في السلطة الفعلية عبر القوة وليس القانون، ومن المؤسف حقاً أن هذا هو الواقع المرير والقاسي من حياتنا وليس مجرد مصطلح أو رصانة سياسية خاصة.

إن خصائص نظام الدولة البسيطة هي سلطة عليا مركزية، وهي سلطة سياسية وهي سلطة مدنية ليست عسكرية وليست دينية وهي سلطة تحتكر توقيع العقوبة على الخارجين على القانون.. وفي نظام الدولة البسيطة حيت تكون المنظمات أو المؤسسات القانونية والسياسية لم تؤسس بعد بشكل سليم كاليمن تكون الدولة ذات طابع عسكري، حيث أن المنظمات والمؤسسات القانونية والسياسية في اليمن غير كافية، والنظام القضائي والخدمة المدنية في أسوأ الأحوال، ونرى أن الطابع العسكري والقبلي يغلب على سلطة الدولة، غير أن الوضع الطبيعي للدولة هو أن تمارس السلطة فيها بواسطة موظفين مدنيين وقضاء كفؤ و نزيه وبجانب السلطة المدنية، توجد سلطة عسكرية هدفها الدفاع عن الدولة ضد الأخطار الخارجية، وهذه السلطة العسكرية تظل خاضعة للسلطة المدنية، ولتحقيق الفصل بين السلطة المدنية والسلطة العسكرية، يحدد مكانيا اختصاص السلطة العسكرية بحيث لا تمارس اختصاصها خارج المعسكر والمناطق العسكرية، والقاعدة العامة أن الجيش ليس له أي مهمة في حفظ النظام والأمن والسكينة داخل السلطة المدنية، فهذه المهمة موكولة لرجال الشرطة وهيئة الشرطة وهي من المفروض أن تكون هيئة مدنية.

وقد بات واضحاً أن اليمن لم تكن في حكم السلطة المدنية حتى في نظام الدولة البسيطة المركزية، ويجب الإقرار بأن الرئيس في ظل الظروف الصعبة كان وما زال يبذل قصارى جهده لتأسيس الدولة المدنية الحديثة، العصرية والبسيطة.

الدولة المدنية الحديثة، العصرية والبسيطة:
إن الدولة المدنية الحديثة لم تنشأ إلا عندما احتكرت الدولة توقيع العقاب، وسحبته من السلطة العسكرية والقبائل، فالدولة لا تستطيع تطبيق القوانين إلا إذا كانت تضمنها بتوقيع العقوبة على من يخرج عليها، إن جوهر سيادة الدولة المدنية الحديثة هو في احتكار الحكام سلطة توقيع العقوبة بأسلوب منظم على الجميع، وأصبح أمراً واضحاً أن الدولة في اليمن غير قادرة إلى حد كبير أن تعاقب أفراد القوات المسلحة وأفراد القبائل بموجب القانون كما تعاقب المواطنين العاديين، كما أن الدولة غير قادرة على تنظيم تنفيذ أحكام المحاكم بشكل صحيح والسبب يعود إلى المحاكم وإلى جهة التنفيذ على حد سواء، وإن هذا هو بداية انهيار الدولة.

في عام 1967م عند استقلال عدن والجنوب كانت عدن مدينة عصرية ومن المدن الأكثر تحضراً وبمينائها الدولي الذي كان يدار على أحسن وأكمل وجه، وبعد الاستقلال أوقف الاشتراكيون التقدم والتطور ولم تكن لديهم نظرة احترام للدين، الديمقراطية وحقوق الإنسان، إلا أنهم أزالوا الجوع والفقر تقريباً، رفعوا من شأن معرفة القراءة والكتابة وذلك من خلال توفير تعليم مجاني الذي كان إجبارياً على المستوى الابتدائي والمتوسط، وإلى حد ما خففوا من حالات معاناة المرضى الفقراء وذلك من خلال تقديم خدمة طبية أساسية مجانية.. وفي مايو 1990 عند قيام الوحدة التي شابها الكثير من العوائق والنواقص كان لليمن الجنوبي شكل السلطة المدنية في ظل نظام الدولة البسيطة المركزية، ولقد أعطت الوحدة للمواطن في الجنوب حقوقه كما أعطته الحرية لممارسة الطقوس الدينية والقيام بالعمل التجاري وأدخلت العملية الديمقراطية في ظل نظام التعدد الحزبي إلا أن كل ذلك لازال مجرد شكل للسطة المدنية، ولم تتمكن اليمن الموحدة بعد من تثبيت السلطة المدنية الحقيقية نظراً لهيمنة الجيش والقبائل ونظراً لأن النظام لم يستطع تأمين الغذاء للجائع والدواء للمريض والعدالة للمواطن العادي بموجب القانون وتوفير الخدمة المدنية الخالية من الفساد والرشوة.

وبعد كل ما تم ذكره يجب الإقرار مرة أخرى بأن الرئيس كان وما زال يحاول بذل أقصى الجهد لإنشاء يمن جديد كدولة إسلامية متحضرة تحت ظروف صعبة جداً. وعند قيام ثورة سبتمبر 1962م كانت اليمن الشمالية في وضع القرون الوسطى المظلمة، وقد سارت اليمن الشمالية بخطوات واسعة تجاه التقدم والتنمية إلى الأمام وأصبحت موضع فخر ويعود و ينسب هذا الفضل إلى الرئيس.

بهذه الخلفية الأمر متروك لنا أولا لنأخذ بالاعتبار ماهية الحكم الأفضل ملائمة لليمن و الأساليب التي بموجبها يمكن تحقيقه وإنجازه وماهي الأساليب الملائمة لمشاركة ومساهمة القبائل في بناء الدولة المدنية الحديثة وكيف يمكن تحقيق ذلك؟ حتى الآن معظم الكتاب و بعض الاحزاب المعارضة قد أكدت على نظام اتحادي أو حكم محلي بأوسع الصلاحيات بوجه عام مع طرح المبررات لذلك، والمطلوب هو إعداد دراسة تفصيلية علمية وعملية و برنامج نظامي لأنه دون ذلك لا يمكن تحقيق نظام حكم محلي، وإن شاء الله سوف تقوم جماعة أنصار الحكم المحلي بإعداد دراستها وبرنامجها وطرح هذه المنظومة لمعرفة الجمهور.

نسأل المولى عز وجل دوماً أن يعين الجميع لما فيه الخير للكافة .. آمين.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى