> عبدالعزيز يحيى محمد:

أعتقد -وأتمنى أن يكون اعتقادي هذا خاطئاً- أن الخسارة هي الشيء الوحيد الذي سيجنيه أولئك الذين يراهنون على أن السلطة في بلادنا ستقبل أو ستقوم بإجراء إصلاحات حقيقية في بنية النظام السياسي القائم حالياً، من شأنها أن تفضي إلى بناء دولة تكون السلطة فيها قابلة للتداول سلمياً بين قوى المجتمع السياسية المختلفة.

لذلك فإنني أرى أن القيام بتلك الإصلاحات لن يتم إلا متى ما وضفت واستغلت وجندت وسخرت واستخدمت، كل قوى وأحزاب المعارضة اليمنية وفي مقدمتها الفاعلة منها وأقصد هنا تحديداً تلك الأحزاب المنضوية في إطار اللقاء المشترك، كل الظروف والمناخات المناسبة والملائمة الداخلية منها والخارجية، وكل الطاقات والقدرات والإمكانات، وكل الأساليب والوسائل والسبل الممكنة والمتاحة والمتوفرة ذاتياَ وموضوعياً، التي تمتلكها ويمتلكها المجتمع.

فمن ضمن أهم الوسائل التي ينبغي بل ويجب على أحزاب المعارضة الاستفادة منها واستغلالها إلى أقصى حد ممكن في نضالها لتحقيق الإصلاحات المنشودة، تأتي وسيلة المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية العامة وفي مقدمتها الاستحقاق الانتخابي المتعلق برئاسة الجهورية.

فلاشك أن أي موقف رافض لمسألة المشاركة في الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في شهر سبتمبر من العام القادم، قد تتخذه أحزاب المعارضة الرئيسة، بحجة افتقار (الملعب السياسي) للتسوية المطلوبة في كافة الجوانب كتلك المتعلقة بتركيبة وصلاحيات الهيئات واللجان الانتخابية المشرفة والمنظمة لكافة المراحل الانتخابية، وتلك المتصلة بالسيطرة والتوظيف للإمكانات والقدرات العامة للدولة.. إلخ باعتبارها تخضع وتسخر بصورة شبه مطلقة للحزب الحاكم.. أقول إن أي موقف كهذا سيخلق وسيوجد آثاراً وانعكاسات سلبية بالغة الخطورة والتعقيد ليس فقط على قوى وأحزاب المعارضة فحسب بل وعلى مجمل أوجه حياة المجتمع، والعكس صحيح بالنسبة لمشاركة الأحزاب في ذلك الاستحقاق المهم والكبير.

فإذا كانت مشاركة الأحزاب في أية عملية انتخابية تمكنها - بصورة عامة- من تعزيز وتقوية وجودها وتأثيرها في الحياة السياسية، وتعمق من ارتباطها بجماهير الشعب، وتكشف من خلالها جوانب الضعف والقوة التي تعانيها وتمتلكها، وتبين لها الأسباب والعوامل المعيقة والكابحة، والمطورة والمحركة للممارسة الديمقراطية، ويتوضح من خلال ما تسفر عنه من نتائج المدى الحقيقي الذي وصلت إليه وبلغته مصداقية السلطة فيما تدعيه وتعلنه من إيمان وتمسك بالممارسة الديمقراطية على صعيد الواقع العملي.

إن مشاركة المعارضة في الانتخابات الرئاسية القادمة سيمكنها - بصورة خاصة- من تعزيز وتقوية ثقة والتفاف مزيد من الجماهير بها وحولها، كون ذلك سيمثل بالنسبة لهم دليلاً قوياً على أن أحزاب المعارضة قد رفضت القبول بأية امتيازات أو إغراءات خاصة قدمت لها من قبل السلطة في مقابل تخليها عن حقها- الذي يعد حقاً عاماً لكل مواطن- في منافسة مرشحها في السباق على كرسي الرئاسة، وبأنها منحازة - بالفعل- لقضايا الشعب وحقوقه رغم ما سيكلفها ذلك من ثمن فوق الثمن الذي تدفعه باستمرار من جراء معارضتها الدائمة للسلطة.

والأهم في مشاركة المعارضة في الانتخابات الرئاسية، أنها سوف تسهم وستؤدي إلى خلق وإيجاد وعي وشعور لدى الكثير من أفراد الشعب بأن تبوء منصب رئيس الجمهورية، لا يعد حقاً يحتكره أو يمتلكه حزب أو طبقة أو فئة أو طائفة أو قبيلة، وإنما هو حق مكفول لأي شخص سواء بصورة (فردية) أو بصورة (جماعية) كممثل لأي حزب وقوة أو أحزاب وقوى سياسية، حاز مرشحها على تأييد أكثر من 50% من عدد المشاركين في الانتخابات الرئاسية.. كما ينص عليه الدستور الحالي للجمهورية اليمنية.

وبغض النظر عن النتيجة التي سيحصل عليها مرشح أو مرشحو المعارضة في الانتخابات الرئاسية، إلا أن مشاركتهم فيها ستشكل مدخلاً مهماً ضمن مداخل أخرى، لإشراك مزيد من أفراد الشعب في مطالبة السلطة والضغظ عليها كي تقوم بتطبيق مبدأ التداول السلمي للسلطة ولكي تصبح مسألة مشاركة المعارضة في الانتخابات الرئاسية القادمة خطوة مهمة على طريق النضال الذي تخوضه في سبيل إجراء إصلاحات حقيقية للنظام السياسي القائم حالياً، فعليها ضرورة الاتفاق على اختيار مرشح واحد يمثلها في تلك الانتخابات، بغض النظر عن الحزب الذي ينتمي إليه ذلك المرشح.

ففي حالة أن المعارضة توصلت إلى اتفاق من هذا القبيل، فمن المؤكد أن فرص فوز مرشحها بمنصب رئيس الجمهورية ستكون كبيرة.