مداميك الثقافة الوطنية المعاصرة في عدن أشخاص..أماكن..وأزمنة

> صالح حنش:

> في أمسية من أمسيات عدن الرمضانية التي تحييها المنتديات والجمعيات والاتحادات الثقافية والفنية والإبداعية إحياءً لهذا الشهر الكريم حل الأستاذ الفاضل: عبدالله فاضل فارع، ضيفاً عزيزاً على منتدى الباهيصمي الفني الثقافي ليلة الخميس 17 رمضان الموافق 20 أكتوبر الحالي، لساعات من الزمن كرست للحديث عن الثقافة اليمنية المعاصرة في عدن. ولأهمية الموضوع المختار والشخصية المستضافة في هذه الأمسية المتميزة، كان الحضور كذلك متميزاً ونوعياً ضم نخبة من المثقفين والمهتمين بالشأن الثقافي، وكان اللقاء مفيداً وممتعاً وزاخراً بالمعلومات التاريخية عن جوانب من تاريخ الحركة الثقافية المعاصرة في عدن.. ولتعميم الفائدة نعرض لكم هنا ملخصاً لها.

الترحيب لرئيس المنتدى والتقديم لرئيسه الفخري
كانت البداية كلمة رئيس المنتدى الشاعر محمد سالم باهيصمي، ترحيبية بالأستاذ الضيف وبالحضور، معبراً للجميع عن بالغ السعادة لحضورهم في هذه الأمسية واستجابة الأستاذ عبدالله فاضل فارع لدعوة المنتدى وتلبيتها، تلا ذلك تقديم الأستاذ عبدالله فاضل من قبل الشاعر عبدالرحمن إبراهيم، الرئيس الفخري للمنتدى ضمنه موجزاً عن جوانب من أعماله الجليلة في الحياة الأكاديمية والإبداعية الفكرية والأدبية وأدواره العظيمة في إثراء الحركة الثقافية في الوطن بأسره، ثم طلب من الضيف الأستاذ الفاضل عبدالله فاضل فارع أن يدلي بشهادته على ذلك العصر الذي شهدت فيه عدن نشوء وتأسيس اللبنات الأولى للحركة الثقافية المعاصرة، ومن وحي معايشته الشخصية وباعتباره واحداً ممن أسهموا في صنع ذلكم التاريخ.

مستهل الحديث من الشيخ عثمان
أشخاص.. أماكن.. وأزمنة

استهل الأستاذ عبدالله فاضل فارع حديثه المفيد والممتع من مدينة الشيخ عثمان، لأنه كما قال يريد أن يذكر كثيراً من الشخصيات الثقافية والاجتماعية التي أسهمت بأدوارها في تأسيس وإنشاء حركة ثقافية معاصرة في عدن، مشيراً إلى أن لابد له من استعراض كثير من الأماكن التي كانت تجمع أولئك الرواد ومنها انطلقوا في أداء رسالتهم السامية، ومن تلكم الأماكن.. مبارز القات التي شهد لها بأنها لم تكن مجرد أماكن للقات فحسب، بل كانت مجالس للعلم والثقافة والحوارات والنقاشات الأدبية والفكرية والاجتماعية، لأن هذه المبارز تضم فيها خيرة الشخصيات المثقفة والمتنورة من أبناء وسكان مدينة الشيخ عثمان.. ومن المبارز التي ذكرها: مبرز عبدالولي، الذي كان فيه مجال للعلم والأدب والموسيقى وكان من رواده الشيخ علي أبوبكر باشراحيل، الذي يعد شيخ المطربين في زمانه، أما بقية المبارز فكانت مبرز السيد علي إسماعيل، وكان يجتمع فيه أكثر المثقفين، وهناك مبرز عبدالله غالب عنتر الذي كان من خصائصه أنه مبرز الشباب ويعتبر الأستاذ عبدالله فاضل فارع أحد رواده.

ثم انتقل بالحديث إلى شخصية عبدالله غالب عنتر، حيث قال عنه: إنه كان وطنياً شاعراً وأديباً وباحثاً.. واستدرك مستغرباً أن كثيراً مما كتبه هذا الرجل في الصحف والجرائد لم يتم جمعه أو البحث عنه.. وأضاف: إن هذه مسؤولية الأجيال الحالية في الحفاظ على تراث أولئك العظماء أمثال عبدالله غالب عنتر، الذي مما يميز مبرزه هذا أنه كان يجتمع فيه عدد من الناس لا يزيدون عن خمسة أشخاص، وكان يتردد عليه الفنان محمد سعد الصنعاني.

ومن المبارز الأخرى التي اشتهرت لاحقاً في الشيخ عثمان مبرز الصباغين، الذي جعلوا له عبدالله فخري ( والد الشاعر عبدالرحمن فخري) رئيساً له ويشرف على الناحية الأدبية في هذا المبرز.. ثم جاء بعد ذلك تأسيس نادي الإصلاح العربي بمدينة الشيخ عثمان ليكن فرعاً لنادي الإصلاح العربي بمدينة كريتر ومقره وسط مدينة كريتر منطقة الميدان أمام مقهى زكو.. ومن أهم ما تميز به نادي الإصلاح العربي أنه كان عبارة عن مدرسة لتعليم الصبيان في الصباح وفي المساء كانوا يدرسون فيه الكبار، وممن درسوا فيه الشيخ عبدالله محمد حاتم والشيخ البيحاني وعبدالمجيد الأصنج وأحمد الأصنج وكلهم درسوا على يد الشيخ أحمد العبادي.

وخلص بعد ذلك الى أن هذه الأماكن التي ذكرت قد أوجدت العديد من الشخصيات الإبداعية في مجالات عدة ومتنوعة منهم من كان شاعراً أو كاتباً في الصحف والجرائد والبعض قد قام بتأليف الكتب مثل كتاب «نصيب عدن من الحياة الثقافية» و«اريش عدن» لأحمد الاصنج.

واختتم الأستاذ عبدالله فاضل فارع هذه الجزئية من حيثه بأن غايته مما ذكره أراد أن يذكر بشخصيات كادت أن تنسى على الرغم في كل ما قدموه وأبدعوا فيه في حياة عدن، بل والوطن اليمني بأسره، الحياة الثقافية المعاصرة.

اعتراف بالريادة لشخصيتين قدمتا من خارج عدن
في سياق شهادته على عصر النهضة الثقافية المعاصرة في عدن وبداياتها الأولى اعترف الأستاذ عبدالله فاضل فارع بالريادة فيها لشخصيتين قدمتا من خارج عدن وأسهمتا بأدوار بارزة وعظيمة في صنع ملامحها الأولى، وهما عبدالعزيز الثعالبي وهو تونسي قدم من تونس في عشرينيات القرن الماضي على إثر خلاف حزبي هناك بينه وبين بورقيبة ليستقر في عدن وهو صاحب فكرة تأسيس النوادي الثقافية في عدن، والشخصية الثانية كان الشيخ أحمد العبادي الذي قدم من إب حيث درس هناك على يد أبيه ثم انتقل إلى مكة والمدينة للدراسة فيهما ثم إلى أفغانستان ليكمل دراسته على أيادي فطاحلة العلماء في ذاك الوقت وانتقل بعد ذلك عن طريق الهند وعمان ليستقر في لحج ليتولى إدارة المدرسة المحسنية، ونتيجة لما واجهته من مشكلات ترك لحج إلى عدن وتحديداً الشيخ عثمان واشتهر فيها بتدريس علوم العقيدة الإسلامية وخصوصاً مادة التوحيد وله كتاب قيم وغني في هذا المجال اسمه: رسالة التوحيد.

وأضاف الأستاذ عبدالله فاضل أن للشيخ أحمد العبادي الفضل في إيجاد ثقافة فيها نوع من التقدمية وغرسها في نفوس وعقول تلاميذه وأبناء المجتمع عموماً تمثلت في رفض المعتقدات الخرافية والأساطير التي كانت سائدة آنذاك والاعتماد على المعرفة والعقل في فهم الأشياء وتفسير الظواهر.

صفحات مضيئة من تاريخ الصحافة والفنون
لما كان للصحافة والفنون عموماً، وبالأخص فن الطرب والموسيقى وهو أكثر الفنون انتشاراً و جماهيرية، دور في الحياة الثقافية فقد حرص الأستاذ عبدالله فاضل على تقليب بعض من الصفحات المضيئة من التاريخ في هذين المجالين.. وقد كان منصفاً في سياق حديثه لصحيفة «فتاة الجزيرة» التي لم تكن صحيفة عدنية تصدر لعدن، بل كانت واسعة الانتشار على مستوى الجزيرة العربية والوطن العربي مؤكداً بأنه قد وقع بين يديه أعداد منها في دولة الكويت في تلك الفترة، وهي الصحيفة الي أوجدت حولها نواة من الأدباء والكتاب المتميزين أمثال محمد علي لقمان، عبدالمجيد الأصنج وعبده حسين الأدهل بالرغم من صغر سنه آنذاك. وفيما يتعلق بالمجال الفني فقد أبرز الأستاذ عبدالله فاضل في حديثه أهمية الدور الذي لعبته (المخادر) حفلات الزواج في عدن وتحديداً في الشيخ عثمان فقد كانت المخدرة تعتبر أحد الامكانات المتاحة للمطربين للالتقاء بالجمهور المتلقي وتقديم ما لديهم من أعمال طربية كما كانت المخدرة كذلك مكاناً للتنافس بين المطربين وتقديم الأفضل.

وعن صناعة آلة العود الموسيقية فقد نسب أستاذنا الجليل عبدالله فاضل للقاضي عوض عبدالله شرف بأنه أول من صنع آلة العود في عدن، والقاضي عوض هو والد المطرب حامد الذي يعد من أوائل المطربين، كما ينسب للقاضي عوض عبدالله شرف أنه أول من أسس فن المسرح وهو كاتب نصوص مسرحية كانت تعرض موسمياً مثل مسرحية (غرام وانتقام) ومسرحية (الوفاء والخيانة).

ومن أبرز مطربي ذلك العصر عمر محفوظ غابة وسعد عبدالله والد الفنان الكبير الراحل محمد سعد عبدالله، و محمد سعد الصنعاني، وآخر يدعى فضل ماطر الذي هو أصلاً من منطقة الحسوة (عدن) وليس من لحج كما يدعي البعض ويشاع اليوم، كذلك شيخ المطربين الشيخ علي أبوبكر باشراحيل، وآخرون لا يتسع المجال لذكرهم هنا.

أغان تتخلل الأحاديث
مما ميز هذه الأمسية الرمضانية القيمة والمفيدة أن الأحاديث الدائرة تخللتها باقة عطرة وممتعة من أغانينا اليمنية الخالدة أطرب بها الفنان المتألق محمد علي محسن الحاضرين بمصاحبة العازفين من فرقة المنتدى: سالم العطاب (على العود)، على سعيد (الكمان)، هشام شاهر (الرق)، كما شارك الفنان الشاب جلال شاهر بإحدى الأغاني.. وفي رأيي الشخصي أن الفنان محمد علي محسن قد أبدع في أداء أغنية (بروحي وقلبي) التي كتب كلماتها الأستاذ عبدالله فاضل فارع ولحنها الفنان محمد مرشد ناجي.

كلمة لابد منها قبل الختام
قبل الختام لابد من الإشارة إلى أن كل ما سطر هنا ما هو الا الشيء اليسير مما ذكر وما استطعنا تدوينه من معلومات تاريخية توثيقية ثمينة عن تاريخ الثقافة المعاصرة في عدن.. كما لابد لنا من توجيه الشكر لأستاذنا الفاضل عبدالله فاضل فارع ، سائلين المولى عز وجل أن يمده بالصحة والعافية وطول العمر إنه على كل شيء قدير.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى