نجوم عدن..عمر قاسم العيسائي

> فضل النقيب:

>
فضل النقيب
فضل النقيب
أختم بزاوية اليوم الحديث عن رجل الأعمال الكبير الشيخ عمر قاسم العيسائي الذي عرفته قبل خمسين عاماً في مركز انطلاقه بشارع الشيخ عبدالله كريتر- عدن والتقيته آخر مرة قرب منزله بلندن برفقه ابن أخيه عبدالله بن عبدالله قبل خمس سنوات، وكانا في طريقهما إلى أميركا لإجراء فحوص طبية، وقد أخذنا نسير وئيداً نتبادل أطراف الحديث وأوراق الخريف الذهبية تسبح حوالينا وتفرش طريقنا، فيما الأنسام المنعشة تزيل عن الذاكرة ما علق بها من صدأ الزمان وتعود بها إلى الينابيع الأولى البهيّة: ألا ليت الشباب يعود يوماً.. فأخبره بما فعل المشيب.. واستقر بنا السير في مطعم إيطالي بسيط ولكنه بالغ الأناقة بمواجهة مركز أعمال مجموعة هائل سعيد أنعم وقد أخذت أتأمل الرجل الذي يُعدُّ بالنسبة لجيلنا أسطورة، بملامحه الوديعة وابتسامته العذبة وملابسه الإفرنجية الفضفاضة، ولطالما تخيلته أميراً بدوياً يُضيّف وفوده في خيمة منصوبة تحت قمر الصحراء، فكان ذلك الأمير الذي في خيالي ولكن في مطعم إيطالي يتّقي رذاذ خريف لندن بالواجهات الزجاجية، وقد سألني بود عن صحة زوجتي التي كانت ممددة في مستشفى تخصصي بضاحية (أيليزبوري) التي تبعد عن لندن ساعة بالقطار، كما سألني عن عملي الذي فقدته وشيكاً آنذاك وطلب مني أن أبقى على اتصال بابنه محمد عمر لمساعدتي على الالتحاق بإحدى الجرائد العربية التي تصدر من لندن إذا اقتضى الأمر، فشكرته وقلت له إن الرئيس علي عبدالله صالح قد كان سبّاقاً، فأمر بتعييني مستشاراً ثقافياً في سفارة اليمن بدولة الإمارات العربية المتحدة، وأنا أحفظ له ذلك الفضل في الظرف الصعب.

في القطار العائد إلى (أيليزبوري) وعلى وقع حركته الرتيبة بدا لي كأنني دلفت إلى (آلة الزمن) التي ابتكرها الخيال العلمي فإذا بي أجول في شارع الشيخ عبدالله بصحبة محمد منصر العيسائي الذي كان آية في (الشّيطنة) والمهارات القتالية حتى أننا كنا نعقد حوله الحلقات وندفع إليه بواحد منا للمنازلة لنتعلم منه كيفية الإيقاع بالخصوم وإسقاطهم أرضاً في لمح البصر فيما يعرف بـ (المدارجة) العدنية، وكان بن منصر يغير على مؤجري (السياكل)- الدراجات- فيختطف واحدة يقفز على كرسيها كالجرادة ثم يطير بها دون أن يستطيع أحدٌ اللحاق به وبعد جولة تطول أو تقصر يعود فيدفع بها من بعيد حتى تصطدم ببقية العجلات، وقد حاولت مرة تقليده فسقطت أرضاً وأكلت ضرباً، فقلت لنفسي «ما كل من ركب الفرس قال أنا فارس»، وقد أثمرت تلك الشّيطنة النصّرية شيخاً وقوراً تقياً ورعاً ورجل أعمال ناجحاً منغمساً في أعمال الخير، وكلما رأيته أذكّره بأيام المدارجة والسياكل فيقول لي: بعدك فاكر، فأقول له: قل للزمان ارجع يا زمان.. وهو الآن الشخص الأكثر قرباً إلى قلب العم عمر ضمن المحيط العيسائي الذي نما بشكل مذهل خلال نصف قرن وخاصة في مدينة جدة على أبواب مكة المكرمة.

أذهب لزيارة الصديق صالح عبدالرحمن السيلاني وكانت له غرفة مميزة يدرس فيها في بيت الشيخ عمر بشارع الشيخ عبدالله ولا يزال إلى اليوم يحتفظ بتلك الابتسامة التي تشع في عينيه كأنه يغرفها من قلبه، وكنت إذا سألته عن أي موضوع يجيبني وهو يبتسم:«المهم الفكرة»، وحين تزاملنا في القاهرة كانت حكمته الذهبية قد شاعت في الوسط الطلابي حتى امتلأت بالمعاني والدلالات.. المهم الفكرة.

في مقابل غرفة صالح السيلاني كان الأخوان عبدالله وعلي عبد الباقي القاضي يدرسان ويشغلان أنفسهما بفك خرائط موتورات السيارات ومولدات الكهرباء حتى برعا في هذه الفنون تطبيقياً من دون معلم فثمة في رأسيهما شرارات عبقرية أكدها الزمن بعد ذلك.

و.. قل للزمان.. ارجع يا زمان .. خواتيم مباركة وكل عام والقراء الكرام بألف خير.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى