مسكينة الوحدة مسكينة

> محمد علي محسن:

>
محمد علي محسن
محمد علي محسن
مسكينة الوحدة والله مسكينة! فحتى وجهها الجميل عبثت به أيادي أدعياء القرابة والانتساب، وثوبها الواحد والأصيل غدا نسيجاً ممزقاً كل واحد منا يحاول حياكته وخياطته بحسب هواه ومقاسه وذوقه، الوحدة أعظم مأثرة تاريخية وسياسية أنجزها الإنسان اليمني في يوم 22 مايو 90م الأغر من سفر الثورة اليمنية المعاصرة 26 سبتمبر و14 أكتوبر المجيدتين، ومع هذه المكانة الرفيعة في قلوب وأفئدة وعقول اليمنيين جميعاً زاغت أبصارنا وبصيرتنا لما هو أدنى منزلة وراحت أصابعنا جميعاً دونما استثناء تغرز نصال حرابها في وتين القلب لكائن خرافي واسطوري أوجده رب السماء وتلقفته عزيمة وإرادة الرجال المخلصين والأوفياء في الأرض، وإذا بأنانيتنا المفرطة تلهث وراء تفاحة الشيطان (السلطة) أو لكأنما نحن أشبه بأولئك النفر ممن ظنوا قتلهم وصلبهم لنبي الله المسيح عيسى بن مريم $.

الوحدة عندما اختزلت في البدء بشخصي الرئيس والنائب دون غيرهما من سلطات ومؤسسات دولة وشعب كانت بمثابة المؤشر الخطر لوضع الأيدي على القلوب، وعندما صارت الوحدة قسمة ضيزى بين نظامين متهالكين لا جامع لهما أو حياة جديدة خارج مظلتهما للاستمرارية في الحكم غير الوحدة الاندماجية والفورية .. كان ذلك شرارة أولى تحت براميل من البارود آجلاً أم عاجلاً سيكون لانفجارها الوقع الشديد المزلزل، وعندما وقعت الواقعة وأصبحت الوحدة شمالاً وجنوباً، منتصراً ومهزوماً، وحدوياً وانفصالياً، أوسمة ونياشين تزدان بها الصدور والجدران والنفوس، أو علامات وتواريخ سوداء مهينة ومشينة مطأطئة للرؤوس، فيداً ومغنماً وعلواً أو خسراناً وخذلاناً ودنواً، عندها فقدت الوحدة أهم وأعظم مكوناتها وديمومتها (الإنسان) لحساب الظفر بمساحة وجغرافيا أكبر.

الوحدة يا قوم ليست فعلاً قبيحاً وذميماً يستحق منا اللعن وعض أصابع الندم، ولا هي إلهاً مقدساً ومنزهاً من الأخطاء والأكاذيب والأباطيل المقترفة باسمه، فالوحدة صيغة مثلى للعيش المشترك والمصالح والطموحات والآمال الجامعة لبني البشر، ودون الإنسان تبقى الوحدة مجرد خارطة جغرافية وسلطة مهيمنة وشعار ونشيد وعلم واحد، ولنا في الأسرة البسيطة باعتبارها الحلقة الأولى المكونة للمجتمع ما يغنينا عن الكلام، والنظريات الفلسفية الواقعية منها أو الطوباوية، إذ إن وشائج وأوصر القرابة والدم لا يمكن لها أن تكون عوامل وحدة واستقرار وطمأنينة داخل البيت الواحد الصغير بغير توافر الرغبة والقناعة والعدل والمساواة والمصلحة المشتركة القائمة على الهدف والطموح والمشاعر والأحاسيس بين كافة أفراد الأسرة ابتداء برب البيت وانتهاءً بصاحب الأجر المحدود.

الوحدة قوة وعزة وشعور ومصلحة للدول والشعوب، ولنا في وحدة الاتحاد الأوربي ذي الـ 25 دولة و250 مليوناً بأعراق وأجناس ومذاهب ولغات وثقافات وجغرافيات مختلفة ومتعددة مثال على حقيقة وأهمية الوحدة للشعوب قبل النظم السياسية، وهنالك نماذج أخرى من التكتلات والتجمعات الطامعة بالوحدات رغم أنف النظم السياسية المختلفة أو المساحات والثروات والأديان وغيرها، نعم.. الوحدة السلمية طعنت في خاصرتها عام 94م ومازلنا تحت تأثير تلك الطعنة حتى اللحظة، لكن ذلك الفعل المشين الناتج عن فشل سياسي محض وما أفرزه من تشوهات وممارسات وانتهاكات بداعي الانتصار أو الحفاظ على الوحدة أكثر ما يتطلب اليوم المعالجة السياسية الجادة لإصلاح البيت أو الخيمة التي لا يمكن العيش تحت سقفها من دون المشاركة والشعور بالانتماء لها، فالوحدة بكل الظروف والأحوال تربأ بنفسها من أن تكون مجرد مطية للطامعين والمتسلقين والانتهازيين في الداخل أو الخارج، في السلطة أو في المعارضة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى