عمان التي أحببتها من وراء الأسوار

> «الأيام» زهير حامد لقمان:

> تحتفل سلطنة عمان الشقيقة بعيدها الخامس والثلاثين منذ انطلاق النهضة التي نجحت بالقفز فوق حواجز الزمن وتخطي كل العقبات والصعاب بعزيمة لا تعرف الوهن وإصرار على اللحاق بركب التقدم، تلك النهضة المباركة التي قادها صاحب الجلالة السلطان قابوس المعظم.

وطوال تلك السنوات تحقق في عمان ما يعجز العقل عن تصديقه، ذلك البلد الذي قام من غفوة طويلة فرضها عليه وضع كان قائماً حتى عام (1970)، ليبدأ عهدا جديدا لم يكن سهلاً ولا مفروشاً بالورود، وقد كان عليه أن يبدأ من الصفر رغم أنه وجد فائضاً مالياً ولكنه بدأ خطوة خطوة في تأن وحكمة هذا السلطان العظيم، الذي لا يتكلم كثيراً ويعمل بصمت جميل في إرساء وبناء بلاده الواسعة التي توازي مساحة لبنان وسوريا مجتمعتين.

وقد عمل السلطان قابوس على إرساء سياسة لبلاده قائمة على حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، ورأينا حكمته وبعد نظره عندما قاطع العرب جميعاً مصر لقيامها بالصلح مع إسرائيل عام 1979م وهو الوحيد الذي أبقى علاقته معها لإدراكه العميق أن ما اتخذ ضد مصر كان خطأ جسيماً وسوف تحذو الدول العربية حذو مصر في السلام مع إسرائيل في يوم ما، وهذا ما حصل.

وكما أسلفنا سابقاً لم تكن البداية سهلة فقد فتح البلاد أمام العالم الخارجي ودعا أبناء شعبه المهاجر للعودة إلى الوطن والمشاركة في البناء والتنمية.

وحكايتي مع عمان بدأت صدفة في بداية السبعينيات من القرن الماضي عندما كنت أستمع إلى برنامج من إذاعة عدن (صوت الجبهة الشعبية لتحرير عمان) الذي يبث يومياً أخبارا ومعارك يومية، وسألت والدي رحمه الله عن عمان فأعطاني كثيرا من المعلومات عنها وقرأت عنها في بعض الاستطلاعات التي كنا نجدها صدفة عبر التهريب، لأنه لم يكن مسموحاً بدخولها البلاد في ذلك الوقت ما عدا صحف ومجلات الدول الاشتراكية المملة والمميتة فكرياً، وقد جاءت الصدفة العجيبة بأن أؤدي خدمتي العسكرية عام (1979) إلى عام (1981) بالحدود مع سلطنة عمان، أي بالمرتفعات حيث المراقبة والاستطلاع، وكنت أنظر إلى العالم الذي أمامي وأقول ماذا يوجد خلف الأسوار الحدودية؟ رغم تحذيرات قادتنا العسكريين في المعسكر آنذاك وحثنا على اليقظة لأن الأعداء متربصون بنا!!، أي أعداء؟ إنهم أشقاؤنا وجيراننا أرادوا أن يبنوا بلدهم على أسس حديثة متقدمة وانفتاح على العالم وليس انغلاقا وكبتا وشعارات فارغة ونظريات مستوردة وطوابير طويلة منذ الفجر.

وهذه كانت وجهة نظري التي أدخلتني في مشاكل مع الحزبيين في المعسكر، ولولا لطف الله لكنت لا أدري ماذا سيحصل لي؟.. كنت أسمع إذاعتها بوضوح وكنت انظر لحدودهم من رأس ضربة علي وأتمنى أن أجتاز الحدود لأكتشف ماذا يوجد خلف هذه الأسوار التي أقيمت بين الشعبين الشقيقين وكنت استمع من المواطنين المحليين المقيمين على الحدود والذين يسمح لهم بالتنقل بين حدود الدولتين، عن مسقط وجمالها وشواطئها وعن صلالة وظفار والخضرة اليانعة، ومعروف عن مدينة صلالة كما وصفها الرحالة ابن بطوطة أنها كانت ميناء لتصدير الخيول إلى الهند، وكانت لها صلات تجارية مع شرق أفريقيا ومصر وولاية مرباط التي تبعد عن صلالة (74كم) وقد سميت بهذا الاسم نسبة إلى مربط الخيل وفي ذلك إشارة إلى تجارة الخيول.

وكنت أسمع عن الأمطار والجبال الخضراء والضباب ورذاذ المطر والينابيع والفواكه في نواحي الجبل الأخضر، وحلمت بكل شيء عن عمان وذلك أدى إلى حب وعشق من وراء الأسوار. لقد عجبت وانبهرت بتلك القيادة الحكيمة التي مازالت حتى اليوم ومنذ (35) عاماً تعمل وبدون توقف ولا خطب رنانة ولا شعارات زائفة لتضع عمان في محط وركب الدول المتقدمة من بلد كان يعيش في العصور الوسطى إلى بلد متقدم ومتطور، ولكن بدون أن يتخلوا عن تقاليدهم وهويتهم العربية الإسلامية.

ومسقط حسب ما قرأت عنها كثيراً، مدينة القلاع وهي العاصمة الرائعة الجمال وبها المصانع والمستشفيات التي تقدم أرقى الخدمات الطبية للمواطنين والمقيمين على حد سواء حسب ما أفادني أحد الأصدقاء العرب الذي كان يعمل هناك، وقد عملوا على نشر العلم وبناء المدارس والمعاهد في كافة أنحاء السلطنة على أسس علمية حديثة، وخير دليل على ذلك جامعة السلطان قابوس التي لا تقبل أي طالب يحمل معدلا لا يؤهله لدخول الجامعة مهما كانت الأسباب حتى ولو كان ابن أحد المسؤولين في الدولة، وقد اهتمت السلطنة أخيراً بالسياحة لدعم الاقتصاد الوطني وتعدد مصادر الدخل ووجود مداخيل غير مصادر النفط المحلي، فقامت بإنشاء العديد من الفنادق الفخمة والصغيرة بالعاصمة وفي مدينة صلالة وسمحت للسياح بدخول عمان وخصوصاً عند بدء خريف صلالة من شهر يونيو وحتى شهر سبتمبر من كل عام.

إنها عمان .. أكثر من عالم ووجه جميل، وخريف صلالة الذي يعزف لحن الطبيعة .. فهنيئاً لأشقائنا العمانيين بعيدهم وعيد جلوس سلطانهم وتمنياتنا له بالعمر المديد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى