الفساد ومعضلات البلاد ومن أين نبدأ الحل؟

> محمد عبدالله باشراحيل:

> الكل يشكو من الفساد، وهو المرض المحدق بالبلاد، وأيضاً يشكو العالم من أوبئة تهدد الإنسانية كالإيدز والسل وحمى الطيور وغيرها، وتهتم بها منظمات الأمم المتحدة المتخصصة إضافة إلى اهتمامها بقضايا الفساد في دول العالم، وتضع لها البرامج لمحاربتها والقضاء عليها لا سيما وأنه في بعض البلدان النامية أصبح الفساد أخطر من تلك الأوبئة. وفي بلادنا إذا ما شخصنا الفساد وحللناه وبحثنا عن مواقعه ومراتعه ومنابعه نجده نتاج العقلية القبلية والتعصب الحزبي المهيمن على كل مفاصل السلطة والقيادات الأمنية والعسكرية وأيضاً محافظي المحافظات، وأن تكون هذه المناصب حكراً على القبيلة أولاً والحزب الحاكم ثانياً، وكأن الإخلاص للوطن والتفاني من أجله يقتصر على هذه القبيلة وذاك الحزب وأن الباقين محل شبهة أو عليهم إثبات الولاء أو السير في نهج الفساد، ومعروف أنه إذا عُين مسؤول أول في قيادة مرفق معين وكان من خارج هذا الإطار فإن المسؤول الثاني في هذه الحالة يجب أن يكون من القبيلة وهو الممسك بزمام الأمور والمسيّر الفعلي والحقيقي للمرفق أما المسؤول الأول فدوره هامشي وشكلي وديكوري أو كما يقال «كوز في طاقة» و«لا يهش ولا ينش» والفساد لم يكتف بذلك بل احتكر وكالات شركات النفط والاتصالات والنقل والشركات الكبرى والتلاعب بالمقاولات الحكومية وغيرها، وتجاوزه إلى حد استغلال السلطة في شق الطرقات ورصف الشوارع المؤدية إلى منازل ومزارع المتنفذين، وكأن ذلك من أولويات مشاريع التنمية، ومع الأسف نقول إن القبيلة أصبحت تمتلك أهم مقومات السلطة والمتمثلة في المال والأجهزة العسكرية والأمنية والوظائف الهامة والتي تعني في النهاية رغد العيش وتحسين المستوى المعيشي لهؤلاء ومن حولهم، في حين نرى المواطنين بوجه عام وفي المحافظات الجنوبية بوجه خاص يعانون أكثر من الفقر والبطالة والتهميش، وهذه المحافظات هي التي ترفد ميزانية الدولة بما يزيد عن 85 في المائة من الايرادات وهي الأكثر التزاماً بتطبيق قوانين الضرائب والتقاعد، في حين محافظات معينة ربما لا تسمع عن كلمتي ضرائب وتقاعد.

ومن أهم منابع الفساد المركزية المفرطة وخاصة في الجانب المالي، فهل يعقل مثلاً أن أكثر من 80% من النفقات الحكومية في الموازنة السنوية تصرف من وزارة المالية بمحافظة العاصمة وأن أقل من 20 في المائة فقط يصرف عبر مكاتب الوزارة في بقية المحافظات، ناهيك عن قضايا التعزيز المالي والتوظيف والجوازات ومركزة الخطوط الدولية للطيران ومكاتب الشركات الكبيرة.. وقائمة المركزية طويلة، والعكس يحصل في محافظة عدن التي تم تجريدها من كل ما يؤهلها لتصبح منطقة حرة وعاصمة اقتصادية وتجارية.

هذه السلوكيات المقصودة زادت من استياء الناس وحولت نظرتهم الإيجابية للوحدة إلى سلبية، وهي حقيقة نقولها بصراحة، ومن الأمور المساعدة والداعمة للفساد العقلية القبلية التي تقوم على التعالي والتمايز في المواطنة ورفض كل ما هو حديث حتى ولو كان ايجابياً وتحبط ما من شأنه ترسيخ مفهوم الدولة الحضارية، دولة المؤسسات، علماً بأن كثيراً من تلك المؤسسات قائمة والقوانين الجيدة موجودة ولكنها عملياً معطلة وغير فاعلة بفعل فاعل وبقصد.

ومما يساعد على تفشي الفساد أيضاً التداخل في الاختصاصات والذي يؤدي إلى تدخلات مشبوبة أو غير مشروعة وبالأخص في الأجهزة الأمنية، فعلى سبيل المثال لا الحصر توجد في ميناء عدن ثمان جهات أمنية منها الشرطة وحرس الحدود والهجرة والأمن السياسي والأمن المركزي والجيش والأمن القومي، فهل مع هؤلاء يمكن أن نجعل من عدن أو ميناء عدن منطقة حرة.

إن الانتخابات الرئاسية مقبلة علينا بعد حوالي عام و مشاكل البلاد عديدة وأبرزها الوضعان السياسي والاقتصادي والفساد المالي والفقر والبطالة والخدمات الصحية والتعليمية والبيئية وسوء الإدارة وغيرها، فكلها مترابطة ومتداخلة وتحتاج إلى تضافر جهود كل القوى السياسية والنقابية وهيئات المجتمع المدني والمفكرين والمتخصصين لدراستها ووضع استراتيجيات وبرامج من المفترض أن تأخذ وقتها الكافي لإنضاجها، ولكن الحال لا يحتمل الانتظار، فالبيت يحترق وهو بحاجة إلى نجدة سريعة وعلينا البدء بإطفاء الحريق سريعاً ثم نعيد لاحقاً ترتيب البيت كاملاً على أساس ترميمه أو هدمه كلياً وإعادة بنائه قبل أن تأكل النار الأخضر واليابس.

وعليه فإننا بتواضع شديد نرى البداية السريعة في طريق القضاء على الفساد وحل بعض المعضلات الراهنة، فإن المعالجة تتمثل في الآتي :

أولاً: تنفيذ الحكومة لقانون الوظائف والأجور ودفع الزيادات في المرتبات والمعاشات والتي حدها الأدنى عشرون ألف ريال وبصورة عاجلة لتخفيف معاناة موظفي الدولة والمتقاعدين، ثانياً: إبعاد قيادات المناطق العسكرية والأمنية إلى مواقعهم ومنعهم من التدخل في شأن السلطة التنفيذية فمكانهم معسكراتهم وإداراتهم وحماية الوطن لا نهب الوطن والمواطن، والعمل ما أمكن لاحقاً بإخراج تلك المعسكرات خارج المدن، ثالثاً: إلغاء المركزية بوجه عام والمركزية المالية بوجه خاص في أسرع وقت ممكن، وأن تعطى الصلاحيات الكاملة لكل محافظة للتصرف في ميزانيتها السنوية حسب الأصول ومنحها صلاحيات واسعة في إدارة حكمها المحلي بواسطة أبنائها المؤهلين والقادرين، رابعاً تعديل الدستور وقانون الانتخابات بحيث لا يعتمد التصويت على عدد السكان وحده وبتغيير عدد مقاعد مجلس النواب 301 الحالي إلى عدد تراعى فيه أيضا الأمور التالية: أ) عدد مقاعد لكل محافظة حسب حجم مساهمتها في إيرادات الدولة، ب) الموقع التجاري وحجم الاستثمار، جـ) عدد مقاعد حسب عدد المديريات، د) التاريخ الحضاري، هـ) حجم المغتربين بالخارج، و) المساحة. مع التأكيد على ضرورة عدم استخدام السلطة والمال العام وأجهزة الإعلام وأفراد المعسكرات في العملية الانتخابية القادمة لصالح مرشحيها على حساب المرشحين الآخرين، خامساً: إعادة هيكلة وتنظيم المؤسسة المالية وبدرجة أساسية البنك المركزي ووزارة المالية، فالمال هو العمود الفقري للفساد ومرتعه، سادساً: تطبيق مبدأ المحاسبة وتفعيل دور الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة الذي عجز في أن يطال شركات ومؤسسات المتنفذين في الدولة.

وختاماً: بناء على تقرير رفعته الأمم المتحدة عن فساد بعض أفراد الحكومة السابقة في نيجيريا فقد أصدرت إحدى المحاكم الكندية إعادة 500 مليون دولار إلى نيجيريا كانت مودعة في أحد البنوك بكندا بأسماء أولئك الأفراد المفسدين واستخدامها لأغراض تنموية تحت إشراف المنظمة الدولية .. هذه رسالة هامة فهل وصلت إلى من يعنيهم الأمر؟

اللهم إني بلغت.. اللهم فاشهد، وإن غداً لناظره لقريب.

[email protected]

كبير خبراء ورئيس قسم الإحصاءات الاقتصادية بالأسكوا سابقاً- الأمم المتحدة

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى