فيما قدمها التاريخ وديعة لسكانها..معالم مدينة جبن التاريخية بالضالع كنوز تفوق قيمتها أي رقماً يوضع أمامها

> «الأيام» شائف الحدي:

>
مسجد ومدرسة المنصورية
مسجد ومدرسة المنصورية
إنها جبن.. معقل الملوك الطاهريين وموطن الذراحن الحميريين واطنوبة المؤرخين وأنشودة القاصدين وجوهرة الزمان والمكان تبدو كوديعة قدمها التاريخ أمانة لسكان هذه المدينة النائمة على أنقاض سبر أغوار الحضارات اليمنية القديمة.

إن مدينة جبن تعد أنموذجاً للمدن التراثية الإسلامية التي تركتها لنا الدولة الطاهرية منذ ماينوف الـ 650م عام فهي مدينة تاريخية لاتتذكر ماضيها الغابر أنها تعيشه مثل واحة قديمة ممتدة من مئات السنين متصلة بالأزمنة الحديثة، ترى ذلك حينما تغرد في رحاب أزقتها وأسواقها وحصونها ومساجدها ومدارسها العتيقة التي تفوق كنوزها أي رقماً يوضع أمامها!!

واليوم وبعد غروب شمس الدولة الطاهرية في ظلمات الزمن، فأن هذه المدينة لاتزال تختزل بالكثير من الشواهد الحية التي صمدت لأحداث الدهر صمود الجبال من حولها، لتعبر بذلك عن رحلة طويلة عبر القرون بقية أثارها مجسدة تقدم دعوى لكل هواة التراث الثقافي الإسلامي أن يعيشوا بعضاً من الوقت مع عظمة هذه الدولة الإسلامية، وعلى غرار ماتغفو في باطن ترابها بالكثير والكثير من خفايا قروننا خلت "الايام" واصلت رحلتها مع أحداث دراما التاريخ لهذه المدينة وانفردت بهذين الاستطلاعين المصوران.

المسجد والجامع:
المسجد.. هو بكسر الجيم وهو الموضع الذي يسجد فيه وقال (الزجاج) كل موضع يتعبد فيه فهو مسجد يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك (جعلت لي الارض مسجداً وطهوراً).

الجامع: فهو يكون نعتاً للمسجد وإنما نعت بذلك لأنه علامة الإجتماع ويقال إن الجامع هو الذي تصلى فيه الجمعة وان كان صغيراً لأنه يجمع الناس لوقت معلوم.

أسى وحزن:
في مسجد المنصورية قادني فضولي لأن أسأل قيم الجامع دون استحياء ما هذا الذي طرأ على محراب المسجد الجميل من أوجه اختلاف في ألوان الزخارف والرسومات الثرية بالألوان النباتية القديمة؟! صمت قليلاً ثم أجاب وكانت تبدو على ملامح وجه الحسرة الشديدة، وبدأ يروي والأسى في نبرات كلامه أنه: يا عزيزي عبث الترميمات الحديثة التي طرأت على بعض أروقة الجامع، حيث تداخلت الألوان الزيتية الحديثه مع الرسومات والزخارف والإشكال القديمة التي هي من أصل أوراق النباتات.

ويبدو للزائر من الوهلة الأولى إن مادة الطلاء الحديثة والألوان القديمة لايتفقان موضعياً باللون المظهر، ناهيك عن ذلك فأنهما يختلفان كلياً في الجوهر، لأن هناك فرق بين الحديث والقديم، فالحديث صنع من المواد الكيميائية والقديم استخلص من أوراق النباتات التي تزداد ألوانها تألقاً وجمالاً كلما مر الزمن.

حتى لانتوه!!
ينطبق على مساجد جبن اليوم وما أصابها من عوامل السنين والنسيان قول المثل العربي القديم (من فات قديمة تاه) وحتى لانتوه حاولنا جاهدين إبراز فنن وتراثنا الإسلامي حتى ننفض منه غبار سنين الضياع التي عانته هذه المساجد من الإهمال لكي نرى تاريخنا الإسلامي يتجسد أمام أعيننا نسمع نبضه وتشم رائحته، تلك كانت دلالات عن عظمه هذه الحضارة التي عاشت وسادت في هذه المدينة، فمساجد جبن كنوز تفوق قيمتها أي رقماً يوضع أمامها، لأنك حينما تتجول في أروقة مساجدها ومدارسها من الداخل تزدحم ذاكرتك بملامح رحلة طويلة عبر القرون بقية آثارها مجسدة تقدم دعوة لكل البشر إن يعيشوا بعضاً من الوقت مع عظمة هذه الحضارة.

مدرسة المنصورية:
سميت المدرسة المنصورية بهذا الاسم نسبة الى بانيها الملك الطاهري السلطان المنصور عبدالوهاب بن داوود بن طاهر وهو الذي أمر ببنائها كما جاء مدوننا في الشريط الكتابي الموجود في جدار بيت الصلاة وتاريخ الفراغ من بنائها هو شهر جماد الأول سنة 887هـ.

وتقع هذه المدرسة وسط مدينة جبن بين أسواقها ويوجد لها مدخلان، الأول يقع في الجهة الشرقية ويصعد إليه درج مرصوفة بالحجارة الى منطقة مربعة الشكل ذات عقدين متقابلين ويوجد للمدرسة باب آخر يقع في الجهة الغربية تزينه عقود مفصصة ذات خمسة فصوص ويؤدي الباب الى مساحة مربعة أيضاً وتتكون المدرسة من بيت للصلاة وصحن للمسجد.

مسجد المنصورية:
ويقع هذا المسجد في إطار المدرسة المنصورية ويتم الدخول إليه من الباب الجنوبي لصحن المسجد ويوجد وسط المسجد عمودان كبيران يحملان عقوداً مدببة من جميع الجهات تهدف الى تحويل المساحة الى مربعات عددها ستة بحنايا ركنية بهدف تحويلها الى قبة وتعلوا أبواب المسجد من الداخل اشرطة كتابية ابتداء من الجهة الشمالية ذات اشكال مدببة وهي آيات قرآنية تبدأ (بسم الله الرحمن الرحيم) سورة تبارك- وتنتهي بالجدار الشرقي بقوله تعالى (أو لم يروا الى الطير فوقهم صافات ويقبضن مايمسكهن إلا الرحمن انه بكل شيء بصير) ثم يبدأ تاريخ الفراغ من بناء المسجد الذي هو مرتبط بنفس تاريخ المدرسة المنصورية في شهر جماد الأول سنة 887هـ أما الأعمدة التي تقع في الوسط الأيمن للمسجد كتب في أعلاها: (الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح) والعمود الأيسر كتب فيه (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال) سورة النور.

صحن المسجد:
هو عبارة عن مساحة مربعة الشكل وفيها بائكات تحملها أعمدة رخامية على جوانبها الأربعة، يحكى أن السلطان المنصور نقلها من حصن ذو ريدان القريب من المدينة الذي يعد احد معالم الدولة الحميرية، وأعاد استخدامها وهي أعمدة رخامية مزخرفة غاية في الروعة والجمال تحمل عقود مدببة ذات زخارف نباتية تمثل أوراق العنب وزهرات صغيرة ذات أربع بتلات. وزخارف هندسية بأشكال مثلثات ومربعات من داخله، وأما قاعدة العمود فهي مفصصة عبارة عن تاج مقلوب يشبه الى حد ما زهرة اللوتس مزخرفة بأوراق نباتية ويعلوها شكل دائري به أشكال معينة، والأعمدة الرخامية ذات زخارف مختلفة بالإضافة الى إن بعض الأعمدة تتكون من ثلاثة أجزاء كما هو الحال في العمود الذي يقع في الجهة الشرقية ويحيط بالصحن أربعة أروقة سقفها خشبي.

مأذنة المنصورية:
والصعود إليها من الباب الشرقي بواسطة درج حتى الوصول الى أعلى المأذنة وتقع في الجهة الشرقية جنوب شرق المدرسة وهي عبارة عن مبنى مربع الشكل يوجد فيه عقود وبدن مثمن به حنايا ركنية ويعلوها عقود ثلاثة مثمنة في كل جهة ويعلوها شرفة ذات ثمانية عقود ثم شكل مثمن لتحويل المربع الى شكل دائري عن طريق نظام المثلثات الركنية ثم شكل رقبة اسطوانية يحمل فيه نصف كروية ويصعد اليها من درج عددها حوالي (20) درجة بشكل حلزوني وسقفها ذو عقود. أما السفلى فهي (19) درجة عادية، كما يوجد في الجهة الغربية من سقف المدرسة غرفة صغيرة تواجه المأذنة عليها أربعة أركان تشبه البيت اليافعي يعتقد أنها كانت سكنا لإمام المسجد.

محراب المسجد:
كتب عليها زخارف هندسية قوامها (يا أيها الذين أمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون) ويوجد على سمت المحراب (لا إله إلا الله محمد رسول الله) وعلى عقد المحراب مانصه (بسم الله الرحمن الرحيم): يا أيها الذين امنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) وتحيط بالمحراب زخرفة هندسية تم تشويه بعضها بالترميم والطلاء المستحدث.

قباب المنصورية:
وتعلوا المسجد ست قباب مع وجود مأذنة صغيرة في الإمام كما توجد على الجزء الغربي قبة- أما الجزء الشرقي لا توجد فيه ويبدوا أنها اندثرت مع عوامل التعرية.. وتغطي جميع القباب من الداخل رخرفة كتابية ونباتية معظمها قد طالها التشوية ماعدا واحدة مازالت تحتفظ بطابعها القديم وكذلك القبة الشمالية الشرقية من المحراب بدون كتابة والقبة الوسطى الجنوبية كتب عليها(الله لا اله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم الله لا اله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشكرون) وعلى القبة الوسطى على الجانب الغربي منها (قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفذ البحر قبل أن تنفذ كلمات ربي ولو جئنا بمثله مدداً).. قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي إنما إلهكم اله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولايشرك بعبادة ربه أحدا( صدق الله العظيم وبلغ رسوله الكريم تم الفراغ من هذه العمارة المباركة السلطان الملك المنصور عبدالوهاب بن داوود نصر عزة.

الجامع الكبير:
على مقربة من المدرسة المنصورية يقع الجامع الكبير الذي يطلق عليه أيضاً بجامع (العامرية) وهو أقدم من مدرسة ومسجد المنصورية ويتم الدخول إليه من باب الجهة الجنوبية والشرقية الى ساحة مكشوفة مستطيلة الشكل ومنها الى الجامع وهو عبارة عن ساحة مستطيلة الشكل يتخلله الأعمدة الكثيرة التي تحمل عقود مدببة تنحصر بينها حنايا ركنية ومشاكوات البعض منه تم تجديدها باستخدام الزجاج والبعض الآخر سدة واستخدام الحنايا الركنية تهدف الى تحويل المربع الى شكل دائري ثم يعلوها شكل دائرة أخرى تحمل فوقها القباب ومعظمها قد اندثرت ونلاحظ إن بعض القباب خاصة التي في الجهة الشمالية الغربية منها والتي أمام المحراب في الوسط قد انتهت واستبدل عنها سقف خشبي مسطح كما توجد غرفتان مربعتان احداهما في الجهة الشمالية الغربية وأخرى وسط الرواق الشرقي. حيث إن الجهة الغربية كما يظهر في الصورة الطاغية على صدر الصفحة مستحدثة ثم إزالة الجدار الغربي للجامع وبناء توسعه حديثة له.

جامع تحت الأرض:
الشيء الغريب في الجامع الكبير ظهور فجوة في مؤخرته نتيجة لتآكل خشب أرضية الجامع بفعل دابة الأرض وعوامل التعرية وهذه الفجوة اثبتت وجود طابق ارضي تحت الجامع تستطيع مشاهدة الطابق السفلي بالعين المجردة حينما تدنو بناظريك الى اسفل الفجوة باستخدام الاضاءة.

وتدور القصص والرويات حول هذه الفجوة التي يعتقد أن ملوك الدولة الطاهرية كانوا يستخدمونها أيام الحروب العصيبة على المدينة ويعتقد إن لها ممرات سرية تحت الأرض تؤدي الى يعض أطراف المدينة.

محراب الجامع:
وهو عبارة عن دخلة في جدار القبلة مكونة من عقدين متداخلين مع عدم وجود زخارف عليه والى اليسار منه توجد دخله تدل على وجود محراب آخر وعلى الجدار الشمالي من المحراب توجد بقايا شريط كتابي بالقلم الكوفي قوامه زخرفة نباتية وكتابة قرآنية وتوجد للمحراب من الخارج بروز مزخرفة.

عدد سواري الجامع:
للجامع من الداخل سواري مربعة تحمل عقود مدببة في الأربعة الاتجاهات وعدد السواري ست متجهة من الشرق الى الغرب واربع بوائك متجهة من الشمال الى الجنوب اي اجمالي عدد السواري او الاعمدة (24) عمود وتحمل 96 عقد مدبب.

مأذنة الجامع:
بنيت قاعدتها فوق بدن الجامع في الركن الجنوبي الشرقي ثم بدن مثمن يتكون من ثلاثة مستويات مثمنة بها أشكال عقود مصمتة واحدة منها مفتوحة ولاتوجد فيه شرفات. ثم رقبة معقودة في الشكل المثمن ويعلوها قبة يوجد خطوط فاصلة بين المستويات الثلاثة.

المنبر:
وهو مصنوع من خشب الطنب ويصعد أليه بدرج على جانبية عمودان خشبيان يمثلان مدخل، ثم درج ودربزين مائل مثبت بمسمارين من الحديد كبيرة والألواح خشبية تربط الدربزين بالأسفل ثم مساحة مربعة فسحة يقف عليها الخطيب والى الخلف منه مقعد للجلوس بين الخطبتين، والى اليمين من الفسحة حاجز خشبي مزخرف بزخرفة نباتية نقش عليه مانصه (كان الفراغ من شغل هذا المنبر)، يوم الاربعاء الثاني والعشرين من شهر ذي الحجة الحرام سنة تسعين وثمانمائة للهجرة (890 هـ)، وفي واجهة المنبر نقش أمر بعمارته، وبقية الكتابة خلف المنبر الملاصق بالجدار لم تكن واضحة، وبني المنبر بأخشاب معشقة ومتداخلة بأشكال مربعات مائلة معينة ومترابطة بواسطة الأخشاب، المتداخلة وعليه زخارف نباتية وشريط زخرفي نباتي مترابط، والزخارف التي خلف المنبر زهرة اللوتس- أوراق نباتية مروحية- سعف نخيل - مترابطة).

ختاماً:
إن إعادة مساجد جبن ومدارسها وقلاعها الى نمط بناءها القديم بترميمها، وإعادة رونقها التي عرفت به يجعلها مدينة كاملة تبعث فيها الحياة القديمة من جديد وكأن زوارها انتقلوا الى مرحلة حية من التاريخ.

فهل نأمل ذلك وإعادة هذه المعالم كما كانت عليه من سابق ثم هل نطمح في الحفاظ على ماتبقى في المدينة من آثار لكي يبرز تاريخها ونجعل حاضرها متصلاً بماضيها المجيد؟!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى