ابتزاز المواطن في مدارس تعليم قيادة السيارات.. من يقف وراءه؟

> «الأيام» عدنان غالب العامري:

> سوف نستعرض في هذه المقالة، وضع هذه المدارس عند بداية ظهورها في منتصف عقد الثمانينات وسنعرج بعد ذلك على الوضع الحالي وسنختم مقالتنا عن الوضع الذي يجب أن تكون عليه هذه المدارس، إذا اراد القائمون عليها تقديم خدمة حقيقية وممتازة لطالبي رخص قيادة السيارات.

أولاً: الوضع الذي كانت عليه مدارس تعليم قيادات السيارات عند بداية الظهور
< ظهرت هذه المدارس لأول مرة في اليمن في منتصف عقد الثمانينات واستمرت في تقديم خدماتها لطالبي رخص قيادة السيارات لفترة غير طويلة (حوالي ثلاث سنوات)، وقد قامت هذه المدارس في عديد من المحافظات: صنعاء، تعز، إب، الحديدة، وكانت هذه المدارس تمتلك امكانيات مختلفة ولكن هذه الامكانيات كانت متواضعة قياساً بما يجب أن تكون، حيث امتلكت بعض المركبات الصالحة للاستخدام وبأحجام مختلفة صغيرة ومتوسطة وكبيرة لتعليم متدربي القيادة عليها. وتم تخصيص مساحات كبيرة من الارض لهذه المدارس خارج المدن الرئيسية من أملاك الدولة لاستخدامها كمواقع لتعليم الراغبين في الحصول على رخص قيادة السيارات.

وقامت هذه المدارس بعمل الاصلاحات اللازمة لهذه المساحات من الارض وتجهيزها باللوازم التي تمكنها من تقديم خدماتها للجمهور، فصنعت بتلك المساحات من الارض طرقاً ترابية مختلفة تفي بالاغراض المطلوبة لعملية التدريب، ووضعت بتقاطعات هذه الطرق ومنحنياتها حاملات الإرشادات والإشارات المرورية المختلفة التي يجب أن يدركها ويفهمها السائق للمركبة، ثم يتم إخضاع المتدرب لبرنامج تعليمي نظري يتلقى من خلاله كل المعلومات المتعلقة بقيادة السيارات، وكيفية التعامل مع المركبة في كل الظروف، والتعريف بأجزاء السيارة المهمة، التي سيتعامل معها السائق بالاضافة إلى التوعية بأخلاقيات وآداب هذه المهنة، وواجبات السائق تجاه الآخرين، وتحفيظ السائق كل الاشارات والارشادات المرورية سواء المحمولة على الأعمدة أو الخطوط المرسومة على الطرق المسفلتة باللون الاصفر الفوسفوري والأحمر والابيض.

ثم يتم إخضاع المتدرب لبرنامج عملي يقوم من خلاله بممارسة قيادة السيارات بنفسه مع وجود معاون لهذا المتدرب حتى يتقن فن القيادة على الوجه المطلوب، وخلال أسبوع كامل من التدريب النظري والعملي لهذا المتدرب، وبعد التأكد التام من أهليته للقيادة يمنح شهادة اجتياز من المدرسة، والتي بموجبها يحصل على رخصة القيادة من إدارة المرور بالمحافظة. والمتدرب الذي خضع لبرنامج هذه المدارس هو الشخص الذي لم يكن لديه رخصة من قبل فقط وكل من يحمل رخصة سابقة يمنية أو من الخارج لا يخضع للتدريب بهذه المدارس. أما الرسوم التي كانت تدفع لهذه المدارس مقابل هذا التدريب فمبلغ وقدره ثلاثة آلاف ريال وسعر الصرف في تلك الأيام 5.5 ريال للدولار أي ما يقابل خمسمائة دولار امريكي، تعادل الآن مبلغا وقدره واحد وتسعون ألف ريال.

ونظراً لعدم ارتقاء هذه المدارس بتجهيزاتها المطلوبة وعدم تحسين قدراتها وامكانياتها، فقد رأت الادارة العامة للمرور إلغاء التصاريح الممنوحة لهذه المدارس وإعطاء الصلاحيات لإدارات المرور بالمحافظات للقيام بالدور المماثل لهذه المدارس وتشكيل فرق عمل من ضباط المرور أوكلت إليها مهمة تدريب واختبار طالبي رخص قيادة السيارات وبهذه الاجراءات تسهلت أمور كثيرة وابتعدت التعقيدات والعراقيل من امام طالبي رخص القيادة وقلت التكاليف المالية، وكان بإمكان أي فرد الحصول على رخصة قيادة بمبلغ لا يتجاوز الألفي الريال، وبعد رفع رسوم الرخص من ألف ريال الى ألفي ريال كانت تكاليف الحصول على رخصة لا تتجاوز ثلاثة آلاف ريال، وهكذا استمر الحال حتى عام 2004م ليتجدد الموال القديم بقيام مدرسة لتعليم قيادة السيارات في تعز.

ثانياً: الوضع الحالي لمدارس تعليم قيادة السيارات
< في العام الماضي 2004م أقدم رجل أمني على استئجار شقة بإحدى العمارات الواقعة على خط تعز الحوبان وادعى أنه قام بافتتاح مدرسة لتعليم قيادة السيارات وطلب من إدارة مرور تعز التعاون معه، وتم التنسيق مع قسم الرخص بإحالة طالبي الرخص الجديدة إلى هذه المدرسة، ولم يجرؤ هذا المستثمر على رفع يافطة على واجهة العمارة التي استأجر فيها شقة لتأسيس هذه المدرسة، وفعلاً بدأ هذا المستثمر بممارسة عمله وتم إحالة كل طالبي رخص القيادة الجدد إلى هذه المدرسة للتدريب ومنحهم شهادات الاجتياز التي بموجبها تقوم إدارة مرور تعز بمنح صاحب هذه الشهادة رخصة القيادة. ويستغرب المرء كثيراً، كيف حصل هذا المستثمر على التصريح لتأسيس هذه المدرسة وممارسة هذا العمل، وهذه المدرسة لا تمتلك أي امكانيات أو مقومات تؤهلها للقيام بهذا النشاط، فالمتدرب المرسل الى هذه المدرسة يجبر على دفع مبلغ وقدره ثلاثة آلاف وخمسمائة ريال ويمنح سنداً بذلك ثم يرسل مباشرة إلى ضابط المرور المنتدب في هذه المدرسة للقيام باختبار هذا الشخص فوراً، وبعد اختباره على قيادة السيارة التابعة لمندوب المرور وخلال خمس دقائق من الوقت ومشوار بالسيارة لا يتجاوز مائتي متر محدد من الفتحة الأولى في ممر المشاة الى الفتحة الثانية يقوم المتدرب بقيادة السيارة والدوران بها وإعادتها إلى المكان الذي انطلق منه ثم ينطلق الى الامام في اتجاه طريق ترابي ويعود إلى الخلف ويغلق السيارة وينزل منها، وبموجب ذلك يتم التوقيع على الاستمارة الممنوحة للمتدرب بما يفيد اجتيازه للاختبار بنجاح، وبنفس اللحظة يعود المتدرب لهذه المدرسة ويقدم شهادة اجتيازه للاختبار بتأشيرة مندوب المرور الموكل إليه هذه المهمة، وتقوم المدرسة بعد ذلك بمنحه شهادة الاجتياز بنجاح والتوقيع عليها وختمها واعطائها للمتدرب، أي أنه خلال ساعة بالكثير يحصل المتدرب على هذه الشهادة، ويرسل للمرور لاستكمال بقية الاجراءات لمنحه رخصة القيادة وخلال ساعة أخرى تستكمل اجراءاته في المرور ويتم منحه الرخصة المطلوبة، وإدارة المرور تعرف بهذا الأمر وتغض الطرف، فالاستمارة الاولى لهذا المتدرب تمنح له من ادارة المرور ومدون عليها التاريخ، وعندما يعود هذا المتدرب بنفس اليوم بشهادة هذه المدرسة تستكمل معاملته وينتهي الأمر، يعني ذلك ان العلم مسبق بأنه ليس هناك تدريب ولا يحزنون المسألة ترتبط فقط بدفع المبلغ لهذه المدرسة وقدره ثلاثة آلاف وخمسمائة ريال فقط أي ما يقابل خمسة عشر دولارا فقط .. يا بلاشاه.. يا رخصاه!!

أليس هذا ابتزازاً؟ أليس هذا احتيالاً؟ أليس هذا فساداً علنياً؟ نعم أخذ هذا المبلغ من قبل هذه المدرسة بدون وجه حق او تقديم خدمة يعتبر ابتزازا واحتيالا واستقواء على الآخرين.

وهذا المبلغ يعد في نظر صاحب هذه المدرسة صغيرا جداً ولا يستحق الذكر.. إلا أننا لو عملنا حسبة دقيقة لهذا المبلغ فسوف نجد الآتي:رسوم الرخصة الجديدة أو تجديدها بمبلغ ألفي ريال فقط، وإجمالي المتحصلات من ايرادات الرخص الجديدة وتجديداتها لمرور تعز خلال العام 2004م بلغ ثمانية وعشرون مليون ريال (000.14) رخصة وإذا افترضنا أن هذا المبلغ تمثل 50% منه رسوم رخص جديدة و50% تجديدات، يعني ذلك أن صاحب هذه المدرسة استلم رسوم نصف عدد هذه الرخص والبالغ عددها سبعة آلاف رخصة مضروباً في ثلاثة آلاف وخمسمائة ريال، فيكون اجمالي المبلغ اربعة وعشرين مليوناً وخمسمائة ألف ريال، هذا المبلغ ذهب لجيب صاحب هذه المدرسة بدون وجه حق.

الا أنه خلال الاشهر الاخيرة من العام الحالي 2005م زاد طمع صاحب هذه المدرسة، وحصل على تعليمات تفيد بأنه يجب أن يخضع لهذه المدرسة كل اصحاب الرخص وأصحاب التجديدات، وعلى الجميع دفع الرسوم لهذه المدرسة والحصول على شهادتها المبجلة سواءً كان طالب رخصة القيادة جديدا أو قديما يحمل رخصة سابقة ويمارس هذه المهنة منذ عشرين سنة، فالجميع يدفع لهذه المدرسة وبدون مراجعة، هنا سوف يتضاعف مدخول هذه المدرسة بشكل كبير جداً، والابتزاز يمارس على الجميع ليس في محافظة تعز وحسب، بل الأمر قد تعدى كل المحافظات بعد استحسان هذه التجارة المربحة.

لهذا نرفع هذا الأمر لسيادة النائب العام ووزير الداخلية ورئيس الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، بسرعة التحرك واتخاذ الاجراءات اللازمة لإيقاف هذه المهزلة وحماية المواطن من الابتزاز.

ثالثاً: المقومات الاساسية لهذه المدارس
1- إيجاد البنية التحتية للمنشأة التعليمية بكل اساسياتها.

2- إيجاد المدرسين المتخصصين في هذا المجال.

3- تقديم تصور للبرنامج النظري والعملي الذي سيتم تطبيقه في هذه المدرسة.

4- امتلاك او استئجار مساحة كبيرة من الارض خارج المدن الرئيسية بحيث تستوعب هذا المساحة من الارض صناعة طرق إسفلتية وترابية وتشكل هذه الطرق بأسلوب علمي يقارب ويشابه ما هو موجود على ارض الواقع، وتجهيز هذه الطرقات بالاشارات المرورية المحمولة على الاعمدة وتخطيط الطرق المسفلتة بالخطوط الفوسفورية الصفراء والحمراء والبيضاء على الاسفلت لتعريف المتدرب بمضمون هذه الاشارات والارشادات.

5- امتلاك وسائل نقل مختلفة صغيرة وكبيرة ومن كل الاشكال للتدرب عليها ولا تقبل عقود استئجار لهذه المركبات.

6- امتلاك سيارات وناقلات بدون هياكل لتعليم المتدرب على أجزاء السيارة المختلفة.

7- توفير عدد من السائقين المهرة للقيام بتدريب الملتحقين بهذه المدرسة.

فإذا امتلك المستثمر في هذا المجال هذه المقومات لمدرسته فما عليه إلا أن يتقدم للجهات المختصة بمشروع النظام الاساسي لمدرسته لاعتماده ومنحه التصريح الرسمي لمزاولة نشاطه الاستثماري في هذا المجال، وبدون توفر هذه الاساسيات والمقومات في مثل هكذا مدارس ستظل هذه المدارس بدون شرعية قانونية، وسوف يعد ممارستها لهذا العمل استقواء وابتزازا لحقوق الآخرين بدون وجه حق، وهذا الأمر يعد جريمة نكراء وفساداً يمارس بطريقة علنية، يجب محاربته بكل الوسائل المتاحة وتقديم من يقف وراءه للقضاء ليقول كلمته العادلة فيهم.

ملاحظات ختامية
- يفيد المتعاملون مع هذه المدارس أن تكاليف الحصول على رخصة قيادة في حدود ثمانية عشر ألف ريال، منها سبعة آلاف ريال تدفع للمدرسة والمرور رسوماً مقررة، والباقي اتاوات لإنجاز المعاملة، وبالنسبة لتجديد رخصة قيادة سابقة فتبلغ تكاليف انجازها في حدود ثمانية آلاف ريال، بينما كانت التكاليف في السابق قبل ظهور هذه المدارس لا تزيد عن خمسة آلاف ريال لاستخراج رخصة، أما تجديد رخصة القيادة فلا تزيد عن ثلاثة آلاف ريال.

- يفيد المتعاملون مع هذه المدارس من الاجانب أنه تفرض عليهم رسوم مضاعفة ويخضعون لشروط هذه المدارس بالرغم من امتلاكهم لرخص سابقة صادرة من بلدانهم أو من اليمن.

وهذا الأمر سيؤدي إلى المعاملة بالمثل للمواطن اليمني خارج البلاد، وسيعكس نظرة سيئة لمجتمعنا في عدم احترام خصوصية الآخرين.

- هذه الارباكات ستؤدي الى عرقلة تحصيل ايرادات المجالس المحلية بالمحافظات بسبب الجعجعة التي يلاقيها طالبو الرخص الجديدة وطالبو التجديد للرخص القديمة.

- أخيراً نوجه رجال الصحافة وأصحاب الاقلام الشريفة للتصدي لهذه الظاهرة وتعرية من يقف وراءها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى