متى بدأت دعوات الإصلاحات ومن هم روادها عربياً ويمنياً؟

> عبدالعزيز يحيى محمد:

> للتقليل من الأهمية التي تكتسبها دعوات الإصلاحات التي تطرحها وتتبناها العديد من القوى والجهات الداخلية والخارجية، الهادفة إلى إحداث تغييرات شاملة في كافة مناحي الحياة في بلداننا العربية من ناحية، وللتشويه والتشكيك بمضامينها واهدافها النبيلة من ناحية اخرى، يزعم الرافضون لها بأن تلك الدعوات ما هي الا دعوات حديثة وجديدة، جأت ليس بناءً على الحاجات والمطالب الداخلية للشعوب العربية، بقدر ما جاءت اما مجاراة لما قامت وتقوم به العديد من دول العالم، أو لإرضاء الدول الغربية الكبرى كالولايات المتحدة التي تطالب بإجراء إصلاحات إلا أنه بفضل ما وفرته واتاحته لنا وسائل وادوات الطباعة والنشر والاتصال وغيرها أصبح بامكان أي واحد منا الحصول على كم وعدد هائل وكبير من المعلومات والبيانات في شتى مجالات وحقول المعرفة، ليعرف ويفند من خلالها صحة أو خطأ أي من المزاعم والآراء التي تعرض وتقدم عليه، كتلك التي يطلقها المعارضون لدعوات الإصلاحات.

فعند الرجوع إلى ما تم ويتم إصدارة ونشره وعرضه من مؤلفات وكتب وابحاث ودراسات وتقارير وإحصائيات.. الخ من قبل عدد من دور الطباعة وفي الكثير من الصحف والمجلات وعلى شبكة الانترنت للعديد من الجهات والأفراد، سواء بخصوص تراثنا النهضوي العظيم، أو بخصوص الأوضاع التي تعيشها وتمر بها مجتمعاتنا العربية، يتبين ويتأكد لنا أن تلك المزاعم للمعارضين للإصلاحات باطلة جملة وتفصيلاً.

إذ أن ما يحتويه ويتظمنه تراث نهضتنا من دعوات ومشاريع لاصلاح اوضاع مجتمعاتنا العربية، لم تكن تشمل فقط ما تم وضعه وتبنيه في دعوات ومشاريع الاصلاحات التي تطرح اليوم فحسب، بل انها كانت أكثر اتساعاً ووضوحاً وجرأة شكلاً ومضموناً، حيث تناول حتى أكثر القضايا حساسية وتعقيدا مثل قضية تحرير المرأة وعلاقة الدين بالسياسة ودور واهمية العلاقات الجنسية بين افراد المجتمع وغيرها من القضايا.

فمنذ أكثر من 200 سنة ظهرت حركات تدعو للإصلاح الديني وتيارات تؤمن وتتبنى الافكار الليبرالية والعلمانية، وقد دعا وتبنى وطالب مؤسسوها وهم على التوالي جمال الدين الافغاني، رفاعة رافع الطهطاوي، شبلي شميل، وممثلو الاجيال التي اتت بعدهم، دعوا مثلا إلى: اقامة انظمة حكم دستورية تعتمد على مبادئ التعددية السياسية والحزبية واقامة أحزاب ثورية تقود عمليات الاصلاحات (الافغاني)، وإلى اجراء فصل بين السلطات وتجسيد روح القوانين في علاقة السلطة بالمواطنين ، واحترام حقوق الانسان وإلى التسامح الديني (الطهطاوي) (العقاد)، وفصل الدين عن الدولة والخلافة عن السياسة كشروط للتقدم (علي عبدالرازق)، وتحرير المرأة من الحجاب والنقاب واتاحة المجال امامها للمشاركة في كافة مجالات الحياة العامة (قاسم امين)، ايلاء عناية كبيرة بالتعليم واعتبارة كالماء والهواء (طه حسين)، الاهتمام بآخر الاكتشافات العلمية والترويج لها وبكافة العلوم الانسانية كالفلسفة وعلم الاجتماع وغيرها، الاخذ بالمصطلحات الواردة في الموروث واسقاطها على ما يشابهها من مصطلحات معاصرة حتى لا تبدو وافدا معزولا عن السمة الوطنية (شلبي شميل)، ودعوا إلى تحرير الكائن البشري من اسار التقاليد الموروثة والعقد الجنسية والنفسية وأساليب القهر الاجتماعي (سلامة موسى)، واعتبار العمل وحده مصدر القيمة للإنسان وأن يكون الوطن موطنا للحرية والاشتراكية (الطهطاوي) .

كما أكدوا على أهمية الأخذ من التراث الغربي عقلانيته وعلميته وتخطيطة عند مواجهة وحل شتى القضايا والمسائل التي تهم الحياة، دون ان يقطعوا صلاتهم بالتراث العربي الاسلامي، حيث اعتمد الكثير منهم عليه واستفاد منه استفادة قصوى.

لقد أسهم كل ذلك بادوار عظيمة وكبيرة في تحقيق نهضة عربية شملت الكثير من مختلف مناحي الحياة في العديد من البلدان العربية، إذ تجسدت بعضها مثلاً في اقامة وبناء وتشييد عدد هائل وكبير من المشاريع في المجالات الصناعية والزراعية والنقل والمواصلات والاتصالات والعمران والطاقة، وانتشر التعليم بصورة واسعة في صفوف الجماهير العربية وظهرت العديد من المؤسسات والأجهزة الثقافية والإعلامية والأدبية والفنية.

وقد رافق ذلك ظهور الأحزاب والتنظيمات السياسية المؤسسات المدنية كالنقابات العمالية والاتحادات النسائية والطلابية... الخ، وعرفت ومارست عدد من الشعوب العربية الديمقراطية، وحرية الصحافة وحق التعبير عن الرأي، فاعتمدت الانتخابات في بعض البلدان وسيلة للوصول إلى بعض مفاصل السلطة، فكان من أهم نتائج كل ذلك أن تم ايقاظ وإلهاب الوعي والحماس الوطنيين لدى الغالبية العظمى من افراد الشعوب العربية، مما أدى إلى أن تنال وتحصل كل الدول العربية على استقلالها وحريتها.

ومما لا شك فيه أن اليمن لم تكن بعيدة أو بمعزل عن ذلك، حيث كان لها رواد عظام اسسوا وقادوا التيارات الإصلاحية الليبرالية والدينية والقومية واليسارية من أمثال احمد فضل القمندان محمد علي لقمان، محمد علي الجفري، قحطان الشعبي، عبدالقوي مكاوي، محمد سالم بيحاني، محمد عبدالله حاتم، محمد علي باشراحيل، عبدالله باذيب، لطفي جعفر أمان، عبدالله الاصنج، والكثير غيرهم في الجنوب، ومن أمثال الشوكاني، وعبدالله الوزير، زيد الموشكي، الثلايا، واللقية، والهندوانة، الزبيري والنعمان والفضول، وغيرهم في الشمال، اسهموا بادوار عظيمة لاحداث تغييرات حاسمة في المجتمع اليمني فمهدوا الطريق لقيام وانتصار ثورتي شعبهم سبتمبر وأكتوبر، اذ وهبوا حياتهم ثمناً للتخلص من ظلم النظامين الامامي والاستعماري، فمنهم من قام بتأسيس أحزاب واتحادات عمالية وطلابية ومؤسسات ثقافية واعلامية وتربوية...الخ ومنهم من أيد وساند تلك الاحزاب والاتحادات من خلال الدعم والانخراط في عضويتها، ومنهم من شارك بصورة مباشرة في التنظيمات والحركات السياسية التي خططت وفجرت وقادت الثورتين اليمنيتين، فاستشهد الكثير منهم.

ومن المؤسف القول انه بعد أن حصلت الكثير من البلدان العربية على استقلالها الوطني وأصبحت السلطة في ايدي بعض من ممثلي الحركات والانقلابات والثورات التي سعت وطالبت وقامت من اجل ذلك، تعرضت وواجهت الحركات والتيارات الاصلاحية المختلفة وغالبية أعضاءئها ومن تبقى من روادها على قيد الحياة لشتى انواع وصنوف الظلم والقهر، نتيجة لقيام الانظمة الحاكمة الجديدة بتصفية واجهاض مشروع وجنين الدولة المدنية الحديثة الذي بدأ يتشكل في احشاء الكثير من المجتمعات العربية، واستبداله بنظم حكم جعلت السلطات فيها خاضعة وبصورة مطلقة لإرادة الفرد، القبيلة، العشيرة، الطائفة، فأصبح الاستبداد - وبامتياز- هو طابعها الذي يميزها حتى يومنا هذا.

فكان من الطبيعي أن تعجز وتفشل تلك الانظمة حتى من تحقيق شيء ذي قيمة من مشروع التنمية الذي تبنته، بعد أن استبدلت مشروع النهضة الذي كان قائما، تدل التقارير الصادرة من عدة جهات داخلية وخارجية، وأهمها تقارير الأمم المتحدة حول التنمية البشرية، على التراجع والتقهقر الذي تعاني منه وتمر به كافة مناحي حياة الانسان العربي، مقارنة بما حققه الانسان في العديد من دول العالم كماليزيا وتركيا وسنغافورة وكوريا على سبيل المثال وليس الحصر.

على أن من أخطر الاشياء التي مارستها الانظمة العربية ومازالت على شعوبها قيامها بتزييف وعي غالبية افراد الشعوب العربية، عن طريق سيطرتها وتحكمها المطلقين بكافة وسائل وادوات ومؤسسات وأجهزة التعليم والثقافة والإعلام ومخرجاتها والتحكم بوافداتها ومن خلال وضع العراقيل والمعوقات والقيود أمام أي محاولة تبذل ومن شأنها نشر وتوثيق اعمال رواد النهضة لاحياء التراث النهضوي العظيم، حتى لا يتمكن المواطنون العرب من الاطلاع عليه ومعرفة ما احتواه.لذلك ولغيرها من الاسباب غدت دعوات ومشاريع الاصلاحات التي تطرح وتقدم اليوم، تترائى للكثير من العرب على انها فقط دعوات ومشاريع جديدة وحديثة فحسب، بل انها غريبة عنهم وعن مجتمعاتهم، واعتبار انها لا تلبي سوى مصالح البلدان الغربية كما يروج له ممثلو السلطات الحاكمة.

من جانب آخر نجد ان ممثلي الانظمة الحاكمة والموالين لهم يستغلون ويوظفون المشاعر والاحاسيس الوطنية أسو وأردأ استغلال وتوظيف، فلكي لا يظهرون امام شعوبهم بانهم يرفضون الاصلاحات، نجدهم يزعمون ان الاصلاحات شأن داخلي لا يجب القيام به الا من الداخل، وهي كلمة حق يراد بها باطل، موهمين شعوبهم انهم لا يعترضون على الاصلاحات بقدر ما يعترضون على تدخل العامل الخارجي في تنفيذها كون ذلك يعد مساساً بالسيادة والكرامة الوطنيتين يرقى إلى الخيانة العظمى، معتقدين أن شعوبهم لا تعرف مدى التمنازلات التي يقدمونها للدول الكبرى ، حين يتعلق الامر بمصالحهم الخاصة، أما حين يتعلق الأمر بمصالح شعوبهم فتلك خيانة.

اما آخر ما تفتقت به قريحة ممثلي حكامنا العرب بشأن الاصلاحات هو زعمهم أن الاصلاحات لا يمكن ان تتم إلا متى ما حل وأنهي الصراع العربي الاسرائيلي وذلك كما عبروا عنه في مؤتمر (المستقبل) الذي عقد في العاصمة البحرينية المنامة تبنته الدول الثمان الكبرى والخاصة بالشراكة لاجل الاصلاحات والتغيير في الشرق الاوسط. وقد نسوا أو تناسوا أننا نعرف أن الدولة الإسرائيلية بسبب سماحها لشعبها بممارسة الديمقراطية منذ نشأتها تمكنت من تحقيق الإصلاحات التي يحتاج لها ويتطلبها شعبهم، دون ان تتخذ من حالة الحرب التي تواجهها مبرراً لعدم القيام بها.

فمتى يتعظ حكامنا العرب؟

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى