قم للمعلم..

> فضل النقيب:

>
فضل النقيب
فضل النقيب
نواصل مع مدرسة بازرعة الخيرية الإسلامية، وقد رأينا قبل ذلك أسد العرين مديرها خليل أبوغبن في القاهرة وقد أزرى به الدهر بعدها، فتضاءل جسمه وخفت صوته واستوت نظراته على (جودي) الطمأنينة والصفاء بعد أن كانت تشتعل ناراً وتقدح شرراً، أما فانوس المدرسة وحواريّها الأستاذ عمر باناجه فقد ظل في محرابه حتى تسنم أمرها وتولى قيادها جزاء وفاقا ولم أكن حاضراً في هذه المرحلة مع أن إعجابي به لم يفارقني قط، وقد لمحته منذ عدة سنوات في مطار أبوظبي وكان العمر قد نال منه فتقدمت منه وجلاً متلعثماً كأنني مازلت ذلك التلميذ الصغير «لم أزد عن أمس إلا إصبعاً» فقبلته في جبينه، فسألني من أنت؟ قلت أحد تلاميذك، وهم كثر، ثم عرّفته بنفسي، فبدا كمن يحاول أن يتذكر شيئاً بعيداً، بعيداً في الزمان والمكان، وقد حمدت للصدف ذلك اللقاء المقتضب الجميل كمن يقع على آخر أشعة الأصيل قبل أن تغيب الشمس.

كانت لمدرسة بازرعة صفة المحافظة الساكنة التي لا تصدم مألوفاً وتندمج في الواقع اندماج الموجة بالموجة حين تصلان إلى الشاطئ، ولكنها مع ذلك لم تنس نصيبها من الدنيا الجديدة البازغة فكانت طبول الأستاذ الفنان الكبير يحيى مكي وإيقاعاته وأبواقه تملأ الفضاء طرباً وإنشاداً مع فرقته القشيبة بملابسهم البهيجة وبينهم الفنانان الكبيران أحمد قاسم ومحمد عبده زيدي وجيوش الأطفال ترافقهم وهم يعبرون الشارع عبور الجيوش المنتصرة، وقد أسست هذه الفرقة البازرعية المكية لنشوء ذوق فني جديد، وقد تولى قيادتها بعد ذلك أحمد قاسم فمحمد عبده زيدي على التوالي، وهكذا نرى صدقية المثل القائل «ومعظم النار من مستصغر الشرر». وكانت للمدرسة أيضاً نفحة من جوارها العيدروسي العابق بالتصوف والسباحة الروحية في الملكوت، وقد كانت تلك الجيرة أشبه بجيرة العطار لا تأتيك من لدنه إلا الرائحة الزكية، ومع أنني لم أشهد الفترة التي تولي فيها إدارة المدرسة فضيلة الشيخ علي محمد باحميش، رحمة الله عليه، إلا أنني شهدت جانباً من الاحتفالات الدينية التي كان يقيمها في ساحة المدرسة فتجتذب القاصي والداني تُلقى فيها المواعظ الدينية والخطب الحماسية ويتبارى فيها الشعراء ويرش الحضور فيها بماء الورد المنعش ويأنس الأطفال إلى ملابس العلماء الوقورة وإضاءات المصابيح الملونة، وكان الشيخ باحميش نجم تلك التجمعات والدينامو المحرك لها بما عرف عنه من شجاعة روحية وبلاغة قولية وعدم تهيب لخوض أي صراع فكري اجتهادي لا بالعصا والسنان، وإنما بالمنطق والمحاججة والبيان، وقد دفع حياته ثمناً لتلك الشجاعة وذلك الإقدام في قصة مأساوية عدمية ليس مجالها هنا وإن كانت معروفة للعامة من أبناء زمن (الحَسُوْه) حين كان الشيخ إماماً وخطيباً لجامع (العيدروس) يجهر بالحق كما يراه ولا يبالي فيه لومة لائم .. لقد تحدث حين صمت الزمان:

سكتت بغابغة الزمان *** وأصبح الوطواط ناطق

وتقدمت عُرْج الحمير *** وأُخّرت عنها السوابق

قم للمعلم وفه التبجيلا.. وللموضوع صلة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى