مع الأيــام..سادة البحر

> عبدالقوي الأشول:

>
عبدالقوي الأشول
عبدالقوي الأشول
عدن .. عدن .. يا ريت عدن مسير يوم..إنها المدينة الفنار، الحضن الذي وفر الدفء والمأوى بل والملاذ لمن تقطعت أمامهم سبل الحياة .. هذه المدينة الشاطئية التي عُرف أهلها منذ قدم الأزمنة بأنهم سادة البحر.. هي في الأصل هبة ذلكم المد الأزق لمياه البحر الأحمر والعربي.. ربوعها عرفت السكينة والقناعة، وروح الإنسان الحضارية.

ولا أبالغ القول إذا ما اعتبرتها المدينة التي أنسنت الكثيرين.. إلى درجة إدمانهم العيش على شاطئها الجميل، نعم لعدن نكهة المدينة الساحرة.. وواقعها الاجتماعي بروافده بدا نسقاً لجماليات الصورة التي لا يمكن أن تكون إلا لعدن.

لا أدري لماذا يتم نكران وتجاهل دور عدن الريادي والتاريخي بالنسبة للوطن؟ ألم تكن هي حاضرة المدن اليمنية، التي نوّرت عقول العديد من أبناء الوطن.

ولولا قبس النور الذي بدا وميضه مبكراً من عدن.. لطال أمد الليل كثيراً. لا أدري كيف فعلت مدينتنا العريقة كل هذا .. في حين ظلت محتفظة بطابعها الحضري بكل ما فيه من نكران الذات .. بمعنى أن هذه القبيلة العدنية - التي لا حدود لمقاطعتها المشاعة بين كل من حلوا ربوعها بمختلف أطيافهم - لم تجن نظير ما قدمت، وإن كان المجني شوكاً في أغلب الأحيان، بسبب جحود عدد ممن كانوا يوماً في حمى ناسها.

نعم .. هو طيف بشري مختلف.. غير ميال للتمنطق بوسائل الشر.. لا تتنازعه الثأرات .. ولا يقبل عقائر الثيران.

مجتمع يقابل الإساءة والشرور بنمط من السلوك الهادئ المنزوي .. متسامح إلى درجة يخالها البعض نمطاً من الاستغفال.

ولعل ما بعث في النفس قدراً من الاستحضار لقدر عدن.. واقع الاحتفالات المناسباتية التي تبدو وكأنها غير منتسبة أصلاً لعدن، فهي إما فاترة إلى درجة لا تشعرك أنك بحضرة المدينة التي قاومت الاستعمار، وكانت شاهداً على يوم جلائه، برحيل آخر جنود الامبراطورية من على صدر مرفئها الشهير.. واقع لا يمكن الحديث معه ولو بقدر من المجاملة لرعيل الآباء.. ممن تحملوا عناء ومشقة الأزمنة الماضية.

بل كانوا ذاتهم من عاشوا سنوات الخيبة والبؤس، من جراء عرك الرحى الذي وقع تحت ضغطه من رسموا في أذهانهم صورة أخرى لوطن الحرية والاستقلال.. فخابت آمالهم. فها هي مدينة الاستقلال متدثرة بجلباب حزنها.. بعد مضي عقود من الزمن خلت من الإشارة إلى عدن كمهد منحت سبتمبر وأكتوبر طلائع الرجال والعقول.

إنها تحتفل بذكرى الاستقلال.. باختفاء تاريخها وشواهده بحالة طمس للحقيقة تنم عن قدر من الجحود والنكران.. يشير إلى أن كل ما ينتمي لعدن غير متصل بنواصي مكارم القبيلة.. التي تساوم من أجل أن تبدي قدراً من المرونة والطاعة حين تشترط على ولاة الأمر قدراً من السخاء.. وإلا لن يكون الولاء.

عدن.. تمتلك قدراً هائلاً من الثراء.. إنها المشاع الذي هُتكت جوانبه ونُهشت بشراهة وقسوة لا نظير لهما.

إنها تمنحكم العطاء.. بلا منٍّ ولا شروط ابتزازية.

فلماذا هذا التجريد لعدن من ذاكرتها التاريخية ومن مخزونها الأثري والثقافي؟ حتى بدا أبناؤها غرباء في قلب مدينتهم.. يمكنك أن تقرأ الشقاء والبؤس على ملامح من كان لهم الفضل في إثراء العقول.. من بوابات مدارسها وباحات مساجدها وشوارعها وشواطئها بل أزقة حواريها .. هي المحبة التي تمنحك الضوء.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى