الأدوية المستوردة..هل يتناسب حجمها ونوعها مع الامراض الشائعة في البلاد؟

> د. علي محمد سعيد الأكحلي:

> مقدمة ..لقد دأبت الهيئة العليا للأدوية ومنذ إنشائها على إصدار تقرير إحصائي سنوي يتضمن قيمة الواصل من الأدوية والمستلزمات الطبية التي استوردتها مختلف الجهات (قطاع خاص/ جهات حكومية الخ..) إلى اليمن وقد كان التقرير في السنوات الاولى يصدر بتبويبات مختصرة وطباعته كانت رديئة. إلا أنه وابتداءً من عام 2000م وبعد ظهور الكمبيوتر، فقد بدأت الهيئة بخزن المعلومات وتصنيفها بحيث ظهرت التقارير بتبويبات متنوعة وطباعة جيدة.

ولا تزال هناك سلبيات في إظهار التقرير السنوي من حيث نوعية المعلومات التي تورد فيه، حيث يتطلب مزيدا من التحسين وهو في متناول القائمين على إعداد هذه التقارير الاحصائية السنوية.

ولنا ملاحظة هنا حول تقرير عام 2004م حيث تمت طباعته باللغة الانجليزية وكأن لغة البلاد الرسمية هي الانجليزية! وكان يفترض طباعته كعادة السنوات الماضية (بالعربية) ومن ثم ترجمته إلى الانجليزية ليتاح للوكلاء المحليين إرساله إلى الشركات الاجنبية المصنعة للأدوية.

وللعلم، فإن هؤلاء الوكلاء يقومون سنوياً بترجمة ما يهمهم من معلومات مذكورة في التقرير إلى اللغة الانجليزية (لدى مكاتب الترجمة المنتشرة في الاسواق) وإرسال الترجمة إلى الشركات الاجنبية.

وللعلم أيضاً، فإن التقرير الاحصائي السنوي لا يوزع مجاناً وانما يباع إلى الوكلاء والجهات الأخرى التي تطلبه ووصلت قيمته مؤخراً إلى ثمانية آلاف ريال يمني (8.000).

ملخص التقرير الاحصائي لعام 2004:

أظهر التقرير أن هناك زيادة سنوية في استيراد الأدوية عبر القطاع الخاص خلال العشر سنوات الماضية، حيث كان حجم الاستيراد في عام 1995 يساوي 31,689,297 دولارا وارتفع في عام 2004 ليصل إلى 109,264,864 دولارا وهذه الأرقام تخص قيمة استيراد القطاع الخاص (فقط) إلى السوق المحلي والذي يشكل عادة 85% من الاستيراد العام. وقد زاد عدد المستوردين من 77 مستوردا في عام 1995 إلى 135 مستوردا في عام 2004م.

كما زاد عدد الشركات المصدرة للدواء من 151 شركة في عام 1995 لتصبح 376 شركة في عام 2005م.

ورغم الزيادة المهولة في عدد المستوردين والشركات وكذا عدد الأدوية المسجلة والتي بلغت بحسب آخر تصريح لمدير الهيئة العليا للإدوية - سبعة آلاف صنف، إلا أن هذه الزيادة (من وجهة نظري) لم تكن لجهز استيراد أصناف تخصصية أو حديثة الاختراع (التركيب الكيماوي) أو أدوية مطلوبة لعلاج أمراض جدية(serious diseases) وشائعة، والدليل على ذلك هو قيام المرضى الذين يتعالجون في الخارج بشراء أدويتهم في البلد العربي/ الأجنبي وإحضاره معهم إلى اليمن. كما أن السوق اليمني يفتقد في فترات عديدة من السنة لأدوية مهمة لحياة المريض، حيث يتم إحضارها عن طريق أقارب أو أصدقاء للمريض، يعيشون في دول أخرى أو عبر مسافرين. وقد تتواجد هذه الأدوية في بعض الصيدليات نتيجة تهريبها إلى البلاد بطريقة غير مشروعة. وبدلاً عن ذلك، انشغلت الهيئة العليا بتسجيل أصناف غير مهمة ولا تشكل أية إضافات في الجهود المبذولة لتحسين الوضع الصحي من خلال مسؤوليتها في تحسين مستوى التموين الدوائي للسوق المحلي، مع مسؤولية وزارة الصحة في توفير الشق الآخر من التموين الدوائي المجاني للمستشفيات (عبر المناقصات السنوية) والتي يجانبها الكثير من القصور الذي لا يخفى على أحد.

والأصناف التي انشغلت الهيئة العليا بتسجيلها هي:-

1- أصناف مثل مضمضات الأسنان ومعاجين اللثة واقراض استحلاب للحلق (throat lozenges) غرغرات للحلق (mouth gargles) ومراهم لتخفيف آلام العضلات أو الروماتيزم أو أصناف مثل الرفل (قراب الذكر بكسر القاف) (condoms).

2. أدوية تحمل أسماء تجارية لدواء جنيسي واحد (Generic name) كان متواجدا في السوق أصلاً وبعدة أسماء تجارية (عدا قلة من الأدوية التي تم تسجيلها وتحتوي على تركيبات كيماوية حديثة).

3- أصناف تسمى غذاء تكميلي (Food Supplements) مثل الفيتامينات، أو المعادن الداعمة (Mineral Supplements) مثل الكالسيوم والزنك أو المقويات أو محفزات الشهية.

4- أصناف مثل الفياجرا وشبيهاتها، والتي نسبتها حوالي 5% على الأقل (تقدير كاتب المقال) من إجمالي الاستيراد العام، بينما نسبة الأدوية المستوردة أو المصنعة محلياً (سنوياً) والتي تعمل ضد الطفيليات والديدان والقمل والجرب لا تتعدى الـ 3%! (بحسب تقرير الاحصاء لعام 2004) .

لقد سعدت الهيئة العليا للأدوية بعملية تسجيل مزيد من الشركات الاجنبية سنوياً، لأن من شروط التسجيل هو ذهاب لجنة من قوام موظفي الهيئة (عادة مكونة من شخصين) لزيارة المصنع المراد تسجيله في اليمن بحجة التأكد من مطابقته مع شروط (أداء التصنيع الجيد) (Good Manufacturing Practice) والمعروف مختصرا (GMP( وتتحمل الشركة الاجنبية والوكيل اليمني نفقات سفر ومكوث اللجنة في البلد الاجنبي.

لقد كان قرار التفتيش للمصانع مطلوباً حقاً قبل عدة سنوات عندما تحصل بعض المستوردين على توكيلات من شركات تقع في مناطق جنوب شرق آسيا وبنجلاديش والهند وباكستان (ثم شمل القرار مصانع الدول العربية)، الا أن العملية أصبحت غير جادة وأصبحت (تمشيه وتغيير جو- كما نقول في اليمن) وابتزازا للوكيل المحلي والشركة المصنعة. كما أن الهيئة العليا تطلب دفع ألف دولار أمريكي رسوم تسجيل أية شركة جديدة، إضافة إلى 750 دولارا عن كل صنف يتم تسجيله. وهذه المبالغ قد تكون ضرورية لعمل الهيئة لجهة شراء مستلزمات أجهزة مختبر تحليل الأدوية التابع لها وضمان استمرار نشاط هذا المختبر الذي يعتبر صمام أمام لعدم دخول أدوية مغشوشة بطريقة رسمية إلى البلاد.

ملاحظات من واقع الاستيراد للتقرير السنوي لعام 2004م

1- قام القطاع الخاص بالاستيراد من 367 شركة مصنعة (عربية وأجنبية). وقد لاحظنا أن ثلثي استيراد القطاع الخاص (66%) استأثرت بها أول 10 شركات مذكورة في التقرير، بينما تم استيراد الثلث الأخير (%33) من حوالي 327 شركة مصنعة! وهذا الشيء تكرر خلال العشر السنوات الماضية! أي أن ثلثي الاستيراد يتم من عشر شركات.

2. استيراد القطاع الخاص من إجمالي الاستيراد السنوي العام تخطى نسبة 85%، أما نسبة مبيعات الأدوية المصنعة محلياً (ستة مصانع حتى 2004) فهي في حدود 5% من إجمالي الاستيراد العام، بينما نسبة استيراد الجهات الحكومية (مناقصات وزارة الصحة والدفاع والمستشفيات الحكومية الكبيرة) هي 6% وتذهب نسبة الـ 4% الأخيرة إلى قيام المشاريع والبعثات الأجنبية باستيراد بعض احتياجاتهم من الأدوية إضافة إلى الطلبات الخاصة من الجهات أو الافراد.

3- هناك أدوية لا تصنف في العادة إلى مجموعات دوائية في التقرير الاحصائي السنوي وتتراوح نسبتها في العادة ما بين 30% إلى 40 % (شكلت نسبة 41% في عام 2004) ولا نعلم السبب. وهذا يتكرر في كل التقارير السنوية. أما نسبة 60% الباقية فإنها تصنف إلى 14 مجموعة دوائية. وقد لاحظنا أن 12 مجموعة دوائية تشكل نسبتها حوالي 60% من الأدوية المصنفة، بينما هناك مجموعتان دوائيتان تشكلان ما نسبته 40% تقريباً من إجمالي الأدوية المصنفة. والمجموعتان هما:-

(أ) أدوية الجهاز الهضمي وتشكل نسبة 15 % من الاستيراد المصنف. وقد تضاف إلى هذه المجموعة نسبة 5% من نسبة الأدوية غير المصنفة أي بإجمال 20% من إجمالي الاستيراد العام. وهذا يعني أن المواطن اليمني لا يزال يعاني كثيراً من أمراض الجهاز الهضمي كالحموضة والتسمم الغذائي والتقلصات والاسهال وتيبس المعدة إضافة إلى أمراض الكبد المختلفة.

(ب) مضادات العدوى العامة وتشكل نسبة 15%. وقد تضاف إلى هذه المجموعة نسبة 7% من نسبة الأدوية غير المصنفة أي باجمال 22% من إجمالي الاستيراد العام. وهذا يدل على أن استهلاك المضادات الحيوية هو استهلاك مفرط وغير مراقب علماً أن استخدامها الغير رشيد يضر جسم الانسان أكثر مما ينفعه.

الاستنتاج

مؤشرات المجموعات الدوائية المستوردة تدل على أن الاستيراد عشوائي ولا يتفق مع استراتيجية واضحة تتماشى مع حدة الامراض وأنواعها، أو أنها ذات تركيبات كيمياوية حديثة الاختراع وبما يؤمن علاج آمن وسريع للمريض ولا يستنزف في نفس الوقت العملات الاجنبية التي يمكن الاستفادة منها في استيراد منتجات آخرى مهمة قد تحتاجها البلاد.وعليه، نوجه دعوتنا إلى وزارة الصحة العامة والسكان بدراسة الوضع الحالي للتموين الدوائي سواء الاستيراد المباشر عبر القطاع الخاص أو عبر المناقصات الحكومية وكذا دراسة أسباب تدني مستوى التصنيع المحلي من الأدوية ودعم هذه المصانع بكل الامكانات المتاحة حتى تستطيع الاسهام بشكل جدي في رفد السوق المحلي بالأدوية وتمشياً مع استراتيجية الدولة للأمن الدوائي .. كما ندعو وزارة الصحة إلى تبني مشروع واضح لنشر الثقافة الدوائية سواء المجتمعية (لعموم المواطنين) أو لذوي العلاقة كالأطباء والصيادلة وذلك لتصحيح مسار استيراد الأدوية وبما يضمن توافر دواء فعال وآمن يفي بعلاج الأمراض المتفشية بين المواطنين أو الوقاية منها وبما يعمل على تحسين الوضع الصحي عموماً والمواطن اليمني خصوصاً وبما يمكنه من النهوض بالعملية التنموية للبلاد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى