الوثائق البريطانية الصادرة من عدن عام 1916

> «الأيام» نجمي عبدالمجيد:

> يعود تاريخ أول اتصال بين بريطانيا وعدن إلى عام 1609م عندما جاءت سفينة بريطانية أسمها (الصعود) إلى هذه المدينة بقيادة أ. شاربي بغرض البحث عن سوق تجارية جديدة وكذلك لاستطلاع الطرق البحرية في هذه المنطقة، وكان هذا العمل أول وصول بريطاني للشرق الأوسط، وفي عام 1610م أرسلت شركة الهند الشرقية والتي أسست 1600م للتجارة الادميرال هنري مدليتون الذي وصل إلى عدن مع ثلاث سفن. يذكر هارولد ف يعقوب في كتابه «ملوك شبة الجزيرة العربية» أنه في عام 1829م كان الفحم يرسل إلى عدن ويتم تفريغه في جزيرة صيرة، وكان في عام 1827م قد تبين أن المواصلات البخارية مع الغرب لا بد وأن تكون منطلقة من ذلك الطريق، وعدن فقط هي الموقع المناسب بحكم الطبيعة كمحطة، وبعد دخول بريطانيا إلى عدن كانت في عام 1919م محطة كبرى لتزويد السفن بالفحم وفيما بعد بالوقود السائل.

يعد كتاب «الجزيرة العربية في الوثائق البريطانية » الصادر عن دار الساقي لندن (5 مجلدات) والذي اشرف على اختياره وترجمته وتحريره الاستاذ نجدة فتحي صفوة، من المراجع التاريخية الهامة التي قدمت عدة معلومات عن دور المراسلات البريطانية وسياستها في هذا المكان من جزيرة العرب. ونحن هنا نقف امام بعض الوثائق الصادرة من عدن عام 1916م والتي تقدم قراءة جديدة للدور الذي لعبته عدن كقاعدة عسكرية بريطانية ومقر للمقيم السياسي البريطاني فيها، والأحداث التي مرت على جزيرة العرب والدور السياسي البريطاني في هذا الجانب في التقرير رقم (17) الذي يتحدث عن المصالح البريطانية في الجزيرة العربية، نتعرف على اهمية عدن في سياسة بريطانيا من خلال ما كتبه أ. هيرتزل بتاريخ 20 يناير 1917م وهو في هذا التقرير يقيم الوضع الجغرافي والحالة السكانية للمنطقة، ونحن نقف امام الاشياء المتصلة بعدن التي جاءت في هذا التقرير السري، والمد البريطاني الذي وصل الى 75 ميلاًَ مربعاً مع مساحة من الأرض الداخلية والتي حددت مع اليمن والمناطق والشيوخ الذين كانوا تحت الحماية البريطانية، ويذكر التقرير: «4- لاحاجة للتاكيد على اهمية عدن الاستراتيجية فحصن عدن يكاد يكون منيعاً ضد قوات العشائر. وفي ظروف كالتي قبل الحرب نستطيع ان نحميها بقوة صغيرة جداً فنسيطر على المحمية بالنفوذ والاعانات.

5- إن الحدود بين عدن واليمن هي حدود مع الاتراك وليس مع العرب الذين لا يحترمونها كثيراً. وقد جعلت تحديدها ضرورياً دسائس جارنا شبه المستقبل إمام صنعاء الذي شجعه الاتراك حينما كان يخدم غرضهم، ولكنهم لا يستطيعون السيطرة عليه بصورة فعالة حين يختار أن يتحداهم وقد سبق لنا ان اعترفنا بالسلطة التركية، وكلما حدثت حادثة محلية تافهة كان الاجراء الوحيد هو تقديم احتجاج في القسطنطينية. وللامام ادعاءات واسعة في الاراضي الواقعة على جانبنا من الحدود، بل إنها تمتد إلى عشائر حضرموت على ساحل الجانب الآخر من المحمية. أما في الشمال والشمال الشرقي، حيث لم تحدد الحدود بعد، فتحمينا الصحراء الكبرى، الربع الخالي، وعلاقاتنا التعاهدية مع سلطان الشحر والمكلا، التي تكون مع ذلك كافية فقط طالما لا تتعرض عشائر حضرموت الداخلية للتحريض.

6- إن عدن، اضافة الى كونها حصناً، فهي ممر تجاري بري مهم مع المحمية (كانت قيمة هذه التجارة قبل الحرب حوالي 300.000 جنية في السنة) وبناء سكة حديد من عدن الى تعز وهو مشروع مرغوب فيه لأسباب سياسية ايضاً سيجعل من عدن المنفذ الرئيسي لتجارة اليمن. فإذا أصبحت دولة أخرى ذات نفوذ في اليمن، فإنها ستقوم بإنشاء خط من الحديدة الى صنعاء وستصبح الحديدة هي المنفذ وستخسر عدن تجارتها الحالية».

الوثيقة رقم 209 (مذكرة) والتي تتحدث عن الحالة السياسية في داخل عدن وخارجها وهي صادرة بتاريخ 10 مارس 1916هـ . ف جيكوب مساعد المقيم الاول في عدن، تذكر أن لحج قد سقطت في يد الاتراك بتاريخ 4 يوليو 1915م واصبح النفوذ البريطاني في حالة تضاؤل، وقد سعت تلك القوات للزحف نحو عدن حتى وصلت الى منطقة الشيخ عثمان ولكن القوات البريطانية اخرجتها منها بتاريخ 21 يوليو 1915م ومنذ سقوط لحج اصبحت القوات البريطانية تجابه عدة حقائق في ظروف تلك المرحلة وقد ذكرتها الوثيقة بالنقاط التالية: «السلطان الحوشبي الذي مر الاتراك عبر بلاده بطريقهم، هو الآن تركي وكذلك منطقة الصبيحة بأسرها واراضي كثيرين من الشيوخ والامير نصر امير الضالع ايضا تحول وصار يتسلم راتبا تركيا وتبعثه بعض قرى الشعيرية والشيوخ، وكذلك تل الجحاف واضطر الشيخ العلوي الى لحج بالنظر الى الضغط التركي.

والشيخ الاقدم لجماعة ردفان محمد صالح القطيبي أعلن ولاءه لنا لكنه يخشى من هجوم تركي بعد ان رأى ما حل بقرية الملاح الشعيرية ومأزق المقيمين على هضبة الضالع، وذهب ابن اخيه الى لحج لمفاوضة الباشا ومسايرة الظروف معه».

في ذلك الوقت كان السلطان علي بن أحمد علي، سلطان لحج، لا يرى اي منفعة لاهالي بلاده في الاشتراك في الحرب العالمية الاولى (1914-1918) والتي تمثل الصراع فيها بين الانجليز والاتراك الذي نشب على ارض اليمن منذ بداية تلك الحرب، وكان قد ارتبط مع الانجليز في عدن بمعاهدات واتفاقيات تعهدوا له من خلالها بحمايته من أي عدوان تتعرض له مناطقه، كذلك كان الميجور جنرال شو المقيم السياسي البريطاني في عدن عام 1915م قد ابلغ سلطان لحج عام 1914م الموافق سنة 1332هـ «بانه من سوء الحظ اصبحت دولة بريطانيا العظمى في حالة حرب مع دولة تركيا». وكانت الحكومة البريطانية في عدن قد أصدرت منشورا وعدت فيه سكان عدن والجنوب العربي بالمحافظة على حرمة البلاد المقدسة وحريتها.

ودون شك فإن قيام الحرب العالمية الاولى كن له أثر عميق على الاوضاع في منطقة البحر الاحمر وكذلك في خليج عدن، وكل ذلك افرز تأثيرات عميقة على الرؤية السياسية التي كانت تعمل بها بريطانيا سواء بالنسبة لدول اوروبا الصديقة او الدول المنافسة من جهة أخرى ولمصر والدولة العثمانية من جهة ثالثة، والمحور الاهم في السياسة البريطانية كان يتمثل في الحفاظ على الطريق البحري الى الهند والشرق الاقصى عبر البحر الاحمر والى جانب ذلك تأمين ميناء عدن الهام والمسيطر على ذلك الطريق.

كانت منطقة البحر الاحمر في تلك الفترة ساحة للصراع بين هذه الدول: المانيا والنمسا والمجر، والتي تحالفت مع الدولة العثمانية، ودول الحلفاء التي تكونت من بريطانيا وفرنسا وروسيا وبعد انتهاء الحرب انسحبت القوات العثمانية بشكل نهائي من هذه المنطقة وكان ذلك في نهاية عام 1918م بعد ان ظلت لمدة اربعة قرون من الزمن تابعة للسيادة العثمانية، وكانت عدن مركز مراقبة وتموين وقاعدة انطلاق للبريطانيين في البحر الاحمر وخليج عدن وعلى اهم طريق يربط بين بريطانيا وبلاد الشرق طول فترة الحرب، وكل ذلك زاد من التأكيد على اهمية عدن الاستراتيجية البالغة للنفوذ والمصالح البريطانية في ذلك الوقت وهذا العامل ادى الى تمسك بريطانيا بعدن والبقاء فيها والحفاظ عليها.

من جملة المصادر التاريخية لتلك المرحلة نختار بعضا من الوثائق البريطانية الصادرة من عدن عام 1916م وهي تدخل في اطار القراءة السياسية لمراحل المشروع البريطاني في منطقة الشرق الاوسط والذي كانت الحرب العالمية الاولى النقلة الاهم لهذه المنطقة وهي تخرج من هيمنة الخلافة الاسلامية العثمانية الى مرحلة اتفاقية سايكس بيكو عام 1918م والتي ادخلت العالم العربي الى مراحل من التجزئة والتمزق، ومن هذه الارضية تأتي قراءة هذه النصوص ليس في اطار فترتها التاريخية فقط ولكن كرؤية لدور العمل السياسي البريطاني في الشرق الاوسط والذي ما يزال يطرح على المنطقة العربية قراءات جديدة في دائرة المشروع الجديد.

(210)

برقية

من المقيم في عدن الى حكومة الهند- دلهي

(مكررة إلى وزير الهند-لندن)

الرقم 189 التاريخ 19 مارس 1916م

اشارة «ندا» اف.اس بتاريخ 16 آذار مارس من وزير الهند. يقال: «إن من المتوقع أن ينضم الادريسي الى الشريف في حركة هجوم ولو أنه لا يمكن تجهيزه بعتاد المدافع نظرا الى الصعوبة القائمة مع الحكومة الايطالية التي جهزته بالمدافع اصلا. قال الادريسي انه لا يستطيع البدء بالهجوم بدون مدفعية لكنني سوف اسأل مصطفى عند رجوعه.

بالاشارة الى «ندا» اف.اس بتاريخ 2 كانون/ديسمبر من وزير الهند يظهر ان من المقترح الآن صرف النظر عن تلك السياسة لكن هل جربت تجربة عادلة؟ عدا بنادق وعتاد بنادق عرضية لم تقدم الدعم الموعود له. الادريسي عدو للاتراك طول حياته وأثبت استعداده للعمل ضدهم حيث يعطي مساعدة عادلة وهو لا يطلب سوى اسلحة وعتاد وتعاون ويقال إن الشريف كان مؤيدا للاتراك منذ عين في منصبه من قبلهم بعد عزل سلفه وجميع اقليم الادريسي كان في زمن ما خاضعا لشريف مكة.

واذا اختلف هذا الشريف مع الاتراك فذلك حسن، لكن المعتقد هنا ان الاتحاد العربي لا يمكن تحقيقه الا بالجهاد، وفيما يتعلق بحاشد وعشيرة البكيل من الواضح ان محاولة شرائهم كما يرغب مصطفى (الادريسي) تكون إهانة للامام وعملا ضد سياسة الاتحاد العربي.

وهذا بين الامثلة الاخرى يدل على استحسان تقرير سياسة واضحة معينة (راجع كتابي المرقم سي 242 بتاريخ 7 آذار/مارس الذي لم ترسل صورته الى وزير الهند) انني في انتظار رجوع السيد مصطفى وقد رتبت التعجيل به وسأقدم تقريري للحصول على تعليمات جديدة في هذا الموضوع وفيما يتعلق بالسياسة العامة، ألا يمكننا ان نقول للادريسي بأننا سنبدأ بعد هذا، قبل تقدمنا من عدن، بتزويده بمدافع حديثة نستطيع أن نجهز عتادا لها وسوف نتوقع تعاونه. وهل لا يسعنا ان نجعل العرب منفصلين عن الاتراك بدون محاولة ايجاد اتحاد عربي في غياب التشاور المتقابل يظهر ان وحدة ادارة شؤون القضية العربية مستحسنة سواء انيطت بمصر اوبجهة اخرى.

(214)

برقية

من المقيم السياسي في عدن

الى وزير خارجية حكومة الهند- سميلا

الرقم 214

التاريخ 8 حزيران/يونيو 1916م

تسملت البحرية في عدن البرقية الآتية من بور سودان الى المقيم السياسي ستورز وهو غارت من القاهرة اجريا مقابلة مع نجل الشريف في سميحة حضرتها انا ايضا.

الثورة العربية في الحجاز، في جدة ومكة والطائف..الخ تبدأ يوم السبت 10 حزيران اما في المدينة فقد سبق لها ان بدأت، ولكن جميع الاتصالات مقطوعة.

الشريف لم يتسلم اي جواب من الادريسي. أقترح وجوب احتلال (لحيّة) كرهينة لحين تحركه. سأرتب مقابلة اي ضباط تشاؤون في جزيرة قمران لدراسة الخطة بغية اتمام الاستعدادات لعملية مشتركة للبارجة (فوكس) 17150 (؟).

الجواب : يبدأ : «ان عداء الادريسي للاتراك في رأيي لا مرية فيه وسيقوم بمهاجمتهم ثانية حال تسلمه لقذائف المدفعية ومع تأكيد واضح بأن الشريف ملتزم بالقتال وهو يحاصر الآن الطريق من الحجاز الى اليمن، وسأسلم الكابتن تورتن كتابا الى الادريسي وأود بعد موافقتكم، لو يقوم بتسليمها شخصيا وأن يرتب مع الادريسي القيام بأي تحرك يعتبر محتمل النجاح. ان اطلاق تهديدات تهدف الى اجبار الادريسي على التحرك ليس عملا حكيما ولكن بالإمكان استمالته للعمل سوية في اللحية اضافة الى التحرك في اماكن أخرى انتهت.

(215)

كتاب

من قائد البارجة (نور ثيروك) الكابتن ال.ان. تورين

الى المقيم السياسي- عدن

الرقم : 106-2

التاريخ البارجة (نور ثيروك) في 29 حزيران/ يونيو 1916م

سيدي،

اتشرف بأن ابعث اليكم المراسلات المرفقة طيا والتي دارت بيني وبين الادريسي بين 18-27 حزيران/ يونيو 1916م.

القسم الاول من المراسلات تركز بشكل صرف على حث الادريسي على الاقدام على تحرك هجومي فوري ضد الاتراك.

والقسم الاخير منها تركز على المعلومات التي وصلت من المقيم السياسي في عدن، وإنني في موقع يؤهلني للقول فيما يتعلق بالكتاب الأخير ان لا أحد سوى الادريسي وسيد مصطفى اطلع على الكتاب او الرد عليه.

استميحكم أن اضيف التعليقات الأخيرة. لا شك في أن الادريسي ينظر الى القنفذة والمناطق المحيطة كملك له الحق فيه وإنه على الرغم من استعداده للتصرف بصورة ودية ازاء الشريف فيما يتعلق بهجومهما المزدوج ضد الاتراك فإنني اعتقد ان علاقاتهما في المستقبل مشكوك فيها جدا.

لو وجد الشريف ان شن هجوم عام على الاتراك يخوله شن هجوم مستقل على القنفذة فمن المحتمل ان ينشأ بين الشريف والادريسي موقف خطير الى ابعد حد.

يرحب الادريسي بتعاون قبيلتي حاشد وبكيل اذا كان مدعوما من الحكومة البريطانية. وبالنسبة للهجوم على أبها يقترح الادريسي فرض حصار محلي في وقت قصير. وانه لن يسمح بدفعه على الاسراع بشن هجومه على اللحية رغم أنه يصرح انه سيهاجمها بالتأكيد في وقت لاحق.

وهو مقتنع بأن موقف الامام الحالي هو موقف عدائي وليس هناك شك في انه يبقي قواته في الجنوب لهذا السبب.

ويصرح ايضا ان الامام لن يكون ابدا صديقا له لأنه يذهب دوما الى الطرف الذي يدر عليه بمزيد من المال.

انني لا اعتقد ان تصادما بين الامام والادريسي يوشك بأن يقع بل انه ليس محتملا ايضا.

وأخيرا أود للمرة الثانية لفت الانتباه الى الخدمات الثمينة التي قدمها لي اللفتنانت نولدر من البحرية الملكية الذي ساعدني كمترجم خصوصي عند التعامل في أمور ذات طابع سري. وان نصائحه في كل المناسبات كانت جيدة ومباشرة وله الفضل الى حد كبير في قيام العلاقات الودية الموجودة بيننا وبين الادريسي عبر السيد مصطفى. ملاحظات اللفتنانت نولدر مرفقة طيا.

اتشرف الخ.

(موقع) ال.ان.تورتن كوماندر قائد البارجة

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى