«الأيام» تستطلع مستشفى خيريا بوادي حضرموت..أكثر من 627 عملية جراحية مختلفة خلال 2005م وقوافل طبية إلى المناطق النائية

> «الأيام» علوي بن سميط:

>
صورة للمستشفى بوادي العين
صورة للمستشفى بوادي العين
على الرغم من الإنفاق الحكومي على المستشفيات العامة الرسمية إلا أن المواطن يدفع رسوماً للفحص والمعاينة أو أجراء عملية جراحية ومعظم الأحيان يشتري احتياجات هذه العملية أو تلك من الشاش وأبسط الأشياء، وحتى لا نظلم الحكومة في إنفاقها على المستشفيات بوادي حضرموت فإن مبالغ بعشرات الآلاف تخصص للنظافة وأضعافها للتغذية ونفقات أخرى، ولكن لا تبدو تلك المستشفيات بمظهر لائق في النظافة او التغذية الجيدة مقارنة مع ما يخصص مضافاً إليه مساهمات المجتمع، هذه المرة تستعرض «الأيام» نموذجاً آخر للمستشفيات وهي الخيرية فقد سبق وأن زرنا مستشفى بضه الخيري بدوعن واليوم نزور مستشفى صالح بابكر الخيري بمديرية وادي العين وحوره والواقع في منطقة يحتاج سكانها لهذه الخدمة، ويطل المستشفى على الخط العام وادي حضرموت - المكلا وفي الاسطر التالية نتعرف على مستوى أدائه وهدف إنشائه.

يقف المرء إجلالاً وإكباراً لرجال قدموا تبرعاتهم كصدقات جارية لأبناء وطنهم، ومنهم ذلك الرجل الذي انتقل الى رحمة الباري صالح بابكر الذي أنشأ مستشفى في منطقة بعيدة عن مدن حضرموت بل أوقف ذلك الصالح أوقافاً لهذه المنشأة حتى تستمر وتقدم خدماتها، لذا فلا غرابة أن تلهج الالسن وترتفع الاكف ترحماً ودعاءً له.

وصلت وكان الوقت ظهراً ومازالت ممرات العيادات تكتظ بالمترددين على غير العادة، ففي هذا اليوم يختتم مخيم جراحي للعيون امتد لشهر كامل وهو تقليد سنوي لمستشفى (صالح بابكر)، وما أثار ارتياحي هي النظافة والهدوء وتعاون الممرضين والأطباء مع المرتادين والمراجعين، وهو مؤشر على أن القائمين على العمل في هذا الموقع الصحي يقدسون المسؤولية ومهنتهم الانسانية وسبق لجهات مسؤولة وشخصيات رسمية وعامة أن أكدت ذلك، إذ سجل الاخ عبدالقادر علي هلال، محافظ حضرموت أثناء زيارته خلال هذا العام في سجل الزوار: «تشرفت بزيارة المجمع الخيري الصحي للشيخ الفاضل صالح بابكر وعلى نفقته، وقصدت من الزيارة تعبير قيادة المحافظة عن شكرها وتقديرها لخدمات المستشفى وغيره من الخدمات كإقامة المخميات الطبية وأثمن مشاركات فاعلي الخير في هذا الوادي والوديان الاخرى ونؤكد دعمنا لمثل هذه الاعمال الخيرة في القطاع الصحي، كما سررت كثيراً بمستوى النظافة والتشجير الجميل». كما قامت بعثة صندوق الأمم المتحدة للسكان ببلادنا بعدة زيارات آخرها في يوليو الماضي وسجلت البعثة: «سررنا بما وجدناه من إمكانيات في هذا المستشفى الخيري التي تخدم صحة أبناء هذه المنطقة ونؤكد التزامنا ومساهمتنا في دعم الصحة خصوصاً صحة الانجاب لهذه المنطقة».

< وعن الخدمات والتخصصات بالمستشفى والهدف من إنشائه يجيب مدير المستشفى، وهو طبيب من أبناء تريم التي تبعد أكثر من 100 كم عن المستشفى ويسكن بوادي العين ليباشر عمله ليلاً ونهاراً: «موقع المستشفى شكل عاملاً مساعداً ومهماً لتقديم خدمات صحية لغير ابناء المنطقة فهو يقع بين طريق المكلا سيئون إضافة الى تقديم خدماته لاكثر من 30 ألف نسمة وهم سكان المنطقة، وافتتح المستشفى عام 99م بحضور وزير الصحة الأسبق د. عبدالولي ناشر، ويضم تخصصات الباطنية والقلب، جراحة عامة، أطفال، نساء وولادة، أسنان وإلى جانب الأقسام مختبر طبي لكل الفحوصات، الأشعة السينية والتلفزيونية، غرفة عمليات مجهزة ومتكاملة بأحدث المعدات، غرف للوضع وللرعاية الصحية الأولية وقسم الطوارئ والمجارحة الأولية، وتتسع أقسام التراقيد لـ 45 سريراً وطبعاً يناوب المستشفى على مدى 24 ساعة. وعموماً فإنه أنشئ لتخفيف الاعباء على المواطن بتقديم خدمة طبية متميزة إذ يتم رصد كل الحالات الوافدة وأرشفة معاينتها وعلاجها الخ، ويدفع المريض رسوما رمزية لا تذكر، وهو ما تأكدتم أنتم منه، ويمكن القول انه تجرى عمليات كبرى من متخصصين واستشاريين عرب تصل كلفتها في الخارج الى 30 ألف دولار أجريت هنا بمبلغ رمزي وهو سبعة آلاف ريال يمني، ويتردد على عيادات المستشفى شهرياً حوالي 1500 مريض، ولأن العمليات التي تجرى كبيرة فذلك يعود للتجهيزات التي نمتلكها والخبرات، ومن بين العمليات التي أجريت بأعداد كثيرة عمليات المرارة والغدة الدرقية والجراحات الاخرى ناهيك عن عمليات جراحية تخصصية تتم أثناء إقامتنا للمخيمات». وعن المخيمات والانشطة الطبية يقول: «خلال عامنا هذا 2005م أقيمت مخيمات متنوعة، جراحة التجميل (وهو المخيم الخامس في هذا التخصص) أجريت فيه 54 عملية ومعاينة 300 حالة، الانف والاذن والحنجرة معاينة 1914 حالة و278 عملية، جراحة المسالك 500 حالة معاينة و85 عملية جراحية، كما تم استضافة استشاري امراض جلدية وتناسلية عاين وعالج 167 حالة وعاين وعالج استشاري امراض نفسية وعصبية 72 حالة وهذا اليوم (الاسبوع الماضي) يختتم المخيم الطبي الجراحي لأمراض العيون وهو المخيم الخامس ونقيمه كل عام وهذه المرة امتد شهراً كاملاً تمت معاينة 650 حالة وإجراء 210 عمليات جراحية». ونفذ مستشفى صالح بابكر قوافل طبية منذ يناير 2005م وحتى نوفمبر الى وادي عدم بمديرية ساه، ومديرية وادي عمد، السويري بتريم، والى غيل بن يمين والديس الشرقية بمديريات ساحل حضرموت وستنفذ خلال الشهر الجاري ديسمبر قافلة الى مديرية وادي رخية النائية. ويضيف د. طلال: «نقدم خدماتنا باشتراك عدد من الأطباء والطبيبات حيث نجول في الوديان والمناطق النائية في مديريات بعيدة نقدم العلاج المجاني والفحوصات، وذلك يخفف عناء تنقل المرضى من خارج المديرية التي يقع فيها مستشفانا، كما أود القول إن مستشفانا الخيرية ترعى وتدعم عددا من المشاريع الصحية منها مشروع مكافحة الملاريا بالمديرية وكفالة ذوي الامراض المزمنة وتشغيل وإدارة أربع وحدات صحية في وادي عدم.

عقب اجراء العملية الجراحية
عقب اجراء العملية الجراحية
انطباعات اخصائي وأهالي المرضى
لأن يوم زيارتنا هو آخر أيام المخيم الجراحي الطبي الخيري للعيون بمستشفى بابكر توجهنا الى قسم الترقيد الذي خصص لجراحات العيون التي أجراها د. عبدالمنجي السيد، أستاذ بكلية طب جامعة الازهر بمصر واستشاري امراض عيون ومستشار جراحة العيون للأطفال بالهيئة العامة للتأمين الصحي بالقاهرة، والذي يأتي كل عام الى هذه المستشفى لمعاينة وجراحة امراض العيون، وسألناه مباشرة عن إذا ما هناك حالات كثيرة في أمراض العيون بهذه المنطقة فأجاب: «أمراض العيون الشائعة هي ذاتها سواء هنا أو عموم اليمن أو مصر كالمياه البيضاء والزرقاء بل لاحظت أن هناك حالات مياه زرقاء في أطفال صغار حالة أو أثنتين لاطفال في عمر ثلاثة أشهر والحمد لله استطعنا علاجها». وقاطعته: هل أيضاً لحالات الكبار لمرض (مياه العيون) الشائع أسباباً خاصة؟ قال: «أمراض العيون منها ما هو وراثي ينتشر بين العائلات المتزاوجة مع بعضها ولاحظت ذلك هنا كثيراً». ولأن جراحة العيون في هذا المخيم وصلت الى 210 عملية ومعاينة 650 حالة مرضية اشترك فيها الى جانب الاخصائي المصري طبيبان يمنيان للحصول على مهارات اكثر، سألت د. عبدالمنجي عن الأسباب مرة أخرى حول كثرة أمراض العيون خصوصاً وأن البنية وقوة البصر وعوامل أخرى لا تتناسب والحالات خلال شهر.. فأجاب: «خلال العمل اتضح لي أن الإهمال من الإنسان المريض لا يتحمله وحده فقط بل إن المصابين بأمراض العيون يأتون وهم على حالتين: إهمال نتيجة عدم توفر الرعاية الصحية الشاملة والمطلوبة للعيون في مختلف المناطق، ثانيها هو وصول المريض بعد تفاقم الحالة وتأكيدي انه لا يوجد مريض لا يعالج نفسه ولكن أكيد أن الحالة المادية جعلته لا يتحرك فينتظر هذه المخيمات والتي هي تجربة تنفذ عندكم بكل ما تحمله الأخلاق الحميدة والانسانية لفاعلي الخير بهذه المنطقة». وعن انطباعاته ونوعية العمليات الجراحية للعيون يجيب: «ربما لا تصدق إذا قلت لك أني لم أر مضاعفات حصلت عقب اجراء العمليات، وهذه تفسيرها من عند ربنا، أنا أجريت عمليات جراحية في مصر واليمن وعدة بلدان منذ 1986م، ونضع نسبة معينة لمضاعفات طبيعية بالنسبة لنا كأطباء، إلا أن في المخيمات التي اجريت فيها عمليات ولله الحمد لم تحصل أدنى مضاعفات، ربما تفسيرها النيات والنوايا وكذا المرضى أحس معهم هنا بألفة غير عادية ويغمرهم الرضا والقناعة ولا يأتون مرتبكين بل يساعدونك بهدوئهم وامتثالهم وإيمانهم بالله أولاً وبأنفسهم وبك كطبيب، وهذه يمتاز بها مرضاي هنا، علاوة على الامكانات الموجودة هنا: د.طلال والطاقم كله يوفر كل الاحتياجات الخاصة بجراحة العيون من غرفة عمليات متكاملة وطواقم فنية وتنظيم وحسن إدارة، والمريض أيضاً يعي تماماً كيف يتعامل مع الطبيب وهذا أمر حسن ملفت للنظر، وبصفتي شقيق عربي لكم أشكر القائمين على هذا العمل الخيري وأسأل الله أن يضع ذلك في ميزان حسناتهم، فذلك عمل انساني جبار مازالت المنطقة هنا تتبعه. وخلال شهر كامل أجريت كافة عمليات العيون لأنه كما ذكرت بأن المستشفى مجهز بكل متطلبات طب العيون، من بين العمليات عمليات حول 35 واورام عيون 7 حالات من بينها ثلاث مشكوك فيها بأنها ورم خبيث، عمليات كيس دمعي (9)، تصليح جفن أو المعروف بسقوط جفن (6)، حالات مياه بيضاء 126 عملية، عمليات ماء ازرق 8 حالات لأطفال وغيرها من انواع العمليات التي وصلت عموماً الى اكثر من 200 عملية حتى قبل مجيئك بساعات».

< وفي قسم الترقيد التقينا المواطن محمد سالم عبود الزغبي (25 سنة) من وادي حضرموت اجريت له عملية، وبجانبه والده وعمه، فقالوا إنهم رغبوا في اجراء عملية لأبنهم لو أن الحالة المادية تسمح، ولو أنهم اجروها في الخارج او مستشفى آخر ستكون أكثر كلفة. أما خالد عمر بن صادق العوبثاني الذي قدم من عدم بمديرية ساه فيقول: ابنتي أجرت عملية وكنت أفكر قبل ذلك بعلاجها رغم الكلفة التي سوف أتحملها وستكون باهظة، وعندما سمعت عن المخيم المجاني جئت والحمد لله اجرينا للبنت العملية وكانت كلفتها رمزية ولا تشكل حتى 4% من قيمة العملية في مستشفى خاص او حتى عام. ومن رأس حويرة الهضبة الفاصلة بين المكلا والوادي قال المواطن سالم بخيت باسلوم الذي يرافق والده البالغ من العمر 68 سنة بعد أن اجرى له عملية: أعتقد أنه في أي مكان لا توجد كلفة أقل من خمس المخاسير لأي عملية إلا هنا فهي أقل وافضل خدمة واهتماما، مع طبيب جراح مشهود له.

الكل ممن سألناهم او الذين أفادونا يتمنون استمرار وتوسعة مثل هذه المخيمات لتخفيف الاعباء عن المواطن .. وقبل أن نغادر المستشفى كانت الكلمة الاخيرة لمدير المستشفى: «أشكر «الأيام» كثيراً لتجشمها العناء لتتابع بنفسها هذه التجربة الصحية العميقة انسانياً، وأنتهز الفرصة لأتقدم بالشكر الى د. حسين الحداد مدير عام مكتب الصحة والسكان بالوادي والصحراء على تعاونه الدائم، ولا أنسى أن أشكر الاخ عبدالله بن هاشم، مدير مكتب الصحة بحريضة الذي لا يتأخر في تقديم المساعدات التي تسهم في نجاح عملنا، وكذا الاخ سالم بن مخاشن، مدير مكتب الصحة بمديرية وادي العين وحورة وكل العاملين بالمستشفى الذين هم اساس نجاح العمل الصحي هنا وأما القائمون على هذا العمل الخيري العظيم فنسأل ان يجازيهم بالاحسان احساناً وان يبارك لهم في اموالهم ويجزيهم ووالديهم جنات تجري من تحتها الانهار».

ونحن نقول: إن الأعمال التي يقدمها اهل الاحسان دون ضجيج أو ابتغاء غاية سوى محبة الناس ورسم البسمات على شفاه المحاجين ابتغاء مرضاة الرحمن، تستحق منا الوقوف أمامها احتراماً، متأكدين بأن نبع الخير لا ينضب وان إذ يغذيه رجال يعرفون قيمة الانسانية والتكافل وهكذا هي حضرموت تعج بأمثال هؤلاء .

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى