قراءة في مبادرة المشترك وغياب المسألة الجنوبية

> «الأيام» د. فضل الربيعي:

> حرصت أحزاب اللقاء في توجيه الدعوة التي ذيل بها مشروعهم الموسوم بالإصلاح السياسي الشامل، على دعوة والمؤسسات والأفراد لمناقشة ذلك وبلورة وعي عام باتجاه الإصلاح المنشود، لا سيما وأن مثل هذه المشاريع الاستراتيجية، ذات الطابع المجتمعي تستدعي الجميع لمناقشتها، إذا يبدو أن هذه المبادرة قد أحدثت جدلاً واسعاً ليس لأهميتها، ولكن لقيمة وأهمية الفكرة التي تتعلق بالإصلاح السياسي والتوقيت الذي حدد لإعلانها والطريقة التي صيغت بها.

لقد جاءت ردود الأفعال الأولية بصيغ مختلفة سواء تلك التصريحات التي عبر عنها البعض من القيادات السياسية في الحزب الحاكم أو من الأحزاب المعارضة نفسها وغيرهم الذين يرون أن لا ناقة ولا جمل لهم فيها.

ومن قراءتي السريعة لهذه المبادرة يمكن القول انها أشبه من حيث الاخراج بوثيقة العهد والاتفاق التي اعلنت في زمن احتدام الصراع بين صانعي الوحدة السلمية في 22 مايو 1990م. إلا أن ثمة اختلافات كبيرة بين هذه وتلك، وهي اختلافات بين الأمس واليوم، وإن كانت مبادرة المشترك لم تعبر عنه في المخارج التي جاءت بها، في حين كانت وثيقة العهد والاتفاق قد كسبت إجماعا كبيرا وشاركت في إعدادها جميع القوى السياسية في الساحة اليمنية في (السلطة والمعارضة) ووقع عليها أمام مرأى ومسمع العالم. فقد كانت أكثر بعداً في معالجة الأزمة من منظار كلي، مع ذلك تسارعت الأحداث حينها وحالت دون تحيق الوثيقة، بل يمكن القول أنها عجلت من نشوب الحرب، واختفت وثيقة العهد والسلم وفرضت وثيقة الحرب والقوة.

إنني اتفهم لكل تلك الرؤى التي جاءت بها المبادرة وبنفس الوقت اتفهم لتلك الآراء والتصريحات التي تجاذبت هذه المبادرة كما عبرت عنها بعض التصريحات كتصريح المعارض السياسي عبدالله سلام الحكيمي، والدكتور محمد حيدرة مسدوس ، وحسن أحمد باعوم والذي اتفق ما ذهبوا إليه في جوهر تصريحاتهم تلك، أما تصريحات السلطانين البركاني والعتواني فهي لا تعنينا، وتندرج ضمن اللعبة السياسية التي اعتاد عليها اليمنيون مهما ظهر التباين الواضح بينهم.

يمكن القول من الناحية السياسية إن أحزاب المشترك كانت موفقة إلى حد ما في التوقيت الذي اختير في إطلاق هذه المبادرة بوصفها محاولة منهم بالتذكير بتواجدهم كأطراف في العملية السياسية، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى أنها محاولة استباقية لما قد يأتي به مؤتمر الحزب الحاكم بعد أيام قلائل وخصوصاً بعد تصريحات الأخ الرئيس علي عبدالله صالح الذي أشار إلى ضرورة الإصلاحات الجدية بعد عودته من زيارته الأخيرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول المانحة.

إن هذه المبادرة التي تندرج ضمن محاولات كثيرة تتسابق إلى خلف كوابح وعراقيل أمام ظهور مبادرات جديدة تلوح في الافق كما عبرت عنها بعض الاطروحات الجريئة والواقعية والمنطلقية النابعة من الفهم العميق للاستحقاقات التاريخية والحضارية والاجتماعية في معالجة جذور الأزمة في اليمن بعامة.

ورغم أهمية هذه المبادرة نلاحظ أنها تحمل رؤى قديمة بأساليب جديدة - مبادرة بأثر رجعي - قد لا تقدم ولا تؤخر وتصبح كسابقتها، فهي أشبه ما تكون تعالج الوضع في الجمهورية العربية اليمنية قبل الوحدة وحرب 1994م، فالمتتبع لكل مفرداتها يجد أنها تحمل في طياتها منطق الفكر الشمولي الاستحواذي والانتقائية في نفس الوقت.

إن ملاحظتنا هذه لا تنتقص من أهمية ما جاءت به المبادرة من أفكار ورؤى حول الإصلاح السياسي، ولكن سوف نناقش هذا المشروع من زاوية انتقاصها للقضية المركزية المتعلقة بإصلاح الوحدة اليمنية.

نعم إن المجتمع يمر في أوضاع غاية في التدهور، لكن هل ممكن أن تكون المبادرة بصيغتها تلك المنقذ لكل المشكلات في اليمن؟ إن الإجابة على ذلك تحتاج إلى عمل واسع وعميق مبني على الاعتراف بمعطيات الواقع كما هو، وليس كما نصوره في أذهاننا.

وقد حملت المبادرة جملة من الرؤى التحذيرية المشخصة للواقع ووضعت التصورات لمعالجتها، إلا أنها لم تنفذ في ثناياها إلى التحليل المعمق لخلفية الجذور الثقافية والاجتماعية والاقتصادية المسببة لتكرار الأزمات.

إن المشكلة لا تتمثل في غياب القوانين أو تركز السلطة في النظام الرئاسي وغياب النظام البرلماني كما صورته المبادرة. إن المسألة تتعلق ببنية المجتمع الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، وكنت أتوقع أن تركز المبادرة على إصلاح النظام التعليمي بوصفة المدخل الحقيقي لأي إصلاحات في أي مجتمع. والذي تبنى عليه ثقافة ووعي جديدين قادرين على الخروج من دوامة الأزمات.

كما أغفلت المبادرة مسألة تعزيز الوحدة، أي بأكثر دقة: المسألة الجنوبية، بتعمد ربما وهي الأبرز في الترشيح للتصاعد .

فالملاحظ هنا إن اغلب احزاب المشترك أو المشاركين في إعداد هذا المشروع قد غلبت عليهم انتماءاتهم المناطقية أكثر من الانتماء السياسي للوطن كما تدعيه هذه الأحزاب، إذ أن أكثر المقترحات في إصلاح النظام السياسي كما عبرت عنها المبادرة، قد ركزت بشكل كبير على العملية الانتخابية وإيجاد النظام البرلماني الذي يستقيم عليه نظام الحكم المنشود، كالانتخابات للهيئات المختلفة التشريعية والرقابية والتنفيذية، مثل انتخاب الرئيس وانتخاب مجلس النواب الشورى ومجلس القضاء الأعلى، وذلك عن طريق الانتخابات المباشرة التي تستند على الأغلبية العددية والدائرة الواحدة والقائمة النسبية، وأسندت إلى المجالس المنتخبة كل ما يتعلق بالتعيينات والتوظيف والترقيات و...إلخ.

قد يصلح ذلك لو كنا في مجتمع قد وصل إلى مستوى عال من التطور العلمي والثقافي والازدهار الاقتصادي والانصهار الاجتماعي في بوتقة دولة المؤسسات والمجتمع الواحد، ولكن الحقيقة خلاف ذلك أننا في مجتمع متخلف عشائري سلفي، طائفي، قبلي، شطري، تمثل فيه الأمية والفقر النسبة الغالبة من السكان.

لقد ركز المشروع على الوضع الخاص على المحافظات الشمالية، وهذا ليس خطأ بل الخطأ عندما يتحدثون عن عمل أو مشاريع وطنية ويتعمدون إغفال القضايا التي يعيشها أبناء الجنوب اليوم، وهم جزء من هذا الوطن، كشعورهم بالضيم والحرمان والتهميش والخوف على مستقبل أبنائهم، كان ينبغي البحث في هذه المعاناة واظهارها في مشروعهم الوطني إذ أن مسألة الديمقراطية والانتخابات بهذه الصورة ستزيد الجنوبيين معاناة عما هم فيه اليوم وخوفهم من المستقبل في ظل بنية المجتمع وثقافته الحالية.

إننا في مجتمع تقليدي تعتمد ثقافته على العصبية والخلفية التقليدية وعُقد الماضي أكثر من انشغاله بقضايا مستقبله، أن من يعتقد أنه سيعالج الأزمات عبر الغلبة العددية من بوابات الانتخابات في مجتمع معقد في تركيبة الاجتماعي فهو واهم.

إن جوهر العملية الانتخابية هو إشراك المجتمع في الحكم، وعلينا أن نوجد نظاما انتخابيا يضمن إشراك الجميع لا يقوم على الغلبة العددية. فهناك استحقاقات صحيحة تتطلب العمل الانتخابي كمدخل يستدعي وجود نظام انتخابي ديمقراطي ليس على قاعدة الانتخابات المشار إليها في هذا المشروع باعتماد الدائرة الواحدة والقائمة النسبية.

لقد كشف القناع عن موقف هذه الاحزاب من المسألة الجنوبية إنه مشروع مشترك حقاً بين مكونات الشمال لا يعني الجنوب بمكوناته الاجتماعية ومشكلاته شيئاً.. ودعوني هنا أشير إلى بعض من تلك الفقرات الذي أتى بها مشروع المشترك.

ذكر المشروع إزالة الآثار السلبية لحرب 1994 وهذا يعني أن هناك آثارا إيجابية فما هي الآثار الإيجابية للحرب ؟ وهل للحروب الأهلية آثار إيجابية؟ فإذا كانت كذلك فإني اعتقد أن المقصود بها هي تلك المنافع الشخصية والجماعية التي جناها البعض من فيد وتفيد، واستحوذ عليها المنتصرون في الحرب على حساب المهزومين (الجنوب) اليس كذلك يا ساسة المشترك؟

أما الآثار السلبية التي ذكرت فلم توضح ما هي، اليس من الاجدر ذكر الآثار السلبية ووضع التصورات لمعالجتها. حيث مر الجنوب خلال الخمسة عشر عاما الماضية في وضع غير طبيعي إذا شرد الكثير من أبنائه من وظائفهم العملية واقصوا من المواقع القيادية والمشاركة الفعلية في الحكم وبالتالي فإن هذه الأوضاع قد انعكست سلباً على جملة نشاطهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي لم يساعدهم على قيام المنظمات السياسية والمدنية التي يمكن أن تلعب دوراً في الحياة السياسية والاجتماعية اليوم كما جرى في الشمال، الذي أصبح في وضع أفضل مما كان عليه قبل قيام الوحدة من كل النواحي. ومع ذلك ذهبت المبادرة (المشروع) لمعالجة تلك الأوضاع القديمة في الشمال باستعادة مفاهيم اليوم ولم يكن التحليل الانتقائي هذا إلا معبراً عن ذلك، إذ يمكن القول إنها محاولة لعودة معارضة ما قبل الوحدة لنظام صنعاء بقالب نظري جديد وجميل يقتنص فرص اليوم.

لقد أثبتت تجارب السنوات الماضية هشاشة المعارضة السياسية التي لم تستطع التقدم في مشاريعها وجذب المجتمع معها، بل عاشت في صراعات داخلية مبنية على خلفيات الماضي العصبية والعقائدية، وبالتالي لم تستطع أن تشكل ضغطا على السلطة التي كانت دائماً طرفاً في تشكيل هذه المعارضة، الأمر الذي لم تكن قادرة معه على بلورة وعي وطني حقيقي ومتقدم.

يشير المشروع إلى إعطاء مكانة أكبر لنشاط الأحزاب السياسية القائمة، وإذا ما عدنا إلى ذلك سوف نجد أن قانون الأحزاب كان قد منع قيام الأحزاب على الجنوبيين في حين سمح للشماليين وفقاً للنص القانوني الذي حدده القانون حينما اشترط أن يكون أعضاء الحزب من عشر محافظات على الأقل، في الوقت الذي يتكون الجنوب من ست محافظات فقط والشمال يتكون من ثلاث عشرة محافظة، بمعنى آخر يستطيع الشماليون تكوين أحزاب سياسية وفقاً لهذا القانون ولا يستطيع الجنوبيون القيام بذلك، أليس ظلماً؟ كما أن مشروع الإصلاحات الذي تقدم به المشترك لا يدعو إلى إلغاء قانون الاحزاب كما دعا إلى ذلك في قوانين مختلفة بل يطالب بتعديل القانون.

أعطى المشروع مجالا واسعا للمشاركة السياسية للأحزاب القائمة في عملية تشكيل اللجان الانتخابية والإشرافية، التي هي في مصلحة الشمال، وفي مراجعة سريعة لهذه الاحزاب نجد الهيمنة الممنهجة عليها من قبل قيادات تنتمي إلى طرف واحد في المجتمع مغيبة الجنوب وشمال الشمال ايضاً.

يشير المشروع في المجال الاقتصادي إلى مشاركة القطاع الخاص في عملية التنمية والتعامل مع المنظمات المانحة، وبالرجوع إلى مكونات المؤسسات التجارية الفاعلة في المجتمع نجدها شمالية ومن طرف واحد حيث تمكنت من النفاذ في المجتمع بحكم دعمها للحرب 1994 وحصولها على الكثير من الامتيازات في الوقت الذي تم فيه بعد الحرب محاصرة المؤسسات التجارية وأصحاب رؤوس الأموال في الجنوب، ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر تلك الضغوطات التي تعرض لها أهل الزبيدي عند محاولة انتزاع إحدى الوكالات التجارية منهم.

إن المنظمات الصحافية والإعلامية ومؤسسات المجتمع المدني الذي يسعى المشروع إلى تفعيلها وإعطائها مجالاً أوسع في الحراك الاجتماعي والسياسي والثقافي كانت قد هيأته من طرف واحد خلال السنوات الماضية، كما أن مسألة إلغاء السجون الخاصة وأحداث 78م هي قضايا شمالية لا دخل للجنوب فيها.

أما قضايا الجنوب فهي ليست قضايا تتعلق بالعملية الديمقراطية أو النظام البرلماني أو الرئاسي، فأولويات الجنوب تختلف عن الاولويات في الشمال، إنها قضايا حياتية وحقوقية مطلوب معالجتها وإعطاؤها الأولية في المشروع بعيداً عن المكابرة والإلغاء والتجاهل الذي يأخذ أشكالاً عدة.

وهناك فقرات عديدة أشار إليها المشروع مثل محاربة الطائفية والسلالية أو القبلية، ولم يشر إلى التفكير الذي يستخدم ضد أبناء الجنوب كما عبر ت عنه وثيقة شن الحرب وهي الفتوى الرسمية التي أعلنت اثناء حرب 94م واستهدفت ابناء الجنوب وبناءً عليها تم سلب ونهب ثروات الجنوبيين وللأسف لم يشر إليها في مشروع وطني كهذا حسب زعمهم.

أما العبارات التي ترددت في المشروع والمحددة بمحاربة وإيقاف الممارسات الضارة بالوحدة فإن المقصود بها هي المعارضة الجنوبية في الخارج أليس كذلك؟

إنني على يقين وكل الشواهد تؤكد ذلك ، أن كل الجنوبيين مخلصو صادقون للوحدة ولن نتخلى عنها أبداً والقيادة السياسية تعرف ذلك، وأن الانفصاليين هم أولئك المنافقون والمحتالون وأصحاب الفتن ما ظهر منها وما بطن والاستحواذيون على حق الغير.

اننا بحاجة إلى حوار وطني جدي وحقيق لبلورة فكر إصلاحي وطني يعترف بمكونات المجتمع واستحقاقاته وضمنها القضية الجنوبية والشمالية الشمالية من خلال الدعوة إلى مؤتمر للحوار الوطني يمتد إلى خارج التشيكلات الحزبية يشمل التكوينات الاجتماعية الأكبر والسلطة ومؤسسات المجتمع المدني وقوى المعارضة في الداخل والخارج، بزعامة الرئيس علي عبدالله صالح والحزب الحاكم .. وكفى دجلاً وخداعاً وتضليلاً للمجتمع.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى