عندما حرس اليمنيون أضخم ثروة مجوهرات فردية في العالم

> «الأيام» فاروق لقمان:

>
فاروق لقمان
فاروق لقمان
بينما كان اليمنيون يشكلون درعاً واقياً في الحرس الملكي والقوات المسلحة لنظام -حاكم- حيدر أباد الهندية من بداية القرن التاسع عشر إلى نهاية الاستعمار البريطاني في شبه القارة عام 1947م، كان ملوك حيدر أباد يجمعون ويمتلكون أكبر ثروة مجوهرات لأسرة أو لفرد ربما في العالم أجمع.

وقد تحدثت في مقال سابق عن النظام عثمان علي خان وقواته المؤلفة من الحضارم والعوالق واليافعيين وكلهم من اليمن الجنوبية آنذاك التي كانت خاضعة مثل حيدر أباد للاستعمار البريطاني المباشر عندنا أو الهيمنة السياسية في حيدر أباد.

ولمدة ستين عاماً من 1947م ظلت المجوهرات بعدما ضاعت أجزاء منها أو بالأصح نهبها الضباط السياسيون حبيسة صناديق حديدية في دهاليز بنك هندي كنت أمر بجانبه دائماً لأنه يقع في طريقي من وإلى الكلية في ممباي.

تشكل الثروة، التي كان يخزنها النظام في صناديق حديدية على شاحنات ، ملحمة موثقة في التاريخ الهندي منها أنه كان يستخدم الماسة بحجم الليمون لوضعها على أوراق مكتبه لمنعها من التبعثر تحت تأثير هواء المروحة.

وأوجز الملحمة فيما يلي بعد أن قرأت كل ما كتب عنها تقريباً بالإنكليزية إلى أن كادت تنتهي في منزل أحد تجار دبي بالإمارات العربية المتحدة كما سترى ثم القرار الهندي الشعبي والرسمي بشأنها.

قالوا عنها عام 1947م إنها أغلى مجموعة مجوهرات يملكها فرد ويتمتع بكامل الحق في التصرف بها، أي أنها ليست ملكاً للدولة أو لمؤسسة بل لشخص واحد فقط.

ثم قرأت كتاباً للصحفي الهندي المعروف روسى كرانجيا عن النظام والتقيت فيما بعد بالمؤلف الذي وصف لي جانباً من المجوهرات التي شاهدها أو سمح له النظام بمشاهدتها في المخازن.

قال إن اثنين من الخبراء أصيبا بدوار حقيقي وهما يتفحصان المجموعة لأن بعض الوحدات كانت من الوزن والجودة والندرة ما لم يخطر ببالهما وكانا يعتقدان أن مثل تلك القطع قد تلاشت من مخازن ومتاحف العالم منذ مئات السنين.

وتدخلت الحكومة الهندية- لا لمصادرة المجوهرات، فقد كان ذلك من حق الورثة وليس هناك في القانون العام ما يقضي بالمصادرة أو التأميم كما حدث في الدول العربية الموقرة التي اعتمد حكامها النظام الماركسي أو ما هو أبشع منه، بل لتقدير حصة مصلحة الضرائب من أثمانها. وانتدبت الخبراء لتلك المهمة في بداية الخمسينيات بعد أن وضعت المجوهرات في عدة صناديق حديدية في خزائن البنك المشار إليه.

ضمت الثروة عقوداً من الألماس النادر بعضها زنة كيلوجرام مع اللآلئ ودعمت بزمردات بحجم بيض الحمام وغيرها من الأحجار الكريمة التي تداولها ملوك المغول عندما دخلوا الهند وحكموها في القرن الخامس عشر الميلادي وأتوا بها معهم من الصين وآسيا الوسطى وأوروبا وبعضها حمله التجار من بغداد ودمشق وأطراف الدنيا حتى وصل جزء منها إلى النظام بالوراثة. ولما كان حريصاً على جمع المال والحلي امتنع عن التصرف بها بل حافظ عليها حتى توفي.

إلا أن المثمنين الذين انتدبتهم الحكومة فشلوا تقريباً في مهمتهم، لا جهلاً بأصول المهنة، بل انهزاماً أمام هول وجسامة المسؤولية. كيف تقدر عقداً من الألماس النادر الذي لا يوجد له مثيل في العالم. كيف تقدر قيمة عقود اللآلئ الصافية بالآلاف وبأحجام تتفاوت بين الفستق والبيض؟ وماذا تقول في قيمة المجموعة كلها؟ ملايين الدولارات؟ قد لا يكفي ذلك المبلغ لملء الكفين من الثروة الموجودة وسخرية لاذعة بالعبقرية الساكنة في صناديق حديد في قاع بنك هندي.

قالوا إن ألف مليون دولار قد تغطي قيمة ذلك المجد المتلألئ. طيب ماذا سيفعل الورثة في الهند بألف مليون دولار تساوي عشرة مليار روبية حالياً؟

قررت الحكومة أن تضم المجوهرات إلى متحف خاص في العاصمة بعد أن اقتنعت بأن الكنوز لا تقدر بثمن مهما كان، وأن وضعها في المتحف ليشاهدها الناس اليوم وغداً وإلى قرون مقبلة هو الصواب بعينه كما حدث لمجوهرات بعض الدول الأخرى، البريطانية مثلاً. ولما كان النظام حريصاً ومقتراً للغاية حقق المقولة الشهيرة بأنه عاش فقيراً ليموت غنياً.

وعندما أعلنت الحكومة الهندية عام 1979م عن نيتها بيع جزء بسيط من المجوهرات تقدم التاجر العربي (جلداري) من دبي بالإمارات العربية المتحدة لشرائها كلها . ولما طالبته نيودلهي بدفع ضمان مالي لإثبات جديته، فتح لصالحها اعتماداً بمبلغ عشرة ملايين دولار مقدماً على أن يدفع الباقي إذا رسا عليه المزاد لبيع مجوهرات الرجل الذي كان يحكم، بل يملك ولاية تفوق مساحة بريطانيا التي كانت تحكم الهند بأسرها بما فيها حيدر أباد آنذاك.

ولو أفلحت الصفقة وأثمرت امتلاك (جلداري) لأثرى بها دبي ثراء كبيراً على افتراض أنه كان ينوي وضعها في الإمارة في مكان عام ليجتذب إليها الأنظار والزوار من كل صوب وجدب.

إلا أن الرأي العام الهندي عن طريق صحافته وبرلمانه عارض مجرد فكرة بيع حتى قطعة واحدة من ثروة النظام التي كانت حديث العالم.

ويجرني الحديث عن مجوهرات النظام التي شاهدت صوراً لبعضها إلى الثروة الطائلة التي كان يمتلكها مهرجات الهند الذين كانوا من أغنى أغنياء العالم في عصرهم الذي انتهى باستقلال الهند وباكستان عام 1947م.

وإذا كانت التقديرات اليوم تعتبر كل من امتلك ألف مليون دولار من نقد وأسهم وسندات وعقارات من أعضاء النادي فإن مهراجات الهند كانوا يمتلكون بأسعار اليوم أضعاف ما يملكه عضو نادي الأغنياء ربما بعدة مراحل من ألوف الأفدنة والقصور الفخمة والعربات من أغلى الأنواع- رولزرويس خصوصاً- وفي خدمتهم آلاف الخدم والحشم، ولديهم أكوام من اللآلئ والمجوهرات والألماس ومن الذهب الخالص ما لا يعرف صاحبها حقيقة وزنها ومواقع خزائنها حتى أن بعضهم كان يتربع عرشه وهو عار من القمصان والجاكتات المسماة «شرواني» مغطياً صدره بعقود اللآلئ الفاخرة التي تتدلى حتى بداية خصره. والكتب العديدة بصورها تثبت ذلك.

أين ذهبت لؤلؤة كانت بحجم بيضة الدجاج، وعقود الألماس كانت بطول ضفائر شعور أجمل البنات وأكداس من اللآلئ الخليجية يملأون بها صحاف الرز الذهبية؟ سرقت وبيعت وهربت إلى لندن ولم يبق منها اليوم إلا القليل.

وبعد ستين عاماً من الاستقلال منحت محكمة هندية عليا منذ أسابيع مبلغاً قدره 740 مليون روبية أو عشرين مليون دولار- كانت يوماً ما لا تغطي تكاليف عرس -لابنه المكرم جاه عثمان ومبالغ أخرى متفاوتة لكافة الورثة وقد تكاثروا حتى باتوا يعدون بالمئات. واحتفظت بالثروة كما تفعل بتاج محل وكما تفعل مصر بالأهرام وعدن بالصهاريج وإيطاليا ببرج بيزا.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى