أيــام الأيــام..حاتم الطائي والنابغة الذبياني في اسقاط سنغافوري

> نجيب محمد يابلي:

>
نجيب محمد يابلي
نجيب محمد يابلي
حاتم الطائي، كما جاء في تراثنا العربي قبل الإسلام، أحد المتميزين بالجود والكرم، وأصبح مضرب الأمثال على مر العصور في تلك المزية، وهو في هذا الموضوع مجازاً الشيخ أحمد فريد الصريمة، الذي اتسع كرمه ليتحمل من حر ماله دفع الرسوم الجامعية للطالب المتفوق (ذويزن محمد علي عثمان) في إحدى الجامعات البريطانية المشهورة، وجاء ذكر ذي يزن هنا مجازاً النابغة الذبياني، أحد فحول الشعراء قبل الإسلام، وقالت العرب: أشعر الشعراء امرؤ القيس اذا ركب وعنترة إذا غضب والأعشى إذا طرب والنابغة إذا رهب، أي أن النابغة أشعر الشعراء في الاعتذاريات.

تابعت كل ما نشرته «الأيام» من تفاعل الأطراف المعنية بموضوع النابغة الذبياني، مجازاً، وسرني كثيراً تفاعل الأوساط الإجتماعية في محافظة عدن، على وجه الخصوص، لأن القضية أصبحت قضية رأي عام، وأن الصندوق الخاص بالطلاب المتفوقين الذي سيرفده الشيخ الصريمة بمليون دولار ليصبح(صندوق المليار دولار) أعطى حافزاً وأملاً لكل متفوق أن زمن الحرب على المتفوقين من المناطق المهمشة قد ولى وإلى غير رجعة، بإذنه تعالى، لأنه الحق، والحق منتصر حتماً على الباطل.

ما أن فرغت من قراءة رسالة والد النابغة الذبياني الموجهة لحاتم الطائي. التي نشرتها «الأيام» يوم الأحد، الموافق 18 ديسمبر 2005م وأحزنني تشبيه والد النابعة لحاتم بأنه الملاك الذي قيضه الله لهم وهبط عليهم ليبلغهم:{لا تهنوا ولا تحزنوا فأنتم الأعلون}، إلا وشاءت إرادة المولى عزوجل أن تمتد أصابعي إلى أحد أعداد مجلة «العربي» الكويتية وهو العدد (366) الصادر في مايو، 1989، ووقعت عيني على استطلاع عن جزيرة سنغافورة، أجراه سليمان وزميله المصور سليمان حيدر.

شدني في استطلاع «العربي» عن سنغافورة، لأنه تمثل النموذج المغاير تماماً لليمن، فمن حيث المساحة تساوي مساحة اليمن (555 ألف كيلو متر مربع) (893) ضعفاً من مساحة سنغافورة (619 كيلومتراً مربعاً) ولتبسيط مساحة سنغافورة: مساحة المنطقة الحرة بعدن مضروب في (2) ولمزيد من التبسيط: مساحة المنطقة الحرة بعدن =(32) ألف هكتار، ومساحة سنغافورة = (61) ألفاً و(900) هكتار، أما عدد السكان فهو لصالح اليمن بخمسة أضعاف، حيث يبلغ سكان اليمن (19,4) مليون نسمة، فيما يبلغ عدد سكان سنغافورة (2،4) مليون نسمة.

أخذت اليمن حقها في المساحة والسكان أضعافاً مضاعفة، إلا أن الجزيرة الصغيرة سنغافورة تفوقت أضعافاً مضاعفة على اليمن في كل المؤشرات الدولية: مؤشر الاستدامة البيئية ومؤشر التنمية البشرية ومؤشر الشفافية ومؤشر التنافسية العالمي ومؤشر الحرية الاقتصادية ومؤشرات الإدارة الرشيدة 2004م وهي ستة مؤشرات: مؤشر المشاركة السياسية والمساءلة ومؤشر الاستقرار السياسي ومؤشر فعالية الحكومة ومؤشر البيئة الإجرائية ومؤشر سيادة القانون ومؤشر محاربة الفساد، فاحتلت سنغافورة مرتبة متقدمة جداً، وعلى الضفة الأخرى احتلت اليمن مكانها في ذيل القائمة.

احتلت سنغافورة المرتبة (16) في قائمة أكبر (30) دولة مصدرة في العالم في تجارة السلع (عام 2004م) وبلغت قيمة صادراتها (179.5) مليار دولار واحتلت المرتبة (19) في قائمة أكبر (30) دولة مصدرة في العالم في تجارة الخدمات (عام 2004م) وبلغت قيمة صادراتها (36.6) مليار دولار، وهناك مؤشر آخر وهو أن احتياط النقد الأجنبي في اليمن يزيد أو يقل قليلاً عن (5) مليار دولار في حين بلغ احتياط سنغافورة من النقد الأجنبي في أكتوبر، 2005 حوالي (115) مليار دولار أمريكي (راجع «الايكونوميست» البريطانية - 19 نوفمبر، 2005م).

البون شاسع بين سنغافورة واليمن ويكشف استطلاع «العربي» سر ذلك البون، وافتتح الاستطلاع بهذه العبارة: (أنظف مدينة في العالم) وتلتها عبارة أخرى (هنا نستطيع أن نتنفس بعمق) وهنا يبرز مؤشر التخطيط الحضري والنظام المؤسسي والشعب الحضاري.

أظهر الاستطلاع جزيرة سنتوزا، الابنة البكر لسنغافورة، حيث كان يعيش في وديانها وعلى سفوحها مئات القراصنة والمهربين وتحولت إلى أجمل حديقة في العالم ولم يعد في غاباتها نمور ولا قرود، بل بشر متعلم مهذب وفاعل.

يبرز الاستطلاع أن في كل مكان تتناثر الملاعب الرياضية للكبار والصغار، بما فيها ملابس التنس والجولف وأحواض السباحة والسباقات المائية والتزلح ومنتجعات الاستجمام على شاطئ البحر وهو مؤشر على أن الأرض للانسان وليس للتجارة والسمسرة.

يبرز الاستطلاع الاندماج الاجتماعي بين السكان من مختلف الأعراق والألوان والمذاهب، فهناك الصينيون والملاويون والتاميليون والبنجابيون والسيخ والأوربيون والعرب واليمنيون والعمانيون، وتتجلى صورة المواطنة المثلى في أن مرافقة البعثة الكويتية من ألمانيا الاتحادية جاءت إلى سنغافورة عام 1974م وعشقتها وعزفت عن العودة إلى وطنها واكتسبت الجنسية السنغافورية.

كسبت سنغافورة كل الجولات لأنها أقامت نظامها على تقديسها الإنسان وتكريم العلم والعلماء وتوازن الحقوق والواجبات. إنها بلاد خالية من الأميين والحاقدين والمهربين والمهرجين.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى