في ورقة «الأيام» في الحلقة النقاشية «حرية الرأي والتعبير»:يجب على الدولة ترسيخ قيم الديمقراطية في وجدان النشء لنتمكن من بناء الدولة العصرية الديمقراطية دون معوقات

> عدن «الأيام» خاص:

> عقدت صباح أمس حلقة نقاشية بعنوان «حرية الرأي والتعبير» بمناسبة الذكرى (57) لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، نظمها مركز اليمن لدراسات حقوق الإنسان وفرع نقابة الصحفيين اليمنيين بعدن ومركز حقوق الإنسان والديمقراطية للنساء.

وشارك في الحلقة ممثلون عن المنظمات المعنية بحقوق الإنسان وممثلو مختلف الصحف ووسائل الإعلام بعدن.

وفي الحلقة قدم الزميل د.هشام محسن السقاف، ورقة «الأيام» بعنوان «وضع الوثيقة الدولية لحقوق الإنسان في متناول النشء".. فيما يلي نصها:

تأتي الحاجة لتأصيل القيمي الأخلاقي في حياتنا السياسية متزامنة ضمن معطيات حراك وطني غير مشهود، أطلقته من القمقم المسحور (الوحدة اليمنية) التي تحققت في مايو 1990م بإرادة جمعية للشعب اليمني ومن خلال التوأمة المحمودة بين حدث الوحدة التي تحققت والديمقراطية السبيل الأمثل لصنع تحولات جذرية ونمطية على المستويات المتعددة اجتماعياً واقتصادياً وثقافياً وسياسياً، ووفق مقتضيات الدستور اليمني والقوانين النافذة. وإذا كانت المعاناة تتجسد في مشهد غير سوي: تباطؤ دمقرطة الأجهزة باعتبارها الهياكل الإدارية للمؤسسة القانونية الأشمل (الدولة) فإن مرد ذلك نتاج عدد من العوامل المعيقة أبرزها قوى النفوذ الاجتماعي للأشكال الاجتماعية القديمة البديلة بطبيعة الحال للدولة، ومدى استحكامها في البقاء والنماء داخل الهياكل العصرية بما في ذلك المؤسسات التشريعية لتعبر عن طبيعة مغايرة لفرضيات التغيير المنشود حين يكون التغيير بمثابة نقطة الإفاضة في كوب المصالح العامة الأشمل (الوطنية) على حساب التراكمات التعبيرية الفئوية المكتسبة بحكم العادة.

يرى ابن خلدون (1322-1406م) في مؤلفه الشهير (المقدمة): أن الإنسان ابن عوائده ومألوفه، وليس ابن طبيعته وسجيته. ويكشف عن خطورة التبعية التقليدية العمياء وتأثيرها على الفرد والمجتمع قائلاً:«إن أي مجتمع توجد به عصبية قبلية، فإنه موجود في ظل البداوة.. والبداوة عنده تعني التخلف وهي ظاهرة حيث توجد تمثل مرضاً مزمناً. إن كثرة القبائل تؤدي إلى اختلال الدولة» ص (105).

ولذلك رأينا الكثير من صراع الإرادة بين قيم التحول الإيجابي ومشاق ذلك بقوة التأثير المضاد النابع من داخل البنى الاجتماعية وتعبيراتها في الحياة العامة من السياسي إلى الاقتصادي مع ما يرافق التضاد المستمر من تحقيق مكتسبات لصالح الجديد والمتطور لأن «الثابت الوحيد هو التبدل المستمر» (هيراقليطس) حتى إن جاءت الصيغ الدالة قانونياً ارتدادية في بعض الأحيان (مثل مشروع قانون الصحافة -السيء- والمرفوض بإجماع الصحافيين) أو تعثر بعض القوانين كـ (قانون الاستثمار) بسبب الفساد المتفشي وعدم جدية الإصلاح المالي والإداري رغم الوفرة القانونية والمعرفية التي تُجمع على ضرورة إحداث إصلاح إنقاذي لظواهر مرضية أنهكت الاقتصاد الوطني وتلعب دوراً تأزيمياً للعيش في ظله كأي فئات طفيلية ناشطة في الظروف الاستثنائية. وعليه سنجد الغطاء النظري لموضوعات الإصلاح في كل الأجندة السياسية الفاعلة في الحكم والمعارضة بانتظار نافخ الصور الذي يبعث الحياة في البنود المجمدة والقوانين الملقية على الرفوف لتجري سنة الله في خلقه: انتصار الجديد المتطور لصالح الإنسان على هذه الأرض.

لقد كان بإمكان الدولة اليمنية الحديثة بعد الثورة والاستقلال في الشطرين أن تردم بونا شاسعا بين شعاراتها النظرية والفعل وتأصيله ولكنها استغرقت في حل التناقضات الداخلية على مستوى البنية السياسية المؤثرة عن طريق البقاء بالإقصاء، ولذلك لم تظهر الديمقراطية باعتبارها «نسق خاص لتنظيم العلاقات الإنسانية من هياكله السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهي حسب التعريف الشائع حكم الشعب بالشعب وللشعب» (محمد سعيد شكري - محطات ومواقف للثورة اليمنية في تطورها التاريخي المستقبلي، وثائق ندوة الثورة اليمنية، 12،2004م، ص 241) إلا مع ميلاد الدولة اليمنية (الجمهورية الثالثة) عام 1990م في ظل موروثات الدولة الشطرية والمعوقات الناجمة عن ضعف أداء الدولة ومؤسساتها وتداخل السلطات دون فصل حقيقي لها، مع تراجع ترمومتر الحريات العامة و(حرية الكلمة في الصميم) بسبب من تمسك الأجهزة بآليات عملها المنتمية روحا إلى العهد الشمولي وتشبثها بالقوانين الارتدادية المعيقة كمشروع قانون الصحافة سيء الصيت بدلاً من انتصارها للعصر واستجابة لرغبات المواطنين.

ومع ذلك فإن كل هذه المثالب والمعوقات لن تستطيع ثني الإرادة الجماهيرية عن إتيان مورد الحقيقة الصافي- الديمقراطية: كفعل إنساني يقوم على رعاية الفرد وحرية كاملة في ظل معطيات اقتصادية وسياسية تشكل المناخ الذي تتكامل فيه باطراد، يضاف إليها -كعامل مهم- انفتاح العالم على بعضه البعض وتداخل ما هو داخلي (وطني) في الخارجي (العالمي) مما يكسب العصر الحالي ميزته المتسقة مع رغبات الملايين من البشر في حياة خالية من الاضطهاد والتعسف والظلم.

لقد كان لكل فعل مكتسب على طريق الديمقراطية ميزته التراكمية التي تضيف إلى هرم البناء الإنساني لبنة جديدة في سياق الأعمال الوطنية الجديدة المخالفة لنهج الشرائح والفئات المنتمية للقديم المعيق الذي يستثمر الدولة كغنيمة (متنكراً لميزة الولاء الوطني الذي يقوم عماده على أساسيات الدولة كحاضن اجتماعي وقانوني تتاح في ظله الحقوق والواجبات) ولذلك فليس هناك من سبيل لإنقاذ الدولة إلا بمزيد من الإصلاح الديمقراطي، ومن ذلك يتأتى النظر إلى الوثيقة الدولية لحقوق الإنسان التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في قصر ساشو بباريس في العاشر من ديسمبر عام 1948م (الإعلان العالمي) ووقعت عليها بلادنا ضمن دول العالم باعتبارها من المسائل التي يجب أن تأخذ حظها كاملا من التأصيل داخل التشريعات والقوانين اليمنية، لتعطي مزيدا من احترام الإنسان وصون كرامته وحمايته من الانتهاك والأذى. وإذا كان المرور على بنود ومواد هذه الوثيقة الدولية قد تم بالقفز عليها أو خرقها في فترات سابقة اتسمت بالاستقطاب العالمي، فإن طبائع مرحلة ما بعد الحرب الباردة المختلفة، توفر فرصا لحماية هذه الحقوق وجعلها فرس الرهان على مغادرة الشعوب والأوطان مرابع الشمولية والديكتاتورية إلى عالم الحرية والتفاخر بالمنجزات الديمقراطية.

إن أهم ما أعلنته وثيقة حقوق الانسان العالمية هو :

1) المساواة (المواد 1،2،4،7،10،16،21،13 فقرة 2).

2) الحق بالحريات.

أ) الحرية الجسمانية، حرية الحركة والانتقال (المواد 3،4،9،13).

ب) حرية الرأي والمعتقد الديني وحرية التعبير والنشر (19،18).

ج) حرية تأسيس العائلة (16).

د) حرية اختيار العمل (23).

هـ) الحرية السياسية. على أساس المساواة وباعتبار أن مصدر السلطة العامة هو إرادة الشعب (21).

و) حرية الانتساب الوطني (المواطني).

ز) حرية الاشتراك في الاجتماعيات والجمعيات (20).

3) الحق بالعدالة واللجوء إلى المحاكم (9،10،11).

4) الحق بالأمن والطمأنينة (3،12،15،22).

5) الحق بالكرامة للشخص والمنزل (1،4،5،6،11،13).

6) الحق بالملكية (17).

7) الحق بالراحة اللازمة وبالعيش الكريم وبالحماية من البطالة مع رعاية خاصة للأمومة والطفولة (23.24.25).

8) الحق بقسط من الثقافة وبالمشاركة في حياة المجتمع الثقافية وبحماية الملكية الأدبية والفنية (26 و27).

9) حق المضطهد في بلد ما بأن يلجأ إلى بلد آخر (14).

10) الحق عند الضرورة القصوى بالثورة على الاستبداد والطغيان.

(المقدمة) عبدالله لحود وجوزف مغيزل، حقوق الإنسان الشخصية والسياسية، بيروت 1985م، ص 15 و16.

فقد نصت المادة (18) فيما يتعلق بحرية الرأي والمعتقد والتعبير أن: (لكل فرد الحق في حرية الرأي والتعبير وينطوي تحت ذلك حق الفرد بأن لا يناله إزعاج بسبب رأيه، وحقه في استقاء الأنباء والآراء وإذاعتها بمختلف طرق التعبير دونما التفات إلى حدود جغرافية) المرجع السابق، ص 36.

ولذلك نرى كإحدى الصحف اليمنية البارزة، ومساعدة منها في نقل والتسريع بالمبادئ الديمقراطية التي هي حقوق أساسية لا تحتمل المنزلة بين المنزلتين، إلى مصاف الفعل والتأصيل القانوني لها أن تعتمد مناهج التعليم وتربية النشء على هذه المعايير المنصوص عليها في الوثيقة الدولية كجزء من العملية التربوية والتعليمية ليغدو النشء أكثر التصاقاً من حيث المعرفة والممارسة بهذه المبادئ، حيث نجد أن (مفهوم التربية يتضمن الإشارة إلى ما هو أحسن أو ما هو أفضل، وعند الحديث عن أهداف التربية هناك العديد من القيم التي نبتغيها، ونسعى إلى تحقيقها) د. محمد أحمد عوض، مرجع سابق ص 101. والديمقراطية هي أفضل ما نقدمه لأجيالنا من حيث المبنى والمعنى لتكبر في مخيلاتهم وسلوكهم قيمها العظيمة، وتتأصل في دورات النمو- نموهم - كمسلك أخلاقي يتعاطونه ويحافظون عليه للارتقاء إلى ما هو أفضل إنسانياً، فالحرية (تفهم عادة بمفاهيم متعددة ومضامين متنوعة فـ «نحن» و«هم» تلدنا أمهاتنا أحراراً بروح ومضمون كلمات القول المأثور للخليفة (الفاروق) عمر ابن الخطاب رضي الله عنه: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا، وتتسع أمامنا آفاق الحرية كلما زادت مشاركتنا في دائرة محيطنا) فـ(الفرد يتوق لتحرير نفسه فينبغي عليه أن يدرك أن تحرره لن يعود بالعبودية على أحد) المرجع السابق، ص 109.

إن دلالات تغيير المناهج الدراسية يجب أن تكون مشمولة برؤى مستقبلية واضحة، واتساقها مع متطلبات الناس، المشمولين بعقد اجتماعي إحدى مقوماته الأسس الديمقراطية التي بنيت عليها الجمهورية اليمنية في عام 1990م. ولذلك يجب على الدولة أن تتوجه إلى النشء في ظل إحباطات جمة لتضعه في المرتبة الأسمى من حيث الاهتمام والرعاية بما في ذلك ترسيخ قيم الديمقراطية كجزء من المكونات الوطنية والنفسية التي يجب أن تترسخ في وجدانه، لينهض بها مستقبلا كإحدى الوسائل الناجعة لبناء الدولة العصرية الديمقراطية دون معوقات.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى