التوقعات الفلكية لشهر محرم 1427 هـ

> الفلكي سالم الجعيدي:

> بانتهاء العام الهجري 1426 هـ يكون قد انصرم 17112 شهراً قمرياً بالتمام والكمال، أي ما يعادل 505327 يوماً منذ هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى الآن.

وشهر محرم 1427 هـ سيكون أوله يوم الثلاثاء الموافق 31 يناير 2006م، باتفاق الفلكيين وأهل الحساب، على إكمال عدة شهر ذي الحجة ثلاثين يوماً نظرا لتأخر اجتماع النيرين عن ليلة الشك واستحالة رؤية الهلال فيها، أما في الليلة الثانية من الشهر أي مساء الثلاثاء فإن رؤية الهلال ستكون ظاهرة ولن يغيب إلا بعد غروب الشمس بساعتين.

ورغم أن شهر محرم (الذي يسمى شهر المؤتمر عند قدماء العرب الأوائل قبل بداية القرن الخامس الميلادي) هو من الأشهر الذي يحرم فيه القتال إلا أن عادة النسيئة والتلاعب باستحلال الحرب لا تقع إلا بهذا الشهر، فكان اشتقاق اسم محرم من التحريم لهذا الشهر هو لأجل تغليظ حرمة القتل أو الثأر أو الحرب فيه، والقعود عن القتال في الأشهر الحرم، (رجب، ذي القعدة، ذي الحجة ومحرم) كان لتأمن العرب طرق السفر والتنقل لمكة المكرمة في شهر ذي القعدة من مغبة الغارات والسلب وقطع الطريق، ثم عودتهم لبلدانهم في شهر محرم، وهذا العرف المشتهر عند العرب هو من بقايا شريعة سيدنا إبراهيل الخليل عليه السلام، والذي جاء الإسلام بعد ذلك بتأكيده في القرآن بقوله: {إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم} التوبة: 36.

فهذه الآية فضلاً عن أنها تؤكد معنى الأشهر الحرم إلا أنها تدل على أن المناسبات التعبدية يتعلق أداؤها بالأشهر القمرية كالصيام والحج وحولان الحول في الزكاة والطلاق والعدة والإيلاء.. إلخ.

وتدل أيضا أن الأنبياء والرسل من لدن آدم ومن بعده عليهم السلام كانوا يدينون الله بالأشهر القمرية، لا الشمسية، ويؤكد ذلك قصة نكاح سيدنا موسى عليه السلام في قوله تعالى: {قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج} القصص: 27. فالحجج في لغة العرب لا يطلق إلا على السنين القمرية.

أما أبرز ما يلفت نظرنا في المشاهدات السماوية لشهر محرم هو رؤية مجموعة نجوم الجبار بعد مغيب الشمس وخاصة في الساعة الثامنة مساءً، لوقوعها فوق رؤوسنا تقريباً، وهي عبارة عن ثلاث نجوم مضيئة تقع على اصطفاف واحد لا تخطئها العين أبداً، كان قدماء اليمنييين يحددون بها اتجاه القبلة، وتسمى هذه النجوم عند الحضارم (الميزان).

ومن العادات المستحبة لدى هواة الفلك أنهم يحددون علامات سماوية معينة لأجل مراقبة الأجرام، فعلى سبيل المثال: إذا بلغ نجوم الجبار منتصف كبد السماء أمكنك رؤية نجمة سهيل اليمن في أقصى الأفق الجنوبي، وهي ألمع نجمة في تلك البقعة لا يضاهيها أي نجم آخر، وقد تغنى الشعراء كثيراً بنجمة سهيل منذ القدم، وفي الأفق الشمالي ستشاهد نجوم ذات الكرسي، وهي أنجم تتخذ شكل الحرف الإنجليزي W) ) وأهميتها أن إحدى زواياها تشير دوماً للقطب الشمالي. أما الكواكب السيارة فإن المريخ سيشاهد دائماً بوسط السماء بعد غروب الشمس مباشرة، ويمكن الاستدلال عليه في مساء الأحد 5 فبراير بمجاورته للقمر بمقدار إصبعين برؤية العين، ويمكن مراقبة هذا التجاور إلى منتصف الليل، أما كوكب المشتري فلا يطلع من الأفق الا بمنتصف الليل، ومثله كوكب الزهرة الذي سيشاهد فجراً في سماء الأفق الشرقي كنجمة لامعة جدا.

ومن المناسبات الشرعية التي يتضمنها شهر محرم صوم عاشوراء وذلك في العاشر من الشهر، والذي سيصادف يوم الخميس 9 فبراير 2006م، ويعود أصل صيام عاشوراء إلى شريعة سيدنا موسى عليه السلام، وهو الصيام الوحيد الذي نص عليه وأمر به موسى أمته، تكفيراً عن عبادتهم العجل، ولذلك يسمى هذا الصيام عند اليهود بصيام الكفارة، ويأتي ذلك وفق حساب التقويم العبري (التقويم اليهودي) في كل عام في العاشر من شهر تشري TISHRI (أي الشهر الأول).

وقد انتقل صوم عاشوراء اليهود هذا إلى قريش، وقصة ذلك أن قريشاً في الجاهلية أذنبوا ذنباً وتعاظم الأمر في نفوسهم، فسألوا أهل الكتاب عن توبتهم، فأشاروا عليهم بصيام يوم عاشوراء فصامه أهل مكة وفي تفسير للرواية التي أخرجها الطبراني في المعجم الكبير بسند حسنه الحافظ ابن حجر العسقلاني من رواية زيد بن ثابت أنه قال: (ليس يوم عاشوراء باليوم الذي يقوله الناس، إنما كان يوم تستر فيه الكعبة، وكان يدور في السنة، وكانوا يأتون فلاناً اليهودي ليحسب لهم- أي في الجاهلية-).

وقد أمر نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم بصيام يوم عاشوراء في السنة الأولى من الهجرة قبل أن يفرض صيام رمضان، حيث ثبت ذلك عند البخاري ومسلم في صحيحيهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فوجد اليهود صياماً يوم عاشوراء، فقال لهم: ما هذا اليوم الذي تصومونه؟.. فقالوا: هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه، وغرق فرعون وقومه فصامه موسى شكراً لله) فصامه النبي صلى عليه وسلم وأمر المسلمين بصيامه.

لكن الفلكيين وأهل الاختصاص استشكلوا في هذا الحديث زعم يهود يثرب أن يكون صوم عاشوراء لأجل نجاة موسى من فرعون، الأمر الذي يخالف ما هو ثابت في نصوصهم التاريخية ومناسباتهم الدينية من أن خروج موسى من مصر وغرق فرعون يوافق اليوم 15 من شهر نيسان وأن عاشوراء هو كفارة لشركهم وعبادتهم العجل في سيناء، يؤكد ذلك أن جميع طوائف اليهود جعلوا 15 نيسان يوم عيد لهم (عيد فصح اليهود) لنجاتهم من فرعون، وقد رجح الفلكي محمود باشا (في القرن التاسع عشر ميلادي) في كتابه (نتيجة الأفهام) أن يكون يهود يثرب ممن لا اعتناء لهم بالحساب والمناسبات الدينية وأن خبرتهم في ذلك ضئيلة، لكن هذا الترجيح غير سديد، لأننا لو أرجعنا حساب التقويم العبري قهقريا إلى الوراء فسنجد أن بلوغ النبي صلى الله عليه وسلم قباء كان في الاثنين من اليوم الثامن من شهر ربيع الأول، وذلك يوافق العاشر من شهر تشري لدى اليهود وهو يوم عاشوراء، فصيام اليهود كان صحيحا مما يدل على ضبط اليهود في حسابهم وإجادتهم في التقويم العبري، والصحيح في هذا الاشكال أن اليهود خجلوا أن يذكروا مثالبهم ومخازيهم في عبادة العجل أمام النبي صلى الله عليه وسلم الذي يكنون له الحقد والبغض.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى