قصة قصيرة بعنوان (شيخ الحجار)

> «الأيام» سالم العبد:

> البعض يعزون إليه تراجع نمط البناء الطيني والتحول إلى نمط البناء المعتمد على الحجارة وذلك بعد ترجيح بعض أعيان المدينة حجج الشيخ «عبادي» ضداً لقناعات معالمة البناء ومعهم غالبية الأهالي.

اقترن هذا التحول الغريب أيضاً في تاريخ المدينة بدخول أول سيارة بسطح ذي حركة آلية (قلاب) !! ولما وصفوها للشاعر البصير «كروم»، بعد إلحاح.. قالوا بأنها تشبه (الجحومة) الضخمة غير أن أرجلها مدورة كأقراص الخبز المحروقة.. وهكذا ارتسمت صورتها في مخيلته.. وعلق قائلاً: هذه المرة جاءت على هيئة جحومة الله يستر على مخاليقه.

لم ينتظر الشيخ عبادي طويلاً.. فهو لا يضع قيمة للمشاعر والعواطف.. سحق إحساسه الطاغي بالانتصار لمشروعه، وشكل أول فرقة عمل من شباب القرية المفتولين، لتكسير الأحجار من الجبال المحيطة، وشرع في بيعها للراغبين في بناء بيوت جديدة.

في البداية كان ينهي العمل قبيل صلاة الظهر.. وبعد فترة ونزولاً عند الطلبات المتزايدة استأنف العمل بعد وجبة الغداء وحتى غروب الشمس.

لم يمض وقت طويل حتى سرت العدوى إلى الضواحي القريبة، وانهالت الطلبات على الشيخ وغدا عاجزاً في معظم الأحيان عن الوفاء بكل هذه الطلبات، وأضحى شراء سيارة ثانية مسألة ضرورة.. وعليه أن يفعلها قبل أن تتسلل الفكرة إلى رأس ناشفة من سكان المدينة مما قد يضطره للجوء إلى وسائل يوفرها للحالات الاستثنائية جداً.

تقصّد العودة بالسيارة الثانية بعد الثلث الأول من الليل، ليقرأ في وجوه القوم أثر المبادرة المباغتة في الصباح التالي، إذ كان يهمه جداً أن يكشف مبكراً النوايا المبطنة لحساد المدينة، فيقضي عليهم وعلى تطلعاتهم قبل أن تصل إلى حناجرهم.. وقد نجح.. وقال في نفسه: لابد أن يستوعبوا رسالته جيداً ،ويقتلعوا من رؤوسهم المحشوة بالحسد المقيت فكرة منافسته إلى الأبد.

ظلت عيناه مفتوحتين على اتساعهما حتى انشق رداء الليل الكثيف عن فجر زغب، عدب الطراوة.. وكاد بعد أرق ليلة طويلة أن يتخذ قراره الصعب بإشراك أحد أعيان المدينة لعجزه عن تلبية الطلبات الكثيرة بنفس الطاقم من العمال والشاحنتين المنهكتين.. لولا أن برقت تلك الفكرة الألمعية في رأسه بكل سحرها وبراعتها، التي ستجنبه الإذعان للخيار الذي بدا له قبيل لحظات أنه الخيار الوحيد.

شكل فريقاً من العاطلين، للعمل ليلاً حتى موعد صلاة الفجر.. محدداً بدء ساعات العمل من بعد الثانية بعد منتصف الليل.. ولكنه في الواقع أخذ يوقظهم منذ العاشرة بعد أن يأمرهم أمراً بأن يهجعوا في الثامنة، بالدقيقة. يصرخ وهو يرفسهم لينهضوا إلى العمل قبل أن يوذّن للفجر مصطحباً فانوسه المسخم.. هيا لا تتلكأوا وإلا أتيت بغيركم .. عمل قليل وأجر جزيل.. وطرد بهذه الفكرة العبقرية الشريك الآتي لا محالة، ولكن إلى حين.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى