الحماية القانونية للجمعيات

> د. يحيى قاسم سهل:

>
د. يحيى قاسم سهل
د. يحيى قاسم سهل
قرر دستور الجمهورية اليمنية أن الشعب مالك السلطة ومصدرها، ويقوم النظام السياسي للجمهورية اليمنية على التعددية السياسية والحزبية وذلك بهدف تداول السلطة سلمياً.. كما يقوم المجتمع اليمني على اساس التضامن الاجتماعي القائم على العدل والحرية والمساواة وفقاً للقانون.. وعلى وفق الدستور لكل مواطن حق الاسهام في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتكفل الدولة حرية الفكر والإعراب عن الرأي بالقول والكتابة، وللمواطنين في عموم الجمهورية - بما لا يتعارض مع نصوص الدستور- الحق في تنظيم أنفسهم سياسياً ومهيناً ونقابياً، والحق في تكوين المنظمات العلمية والثقافية والاجتماعية والاتحادات الوطنية بما يخدم اهداف الدستور، وتضمن الدولة هذا الحق، كما تتخذ جميع الوسائل الضرورية التي تمكن المواطنين من ممارسته، وتضمن كافة الحريات للمؤسسات والمنظمات السياسية والنقابية والثقافية والعلمية والاجتماعية.

وتأسيساً على هذه الأسس والمبادئ الدستورية صدر قانون الجمعيات والمؤسسات الاهلية رقم (1) لسنة 2001م محدداً اهدافه (في المادة الثالثة) كما يلي:

1- رعاية الجمعيات والمؤسسات الأهلية وتشجيعها على المشاركة في مجال التنمية الشاملة.

2- ترسيخ الدور الرئيسي الذي تلعبه الجمعيات والمؤسسات الأهلية في مجال التنمية وتطوير النهج الديمقراطي وقيام المجتمع المدني المسلم.

3- توفير الضمانات الكفيلة بممارسة الجمعيات والمؤسسات الاهلية لأنشطتها بحرية واستقلالية كاملة وبما يتلاءم مع مسئولياتها الاجتماعية.

4- توسيع نطاق البر والاحسان وتعزيز التكافل الاجتماعي في أوساط المجتمع.

5- تبسيط الإجراءات وتسهيل المعاملات المتعلقة بالحق في تأسيس الجمعيات والمؤسسات الأهلية وتمكينها من أداء رسالتها على الوجه الأكمل.

ولتحقيق هذه الأهداف تنص المادة السادسة على ان : «تتولى الوزارة - التأمينات والشؤون الاجتماعية ومكاتبها في أمانة العاصمة والمحافظات - الإشراف القانوني والرقابي على أوضاع وأنشطة الجمعيات والمؤسسات الاهلية واتحاداتها وتقوم بدعمها ورعايتها بما يكفل نجاحها وتحقيق اهدافها».

ومن المفيد الإشارة إلى أن لفظة (وزارة) وردت 14 مرة وانحصرت في توضيح الإشراف القانوني والرقابي المتمثل في الفصل الثاني الموسوم (التسجيل والإشهار) مثل تقديم طلب كتابي بشأن إشهار الجمعية مع عقد التأسيس والنظام الاساسي للجمعية وإيداعه لدى الوزارة من قبل المؤسسين او من ينوبهم، وهنا يبرز بوضوح دور الوزارة في الاشراف القانوني والرقابي من خلال البت في الطلب المقدم اي التحقق من ان الطلب مستوف لاحكام القانون المنصوص عليها في المادة الرابعة. ويجب البت في الطلب خلال شهر من تاريخ تلقي الطلب، وبانقضاء الشهر دون البت في الطلب يعد الطلب مقبولاً بقوة القانون وعلى الوزارة أو مكتبها المعني بناءً على طلب ذوي الشأن إجراء القيد في السجل المعد لديها والنشر في إحدى الصحف الرسمية (المادة 9).

وعلى الوزار ة في حالة رفض الطلب إبلاغ قرار الرفض كتابياً مسبباً إلى المؤسسين أصحاب الشأن ونشره في لوحة الإعلانات الخاصة بالوزارة او مكتبها المعني خلال عشرة أيام من تاريخ صدور القرار.

ان دور الوزارة كما هو مبين في أحكام القانون لا يتجاوز التحقق من ان طلبات الإشهار متطابقة مع احكام القانون الموضحة في المادة الرابعة، وأهم هذه الاحكام هي ان لا تخالف الجمعية الدستور والقوانين والتشريعات النافذة، وأن يكون لها عقد تأسيس ونظام اساسي يتضمن كل شؤونها التنظيمية والمالية والإدارية. وإشهار الجمعية كما هو مبين يتم وفقاً للإرادة الحرة للمؤسسين طالما احترموا والتزموا الدستور والقوانين، والوزارة لا تستطيع اطلاقاً ممارسة أي تعسف أو عراقيل إزاء اشهار أية جمعية كونها ملزمة بالبت في الطلب خلال شهر، ما لم تعد الجمعية قائمة بحكم القانون وقوته، وإذا ماطلت او سوّفت الوزارة فأمامها عشرة أيام لتسبيب قرار الرفض، والحكم للقضاء، لأن المادة (11) تقول: «لأصحاب الشأن حق الطعن في قرار رفض الإشهار أمام المحكمة المختصة خلال ستين يوماً من تاريخ إبلاغهم بالقرار».

ويضاف لذلك ان للوزارة مهمتها الإدارية في الاحتفاظ بصورة من المستندات والوثائق الخاصة بتأسيس الجمعيات والمؤسسات التي تم تسجيلها وإشهارها وفتح حساب ومسك السجلات وإجراءات القيد الخاصة بها (المادة 16). كما تتولى الوزارة الاشراف على الانتخابات وتنظيم سيرها بالطرق الديمقراطية الصحيحة وتقديم المشورة والمساعدة الفنية للجمعيات والمؤسسات الأهلية واتحاداتها عند وضع خططها وممارستها لأنشطتها وذلك بناء على طلب منها (المادة 20).

ان ارتكاب مخالفة جسيمة لأحكام قانون الجمعيات والمؤسسات الاهلية لا يخول الوزارة حل الجمعية، وهذا يستقيم وطبيعة الأشياء، بمعنى ان الوزارة لا تنشئ الجمعية كما أن الجمعية ليست إحدى دوائر او أقسام الوزارة حتى تحلها، ولتأكيد ما نذهب اليه اقرأ الفقرة (أ) المادة 44 والتي تقول: «يجوز للوزارة رفع دعوى بحل الجمعية أو المؤسسة الأهلية إلى المحكمة المختصة في حالة قيام الجمعية أو المؤسسة بارتكاب مخالفة جسيمة لأحكام هذا القانون».

وضماناً لنشاط الجمعيات وحمايته من بعض الممارسات غير القانونية التي قد تبرز بهدف عرقلة هذا النشاط احتاط المشرع اليمني ووضع قيدا على حق الوزارة في رفع دعوى الحل. إذ تنص الفقرة (ب) من نفس المادة على أنه: «لا يجوز تقديم الدعوى بطلب الحل إلا بعد أن تكون الوزارة قد أعطت الجمعية أو المؤسسة ثلاثة إخطارات خلال ستة أشهر للقيام بإجراء التصحيح اللازم لما ارتكبته من مخالفة ولم تقم بذلك».

وأود أن أشير إلى أن تكييف الوزارة لجسامة هذه المخالفة او تلك لا يقيد القاضي. وإمعاناً في الضمانات لحماية الأهداف النبيلة والعظيمة التي تتبناها الجمعيات تنص فقرة (ج) من نفس المادة على أن: «لا يكون قرار الحل نافذاً إلا بحكم نهائي بات من المحكمة المختصة» أي ان القانون يمنح الجمعية كافة طرق الطعن العادية (الاستئناف) أو غير العادية (الطعن بالنقض أو التماس اعادة النظر). أنظر المادة «2» من قانون المرافعات المدنية رقم 40 لسنة 2000م.

ومما سبق لم نعثر على اي نص قانوني في قانون الجمعيات والمؤسسات الاهلية يخول الوزارة ومكاتبها المعنية تجميد نشاط الجمعيات بقرار، ناهيك عن أن الباب السابع من القانون والموسوم (العقوبات) جرم مجموعة من الافعال التي قد ترتكب بحق الجمعية من قبل الاعضاء او أشخاص آخرين، وفرض عقوبات على تلك الافعال، ثم اورد نصا عاما اختتم به باب العقوبات إذ نصت المادة (70) على ان «كل مخالفة أخرى لأحكام هذا القانون أو لائحته التنفيذية أو القرارات الصادرة في شأنه يعاقب مرتكبها بالحبس لمدة لا تزيد على ثلاثة اشهر أو بغرامة مالية لا تتجاوز (30.000) ريال».

وأخيراً هناك أمر في غاية الاهمية ويتمثل في نص المادة (71) الواردة في الباب الثامن الموسوم (أحكام ختامية)، وتكمن أهمية هذا النص في ان المشرع لم يكتف بما سبق ذكره من ضمانات قانونية لتعزيز وترقية نشاط الجمعية واستقلالها مثل كيفية الاشهار والحل...الخ، بل اضاف المادة (71) للوقوف بحزم امام كل من يتجاوز الدستور والقانون بغية عرقلة نشاط الجمعيات ومصادرة حقوقها وحقوق اعضائها، التي لم يعد المساس بها وانتهاكها انتهاكا للدستور والقوانين في الدولة وحسب بل انتهاك للمواثيق والعهود الدولية المنظمة لحقوق الانسان والتي التزمت بها اليمن في الدستور في المادة (6): «تؤكد الدولة العمل بميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وميثاق جامعة الدول العربية وقواعد القانون الدولي المعترف بها بصورة عامة».

أما المادة (71) المذكورة فتنص: «يجوز للجمعيات أو المؤسسات الأهلية الطعن لدى المحكمة المختصة ضد اي إجراء يتخذ ضدها من قبل الوزارة أو أي من اجهزة الدولة».

ولا يخالجني ادنى شك في ان القضاء لن ينتصر إلا لإرادة المشرع، والتي ليست إلا إرادة هذا الشعب العريق بتاريخه وحضارته التليدة.

AS-Sahal-@Hotmail .com

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى