في حفل تكريم الكاتب والفنان التشكيلي علي محمد يحيى تكريم الفنان المبدع والمبدع الإنسان

> عدن «الأيام» خاص:

>
علي محمد يحيى
علي محمد يحيى
في احتفالية نظمها منتدى الباهيصمي الثقافي الفني عصر الخميس الماضي، جرى تكريم الفنان والأديب والكاتب الصحفي علي محمد يحيى بحضور أعضاء المنتدى وضيوفه من الأدباء والمثقفين والفنانين الذين اكتظ بهم المنتدى.

وفي جو فرائحي تخلله تقديم الفقرات الغنائية المتنوعة، افتتح الحفل الأستاذ أحمد سعيد معدداً مناقب المحتفى به، ثم عهد بالحديث إليه ليتحدث بإسهاب عن المحطات الابداعية في حياته والتي كان فاتحتها ثانوية خورمكسر للبنين حيث بدأت مواهبه الفنية والأدبية بالتفتق والظهور، وعرج في حديثه على ذكر تلك المحطات التي عرف فيها نشطاً ومبدعاً لا يشق له غبار، ومنها تنظيمه وإشرافه على أول معرض تشكيلي في جنوب الوطن ثم توالت تلك المعارض، وذكر كيف تنقل من محظة إلى أخرى تاركاً بصماته عليها، ومن أهم محطاته عمله في التلفزيون مسؤولاً عن الديكورات حيث وجد المجال الخصب لتقديم ما يكتنزه من مواهب فنية، وتقديمه البرنامج المعروف إذاعياً «رسوم على الهواء» الذي كان يعلم النشء أصول الرسم عبر الإذاعة.

ثم تحدث الأديب والباحث أديب قاسم الذي ارتبط بالأستاذ على محمد يحيى منذ المدرسة الثانوية وحتى يومنا هذا وقال في حديثه:«الاستاذ الفنان الأديب علي محمد يحيى رحل ذو ملكة ابداعية في ناصيتي الفن التشكيلي والكتابة الأدبية امتداداً نحو الكتابه بكل أشكالها الصحفية.. وليست المسألة هنا وليدة اللحظة التي قرأنا له فيها وهو يتجلى في صحيفة «الأيام» بكل تنوعاته في المادة الصحفية، وإنما تعود به إلى وقت مبكر في نهاية الستينات ونحو مطلع السبعينات من القرن المنصرم عندما نشرت له جريدة (أخبار المصافي) قصيدتين.. وكنت قد حملتهما بيدي لأسلمهما إلى ادارة تحرير تلك الجريدة حيث جرى نشرهما.. وعندها أدركت فيه مخايل الأدب.

عرفت صديقي الفنان قبل أن يتجه إلى الكتابة حيث عرفته معرفة دقيقة خلال فترة الدراسة ونحن لم نتجاوز بعد سن الرابعة عشرة في مدرسة خورمكسر الثانوية ولم نكن لنفترق منذ تلك اللحظة بعد أن طالعت لوحاته التي انكب عليها بكل حمية.. كان ما إن يمسك بالقلم ويضعه على الورقة البيضاء حتى تجد أمامك كلمعة برق خاطف صورة متكاملة الأبعاد لإنسان أو سفينة في بحر.. أو منظراً لجبال تحلق في سمائها طيور بحرية.. فكنت أدهش تماما لتلك السرعة!

شيء آخر.. وجدت فيه رجلاً لا يكاد يعجزه شيء في مجال الفن التشكيلي فإذا عنّ لك أن تفاجئه لكي توقعه في حرج كأن تطلب منه- وكنت أفعل هذا معه- أن يرسم لك لوحة لمجموعة من الخيول تركض في سهب ممتد.. أو تقول له أريد منك أن ترسم لي (عجلة المسن) أو طائر الفلامينجو أي البجع الذي يعيش في بحيرات المملاح.. وربما معها (طاحونة الهواء) المعروفة.. فلا تتوقع منه أن يستمهلك كي يعد نفسه .. وإنما يمسك بالقلم للحظته وأحياناً الريشة دون المرور بقلم الرصاص لتجد أمامك حاجتك.. طلبت منه وزارة الزراعة عام 1972 أن يصنع لها تمثالاً لنصبه وسط الجولة المواجهة لمبنى وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي.. فتخال أن الرجل الفنان سوف يعتذر، ولم يسبق له أن مارس عملية النحت أو صب القوالب.. غير أنك تفاجأ به وهو يقول «بسيط متى تريدونه؟».

وفي غضون ستة أيام، كان الفنان البالغ الموهبة إلى حد الدهشة، قد صنع هذا التمثال بما لديه من (تلقائية) عجيبة في الاستجابة والتحدي.. تلقائية في وضع الملامح التشكيلية العامة للأثر المراد تصويره.. وتقول أنت في نفسك متى فكر في أن صنع التمثال يقوم على عناصر مختلفة كالحديد والجبس والسائل النحاسي لطلائه؟! فتحس أن كل هذا ينم عن موهبة فنية غير عادية هي في سبيلها إلى النضوج السياسي والفني المتكامل؟

ولماذا السياسي؟

ذلك أن التمثال كان المطلوب فيه أن يجسد ثورة الرابع عشر من أكتوبر المجيدة من خلال موضوعين : قيام الثورة المسلحة- وكانت لا تزال تلك الرؤية طرية، والنهوض بأعباتها أي مرحلة البناء التي تتطلع إليها الثورة.

تصور تلك الصعوبة في استيعاب تلك الرؤية السياسية في وقت كنت والفنان الاستاذ علي محمد يحيى نمجّ الأشكال أو الأساليب الدعائية (البروبوجاندا).. قلت كيف سيصنع صاحبي في التعامل مع هذه الرؤية؟ وكلانا لا يؤمن أولا يريد من الفن أن يتقيد بمذهب سياسي أو يتلون بتلون حزبي.

معنى ذلك أن يكون الفنان ذا نزعة سياسية فإن فناناً لا يستطيع أن يهضم هذه الأساليب هضماً واعياً، تصاب أعماله من آثار التطرف، ونزعات الميل وهو ما كان من (البروبوجاندا) في أعمال مدرسة الواقعية الاشتراكية في الفن التي اكتسى بلون الدعاية من الخارج.. وكان هذا حالنا مع بداية الانتقال إلى برنامج العمل الوطني بعد الثورة!

غير أن (علي محمد يحيى) الفنان المثقف والألمعي بجدارة موهبته المثقفة، كان دوماً يبحث داخل معلوماته عن الحقيقة، وعندما يجدها يتعامل معها كفنان.. وعلى هذا المستوى كان قد صاغ تمثاله (الأول من نوعه في اليمن) فجاء التمثال يحمل هدفاً وطنياً عاماً ويحكي تلخيص ذلك الهدف بعبارتي «الثورة .. والثورة الاجتماعية» فترى فيه دعوة إلى الالتفاف حول أهداف الثورة وتوعيته لكل القطاعات المنتجة بأهداف الثورة.

وفي الوقت الذي بهتت أعمال الفنان العربي أمام أصداء النكسة (نكسة جزيران 67).. نجد الفنان الأستاذ على محمد يحيى قد احتفظ بإيمانه كاملاً حين عبر عن الحركة بوقفة جانبية وصلبة في الجزء الأعلى للتمثال وعند الرأس.

هكذا عرفت صديقي الفنان المبدع بكل معنى الكلمة مستعداً لمواجهة كل ظروف التحدي. وغير التمثال فقد كان من أعماله في تلك الحقبة تصميم وإنجاز وثيقة التمليك للإصلاح الزراعي، إعداد ورسم وسائل الدعاية الخارجية والداخلية للمؤسسة العامة لتطوير الدواجن، ثم إعداد شعار اللجنة المركزية للإصلاح الزراعي ورسمه على سيارات اللجنة.

هذا غير عمله من بعد في تلفزيون عدن مهندساً للديكور.

وأما الحياة الخاصة للفنان، فقد شارك وقتها في معارض جمعية عدن للفنون.. وآخر معرض شهدته له خلال تلك الحقبة من السبعينات كان قد قدم فيه خمس لوحات زيتية بيعت لوحتان منها خارج الجمهورية الأولى في الدانمارك وكان اسمها (الرجل العجوز) والثانية في نيويورك واسمها (القلب المفكر)، والأخيرة هي التي استوحاها من بعد ليتخذ منها عنوان قصيدة له.

ومن هنا أبدأ الحديث عن الأستاذ الكاتب والأديب (علي محمد يحيى).. وسوف أوجز حديتي في هذه النقطة.. بأن الرجل كان ينطوى على حسن ثقافي أدبي.. هذا الذي انتهى به منذ سنوات إلى امتهان الكتابة للصحف.. وأثبت من خلال كتاباته أنه يمتلك قلماً متمكناً للغاية من صوغ العبارة الأدبية والتعبير السديد المعنى في كل ما كتب من نقد أدبي أكان انطباعياً أم تحليلياً للمادة التي يعرض لها.. بل وكان يمضى إلى أبعد من حدود الكتابة الأدبية إلى طرق موضوعات تهم الإنسان في اللحظة التي يعيشها أو كما نقول قضايا الساعة التي يثار حولها الجدل الواسع في أوساط المثقفين السياسيين أو الشعبيين.

لا يفوته متابعة دقائق الموقف الراهن في متابعات صحفية.. بعضها كان يحمل ملامح الذكريات التي لم تسطر وكان ينبغي أن تحتل مكاناً في تاريخنا السياسي والثقافي والاجتماعي وبعضها مما يشغل النفس في المشهد اليومي للحياة العامة.. وليبرز كواحد من أبرز الأقلام في حقل الصحافة كما نعرفه اليوم.. وقد التف حوله العديد من القراء.. فله عميق احترامي».

ثم توالت أحاديث المشاركين فأجمع الكل على احتفاظهم بمشاعر الود والامتنان نحو الأستاذ علي محمد يحيى لما عرف عنه من دماثة الأخلاق وطيب المعشر وحب الخير للناس جميعاً. واختتم المهرجان الاحتفائي بمداخلة قيمة قدمها الأستاذ محمد مبارك تناول فيها بالتحليل كتابات الأستاذ علي محمد يحيى في «الأيام»، ولطول المداخلة سننشرها في عدد لاحق إن شاء الله.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى