القبيطة .. مشاريع المياه متعثرة من العهد الشمولي الى العهد الوحدوي

> انيس منصور حميدة:

>
القبيطة
القبيطة
مفاجأة بحجم الذهول وبمستوى الكارثة .. وقائع مأساوية وجدناها وجها لوجه .. مشاهد في عزل القبيطة تبدأ بنزوح القاطنين وتنتهي بمشاريع متعثرة شاهدة على صور الفساد التي تتجلى في مثل هذه المشاريع التي لو تم رصد ميزانيتها لوفرت لكل اسرة بئراً خاصة للشرب .. فساد مفضوح للجميع وتديره مؤسسات رسمية كما انه لا يحتاج الى ادلة تفضحه اكثر من الفضائح الظاهرة في رابعة النهار.. في هذا التحقيق نقف امام لوحتين بالغتي القتامة كئيبتين نحدثكم حديثها لوتسمعون، اولاها مشروع مياه كرش الشريجة، والثانية مشروع مياه الحيدين عزلة الهجر لتكون البداية جنوباً من كرش وتبدأ ببداية مشروع كرش منذ زمن حكم الرفاق، وهو المشروع الذي وضع لبناته وافتتحه الرئيس السابق علي ناصر محمد عام 85م وكان المشروع كمرحلة اولية يشمل قميح، كرش وقرنة وتم وضع مواسير روسية الصنع عيار (6) هنش لتوصيل المرحلة الثانية لمناطق حدابة، وظلت المواسير مكدسة في مدرسة الوحدة ثم توزعت على ناحية طريق حدابة وقراها لربطها بالمشروع الأم، وبفعل الاحداث الدامية وضعت هذه المواسير في مثلث الاهمال حتى عام 95م حين تم سحب جميع الانابيب تحت ذريعة نزول مشروع جديد يعد من منجزات الوحدة على نفقة مياه الريف.

والسؤال الذي يطرح نفسه أين ذهبت المواسير القديمة؟ ولا تزال خانة مربعات الاجابة على السؤال فارغة حتى يومنا هذا، وفي عام 98م افتتح رئيس الجمهورية مشروعاً جديداً قائماً على المشروع الماضي بتكلفة 128 مليوناً يشمل كرش، نشير، الشريجة وحدابة، ويتكون المشروع من خزان ومضخة ومواسير رديئة الصنع، وتوزعت الشبكة على جميع المناطق المذكورة واليوم تسكنها العناكب على مرأى ومسمع مواكب الحكومة، وحقيقة هذا المشروع اشبه بمسلسلات الأطفال الكرتون وتحول الى لوحة حديدية صلبة عليها اسم المشروع مع جهة التنفيذ والمقاول، كما تحول الى ملفات وقصاصات ورقية يتم نزولها من النيابة الى عناية السيد الجهاز المركزي، وتحول ما بين عشية وضحاها الى مزار تراثي يتغنى به المواطنون «كان زمان هنا مشروع»، حتى انه في هذا التحقيق لم نجد شيئا قابلاً للتصوير غير اللوحة وشبكة مواسير تشكو حالها.

< وتحدث الاستاذ عبدالحافظ عبدالرب حنش قائلاً: «لم نستفد من المشروع ولم نعرف من خبره غير الانابيب المتوزعة على قرية الحدب، وقد ترددنا مراراً على ادارة المشروع فأكدوا لنا أن منطقتنا مرتفعة على الخزان ومستحيل أن يصل الينا الماء، نفس المعاناة والحرمان التي اكتوت بها منطقة الجريبة كما هو واضح في مذكرة موقع عليها اكثر من 78 مواطنا من الاهالي يشكون عدم وصول الماء منذ افتتاح المشروع، موضحين تكسر الانابيب وصدأها وتعرضها للسرقة، فالمال السائب يعلم السرقة».

< الأخ أحمد حسن جوبح، أحد موظفي الادارة المحلية تم تكليفه بمنصب مدير للمشروع أكد لـ «الأيام» انه بحكم طبيعة عمله في الادارة المحلية عرض عليه ادارة المشروع وتشغيله بعد توقف، وتم توصيل الماء الى جميع المناطق باستثناء الحدب والجربية بحكم ارتفاعهما، مع توصيل الشبكة اليهما وعمل مع زملائه على تركيب عدادات لبعض المناطق وقد وقفت أمامهم صعوبات كثيرة منها أن ايرادات المشروع لا تغطي نفقة التشغيل وقيمة الديزل، وقد سلم المشروع في مارس 2000م مع رفع تقرير متكامل عن الصعوبات لقيادة المديرية.

< محمد صالح مكرد بسرة، من أهالي الشريجة، ابتسم ضاحكاً عندما سألناه عن مدى الاستفادة وكان جوابه: «وصل الينا الماء فترة محددة فقط ثم انقطع، وهناك قرى مجاورة لم يصلها أبداً، وتعرضت المواسير لجرف السيول وتحطمها في هذه المناطق».

< الاخ محسن ناصر غالب، تسلم ادارة المشروع، تقدم الينا في البداية بشكره الجزيل لمدير المديرية السابق محمد علي محسن يحيى، الذي بذل جهودا مضنية وتعبا سرمديا لانجاح المشروع وتخطي السلبيات التي لا ينكرها أحد والعمل على تجاوزها، وقال: ولكن وصلنا الى باب مسدود لعدم التزام القائمين على الضخ من البئر بمواصلة المشوار لغرض في نفس يعقوب، وعمل المشروع لفترات متقطعة، كذلك عدم تسليم الايرادات كان سببا من اسباب الانقطاع، وتعرض الشبكة الممتدة من كرش الى حدابة للصدأ والتكسر كذلك التخطيط كان غير سليم في توزيع الشبكة لأنه تم مدها في الوديان والاراضي وطريق السيول، واستمرت فترة ادارتي للمشروع سنة كاملة، والشيء الآخر الذي يمكن قوله أن بئر المشروع يتحكم فيها اشخاص لازالوا يبيعون الماء من هذه البئر .. بهذا المشهد وجدنا ان من أسباب تعثر مشروع مياه كرش الشريجة أنه قائم على مساومات مفضوحة عداً ونقداً عاجلاً غير آجل.

نيابة القبيطة اصدرت استدعاءت لعدد من مشايخ وعقال القرى المستفيدة من المشروع لغرض التحقيق في ذهاب أصول المشروع وسرقة عدد كبير من المواسير بعد تعثره، «الأيام» سألت وكيل النيابة ناصر القمع عن نتائج التحقيقات فأوضح انه «أحلنا عدة ملفات عن المشروع الى الجهاز المركزي ولديه ملف آخر لازال التحقيق فيه جاريا بحكم أن المشروع قائم على مشروع سابق فذهبت أصول المشروع السابق وتمت استعادة ما يقارب 80 ماسورة بعد سرقتها وأكبر عائق أمامنا وعدم تسليمنا وثائق خاصة بالمشروع من قبل السلطة المحلية رغم تعليمات محافظ المحافظة الامين العام والجهاز المركزي كما بين ان قضايا المال العام يتم احالتها للجهاز المركزي».

في الاخير لم نخرج بحصيلة كافية غير أن مشروع مياه كرش الشريجة تم ادراجه في خانة المشاريع المتعثرة في مديرية غارقة حد الاذقان في لجج الفساد وروائح الفضائح عابرة القارات ليعش مواطنو كرش الشريجة قلقين منزعجين مخنوقين بالقتامة والأسى.. مات مشروعهم بكبريائه وكبر تكلفته واصبح مجرد حبر على ورق في قاموس منجزات الوحدة وركام من الاحجار والمواسير محشوة بقشور الصدأ انتهى مخذولاً مقتولاً بدم بارد على خط عدن - تعز شاهداً بالإثم والعدوان على ما تسمى بدولة المشاريع التنموية نضعة أمامكم ايها السادة الأفاضل المختصون كمربعات الكلمات المتقاطعة أفقياً وعمودياً مطلب الغلابى والمقهورين من كرش وجارتها الشريجة لايجاد الحل الصحيح السليم في أسرع وقت ممكن أي قبل الانتخابات القادمة.

احد خزانات مياه الحيدين فارغ منذ عشر سنوات
احد خزانات مياه الحيدين فارغ منذ عشر سنوات
ابتسم عكسياًُ .. أنت في الهجر
عزلة الهجر إحدى عزل القبيطة وجدناها بحراً من الفوضى والصراخ المتلاطم .. أبناء الحيدين منسيون ضائعون مسحوقون تحت الحوافر.. استبشر الناس خيراً بوصول «الأيام» قائلين بلسان واحد: اول صحيفة تزورنا منذ عهد الثورة والجمهورية والوحدة هي صحيفة «الأيام». واتجهت خطواتنا الى مشروع مياه الحيدين..

< كانت البداية من الوالد محمد بشر الحاتمي ، وبعد التحية والسلام شرح لـ «الأيام» عن بداية المشروع ومكوناته وعذاباته: «المشروع افتتح منذ الثمانينات وكان للمنطقة اهتمام بحكم موقعها الحدودي سابقاً، ويتكون من مولد وبئر ارتوازي عمق 180 مترا وغرفة صغير فيها البئر وغزّال دينما قوة 50 خيلاً مع اربعة خزانات أحدها خزان الغربيبة وضع على نفقة الاهالي، ويستفيد من المشروع ما يقارب اربعة آلاف نسمة ومتوقف عن الضخ والتشغيل ما يقارب عشر سنوات بسبب شحة الامكانيات وقلة الايرادات وإهمال السلطة، ولدينا وعود من المجلس المحلي من عام الى عام باعتماد مليون ريال وحتى اليوم لم يصل المليون لترميم المشروع».

< فيما تحدث القائم بادارة مشروع مياه الحيدين محمد حسن علي ناجي مقدماً شكره لصحيفة «الأيام» على استضافتها وقال: «توقف المشروع منذ عشر سنوات بسبب عشوائية التخطيط في سحب الايرادات بدون سندات رسمية واستثناء البعض، ودخول اللجنة السابقة في المجاملة والمحاباة وعدم وجود ضبط. واسعى هذه الايام لانتشال المشروع بجهود عضو مجلس النواب عبدالجليل جازم، الذي قام بالمهمة واستغل مسئوليته في خدمتنا وعمل على توفير عدد من المواسير واستخراج مضخة جديدة سيتم تركيبها خلال الاسابيع القادمة، كما اقدم شكري لمدير المديرية أمين قراضة الذي بذل جهودا وانزل مهندسا لمسح المشروع ورفع تقريرا عن صعوبات المشروع، وأهيب بكل من عضو مجلس النواب ومدير المديرية مواصلة مشوارهما وانقاذ المشروع مما وصل اليه».

< وأثناء تنقلنا في ركائز المشروع وجدنا المواطنين يقدمون احترامهم ويثنون على رجل البصمات الخيرية عبدالجليل جازم الذي بذل سعياً مشكورا لتفادي وضعية المشروع المتردية، وهو رصيد محسوب في ملف هذا النائب البرلماني، وننقل هذه المشاعر كأمانة صحفية.. ولازال العمل جاريا للترميم وهو ما ستكشفه لنا الأيام القادمة.

< وعن حياة المواطنين وطلبهم للماء قال السيد عبدالرب علي كاشح: منطقتنا تعاني منذ توقف مشروع المياه من موجة جفاف شديدة وشحة مياه، خصوصاً هذه الايام،كما ان بعض البيوت لا تحصل على ماء الشرب الا بشق الانفس إما بشراء الوايتات من مدينة الراهدة أو بسفر المواطنين بحثاً عن مصدر حياتهم.

< وعلى نفس الصعيد تحدث الاستاذ نجيب أحمد علي مقاطعاً: «بعض الاسر لا يقدرون على شراء الماء فيذهبون مع أطفالهم ونسائهم منذ ساعات الفجر الاولىالى الآبار وهي في مناطق متباعدة ويقفون طوابير متراصة لغرف قليل من الماء الذي بالكاد يسد الرمق بعد تحمل الصعاب والمشاق العسيرة».

إذا الوضع في مشروع الحيدين لوثته أيادي الفاسدين وتعثر بسبب الادوات السيئة التي رمت به تحت مسمى «المشاريع المتعثرة».. كم هي المشاريع التي تدخل تحت هذا البند وكم هي المشاريع التي يتم تقاسم مخصصاتها بين المتابع والمهندس والمشرف والشيخ؟ وكم هي سعادة المواطنين حين يفرحون بتشغيل مشروع توقف عقداً من الزمن.

«يا سامعين الصوت»
- حين يربط المواطن المشاريع الخدماتية بالصراعات الحزبية عبر السنين، يكتشف المواطن الغلبان انه الخاسر الوحيد في معركة مفتوحة لا قرار لها ولا نهاية.

- خلف استار العزلة ودوائر الاهمال تمثل المشاريع المتعثرة نموذجاً فريداً للفساد .

- الحديث عن المشاريع المتعثرة يعني الحديث عن جبال من الصيحات والعذابات، لكنها لم تعصمنا بعد من طوفان القهر واللا مبالاة في عهد الوحدة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى