قراءة في راوية (طائر الخراب)

> «الأيام» محمد ردمان الشعبي:

> إذا كان الأدب في بعده العميق يعبر عن التجارب الإنسانية بصورة فنية جميلة، فإن رواية (طائر الخراب) للأديب حبيب عبدالرب سروري من الروايات ذات الرؤية الواقعية التي استطاعت أن تلامس معاناة الإنسان اليمني وتعرض بعض صوره، وعلى الرغم من أن الكاتب يعيش في المهجر (فرنسا) إلا أن ارتباطه بالوطن مهد الطفولة جعله يحمل معاناة أبناء جلدته معه، ومن خلال زياراته القصيرة للوطن بين الحين والآخر يشحن ذاكرته بمجريات الأحداث في هذا العمل الروائي البديع الذي استطاع النفاذ إلى وجدان القارئ اليمني.

وعلى الرغم من هذه الواقعية التي تكاد تكون تسجيلية، وكذلك البساطة في لغة الرواية، وعدم ميل الكاتب إلى الإيجاز في الجزئين الأولين من الرواية إلا أنها تعد إنجازا في سبيل تطور هذا الفن الأدبي في بلادنا، وبحق يكفينا الإطلاع على هذا الواقع الذي يمثل صورة من صور التعسف والقهر والمعاناة للإنسان.

يعد العنوان البؤرة المركزية لفهم النص «كما أنه ضوء يمد القارئ بموجه دلالي قوي، بل هو نص آخر على تخوم النص يدخل معه في علاقة جمالية أو صياغة دلالية»(1)، وعلى هذا يحتل عنوان الرواية اهمية خاصة وله بعد دلالي فماذا أراد الكاتب بطائر (الخراب) الذي يصفه «بالأسطورة يحرس باب مملكة الخراب يأكل جيفها ينقر عيون سكانها قبل التهام جثثهم»(2)، أهو الجهل الذي يتحكم بسلوك الإنسان تحت مسمى العادات والتقاليد البائدة أم هو الفساد الذي يسلم البلد مقدراتها ويقضي على كل شيء جميل؟

إن اختيار هذا الاسم بمرجعيته الأجنبية يشير إليه الكاتب أكثر من مرة وكأن هذا التكرار تأكيد على هذا الداء المتحكم بمصائر العباد.

صدرت الرواية في كتاب واحد مكون من 247 صفحة من الحجم المتوسط، ضمنه الكاتب أربعة أجزاء: الجزء الأول ملكة العصافير وهو لقاء الراوي بطلة القصة إلهام، والجزء الثاني نظرية الشهقة وفيه التحام جسدي بين البطلين وينتهي برحلتهما إلى البتراء ثم الفراق، والجزء الثالث العاب نارية رحلة البطل إلى عدن، والجزء الرابع رحلته إلى صنعاء وينتهي بعودته إلى مدينة الميعاد (م) حيث توارت الهام.

- باريس، البتراء، عدن، صنعاء هذه العناصر هي الفضاء المكاني الواسع للرواية التي تشير إلى المجتمع، البشر الذي تتحرك فيه الشخصيات، فكان اللقاء الحميمي في باريس لما تمثله من فضاء واسع للحريات وهو ما سمح للبطل باصطحاب معشوقته إلى كل الأمكنة بلا رقيب من طائر الخراب، ولكن ما دلالة اصطحاب معشوقته إلى البتراء أهو العودة إلى الانتماء الواسع لهذه الحضارة العريقة للإنسان العربي؟

إن شخصيات الرواية الرئيسية: البطل (الراوي) والهام وهناك شخصيات ثانوية مثل شهاب، اليس، خالد، حسن المرشدي، نعيم، وصديقته الأمريكية، صديقه الشيكي هي شخصيات ثانوية هامشية في الرواية وتمحورت أحداث الرواية حول شخصية محورية واحدة (الهام) الذي استأثرت بمجريات الأحداث في الرواية، فلم يشر إلى اليس الأثيوبية إلا عابراً وكذلك صديقته الأمريكية التي أجهضت جنينها ويصفها كارثية وهي تعكس الصورة اللا إنسانية للعلاقات غير الشرعية وحتى العلاقة مع الهام التي تدوم عشر سنوات تصاب بالعقم، بالرغم من أن الكاتب يحدد اللقاء يوم 22 مايو1990م ومعروف لدى قارئ الرواية دلالة هذا التاريخ، إن شخصيات الرواية عموماً لم تكن شخصيات نامية قابلة للتطور بل ظلت كما هي، وهي محكومة بصغر الاحداث في الرواية.

- قسم الكاتب المتن السردي للرواية إلى أربعة أجزاء، بينما تتابع الأحداث من الجزء الأول إلى الجزء الثاني يحيلها إلى جزء واحد، وكان إسهاب الكاتب في وصف الأشياء قد استأثر بالجزء الأكبر من الرواية إلى ص 135 وبدا الجزءان الأخيران من الرواية وكأنهما جزء واحد.

وتجدر الإشارة الى أن تعدد القراءات للرواية سيمنحها الثراء وسيكسبها قابلية لتأويلات شتى، وهو ما جعلني أرى في شخصية البطل وإلهام معادلاً موضوعياً للوطن الذي توحد في 22 مايو 1990م.

- إن أحد القوانين الرئيسية للواقعية هو ما يطلق عليه في ادبياتها (النمذجة- التنميط) ومن خلاله يتم التقاط (خبث الواقع) وفق لوكاش أو شيطانية الواقع حسب تعبير لينين. ووفق ذلك يمكن الكشف عن بنية اجتماعية بصورة فردية (3) وهو ما تجسد في شخصية إلهام وأختها نعيم «الطفولة هي أبشع سنوات حياتنا المقالي والطسوت الوسخة المتعفنة نجدها إلهام وأنا منذ المهد منذ أول العمر ليس لنا طفولة، انتهكت طفولتنا منذ البدء»(4)، إنها صورة من صور الاستلاب التي تنذر بهذا الواقع المرير الذي يقتل الطفولة في مهدها وتغدو الحياة الإنسانية مثقلة برواسب متعفنة، ويغدو الخراب في أبشع صوره «في مجتمعاتنا حجم الكارثة أكبر وأهول وأكثر تعقيداً، وتنوعاً بالضرورة، الكبت، الحرمان، الجوع والفقر حاجز الصمت والعار والتستر والاحتماء بالدين .. هم منبع كل الرذائل والفواحش، الطفلة أنثى رخيصة الثمن أيضاً.. لا قيمة لها»(5) إن ممارسة كل هذه الأشكال وتشعبها للوعي الجماعي واتخاذ الدين وعاء لها لفرض الهيمنة والتعصب ضد المرأة كي تظل آخر السلم الاجتماعي وفرض المجتمع الذكوري (مجتمع الرجال) تنذر بخراب يدمر النفوس ويمد مخالبه إلى كل شيء.

إن رواية طائرة الخراب في بعدها العميق تكشف عن ازمة حادة في واقعنا الاجتماعي.. أزمة العلاقة بين ما هو سائد وبين القيم الإنسانية النبيلة، فهناك الأطفال الذين ينتهكون جسدياً من أرباب أعمالهم وهناك الزواج السياحي الآخذ في الانتشار والذي أصبح يمثل معضلة كارثية للمجتمع وما هو أعظم من ذلك هذا الانتهاك الجنسي الذي تتعرض له الفتاة من محارمها(6).


هوامش:

1- مرايا نرسس، حاتم السكر، ص 65.

2- طار الخراب، حبيب عبدالرب سروري.

3- مدن الملح ارض السواد، عبدالرزاق عيد، نزوى العدد 38 ابريل 2004م.

4- طائر الخراب، حبيب عبدالرب سروري ص219.

5- المرجع نفسه ص 220.

6- ينظر المرجع نفسه، ص 220-221

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى