طرق عبدالرحمن ابراهيم..شعاع من نور في الزمن البهيم

> «الأيام» مازن سالم صالح:

> قليلون هم أولئك الشعراء الذين لم يقعوا في أسر السهولة الشعرية.. بالنسبة للتجارب الشعرية الحديثة.. والشاعر الاستاذ عبدالرحمن ابراهيم من اولئك الشعراء.. أو من هذه القلة التي اعتمدت في تجاربها على النغمة الموسيقية.. التي تنبئك عن وجود القافية في محاولة لعدم التفلت إلى التجريب المبهم أو الوقوع في القديم المطهم، وحاكت كل ذلك بأسلوب جلي وباستخدام يؤكد المقدرة الابداعية والموهبة الشعرية التي ليست بحاجة إلى شهادتي هذه.. وفي إطار لغوي يمازج بين الفصحى والعامية مع تكنيك متقن للصورة الشعرية حيث يضعها في السياق المراد بخبرة فنية.. لها مقوماتها الايحائية.. وبحسب الدوال الرمزية والتعبيرية المدرجة في السياق.

وعند هذه النقطة بالذات.. أتوقف عند قصيدة مختارة بعنوان «طرق» كانت قد نشرت في مجلة «الحكمة» بعدد نوفمبر 2005م، وكانت بمثابة شعاع من نور من ضمن الاشعاعات البهية للتجارب الشعرية في المشهد الشعري الحداثي في اليمن.. والذي تتداخل فيه حيناً.. غموض الابهام والتجريب.. بغموض الإيهام والتغريب في القضايا الابداعية والايديولوجية حيناً آخر.. حتى لتكاد تلتصق الصفة على كافة الصعد الحياتية.

«لكم طرق مذهبة.. ولي طرق يفيض الفقر من دمها../أبارككم لأن الحقد سيدكم/ أبارك ميعة التزييف في دمكم/ أبارككم» كحال كل شاعر أصيل وشعر جميل.. لم يغالِ الشاعر في الحداثة إلى نطاق المغامرة في التجريب.. بل ابتدر القصيده بتواصل حميم مع مجتمعه، وظل في جبهة الواقع صامداً.. مهموماً بقضايا أمته، وتقدم مجتمعه، التي تحد من انطلاقته المتوثبة والمتوهجة.. دوائر الاغلاق اللا واعية وسرايا الهدم الطوطمية.

وبعيداً عن جو النص فإن الإيقاع الشعري بتواصل اللازمة الموسيقية «الميمية» كقافية خفية.. قد تنبئ عن عنوان آخر للقصيدة لعله رئيسي أو قد يكون فرعياً، لتواصله بتكرار ظاهر في مفردة «ابارككم» والتكرار هنا بصيغة المبالغة.. التي تشي بالاحتقار والازدراء إلى حد السخرية والاستهزاء.

وتتواصل ضروب المباركة المتشفية بمفردات ساخرة.. تتعرض للقيم المنحلة المتجردة التي تنشأ في هوجة من الزمن وفي غفلة من التاريخ وتتبنى التمييع والتزييف عبر اللذة الرخيصة التي تتجندل خطاها وتعمى عن رؤية النفيس والشريف.

«أبارككم وأسالكم/ متى قد صرتم سادة/ كذا في غفلة صرتم كروشاً اصبحت حبلى/ وكان الجوع مزروعاً بأولكم وآخركم/ وكان الجهل يجثم في جماجمكم/ ابارككم ولعناتي تلاحقكم».

لعمري أن هذا لهو الشعر الحق.. ابهار.. دهشة.. تحريض.. ثورة وفورة من التجليات الشعورية وأوار مضطرم من المفردات الشعرية وغليان مشتعل من الصور المتداخلة..«ترقب، مباغتة، انتظار، مغامرة، توقع ..مفاجأة».

إلى غير ذلك من الارهاصات التي تصنع شعراً ينشأ عن التزام بقضية ما، حتى وإن جاءت في مجال الحداثة.. المهم هنا القيمة الابداعية فيها والمعطيات الشعرية الناتجة عنها.

كل ذلك وبحسب تصوري المتواضع.. قد وفق فيه شاعرنا الاستاذ عبدالرحمن ابراهيم.. وبنضج شعري، تبلور عن خلاصة تجاربه الشعرية في هذا المجال الذي أعده هو والشاعر الاستاذ عبدالرحمن السقاف وعبد الودود سيف ومحمد عبدالسلام منصور وغيرهم قلة كما اسلفت.. ممن يقفون في طليعة المشهد الشعري الحداثي على الساحة الابداعية اليمنية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى