مستقبل الصناعات النفطية

> «الأيام» م. سلطان عبده الشيباني:

>
وحدات تقطير الزيت الخام - مصافي عدن
وحدات تقطير الزيت الخام - مصافي عدن
لا يزال النفط يتربع على عرش مصادر الطاقة ويكاد يكون المصدر الوحيد للبتروكيماويات، المادة الأساسية لصناعة اللدائن Plastics مثل «الإيثلين Et والبروبلين Prوالستيرين» على سبيل المثال لا الحصر، والتي نحصل منها على المتماثرات Polymers أحادية الجزئية أو مشتركة الجزئيات، ومنها تصنع اللدائن بجميع أنواعها، والتي أصبحت لا يمكن تصور الحياة المعاصرة بدونها، ولازالت تزحف لتحل محل غيرها من المواد، فمنها تصنع معظم ملابسنا، وأدواتنا المنزلية والصناعية، والأبحاث تنبئ بالمزيد من الخصائص الميكانيكية والفيزيائية لـ (اللدائن)، أي يمكن مستقبلاً إنتاج لدائن بقساوة الفولاذ وتتحمل درجات حرارة تزيد على (100ْم)، مما يؤهلها لتحل محل أجزاء في محركات الاحتراق الداخلي، ناهيك عن ولوج البتروكيماويات الحقل الطبي، وقد أصبحت قادرة على تلبية حاجة المئات من ملايين البشر التي تزداد يومياً بمعدلات تفوق الموارد الطبيعية المتاحة بكثير، وقد جعلت اللدائن حياة البشر أقل كلفة وأيسر بكثير، علماً أن هذه البتروكيماويات لا تمثل أكثر من 10% من النفط المستخرج من باطن الأرض، ويذهب معظمه - النفط- للحرق، وإنتاج الطاقة.

لقد بينت دراسات قام بها المعهد الفرنسي للبترول واستناداً إلى المعطيات الحالية لاستخراج وإنتاج واستهلاك النفط، ومعدلات الزيادة في الاستهلاك الموازي للنمو الاقتصادي العالمي، وبناءً على الاحتياطي المؤكد من النفط، فإن النفط يمكن أن ينضب بحلول 2060م، وأمام هذه التنبؤات المبنية على المعطيات الحالية يخطط العالم المتقدم لضرورة الاعتماد على مصادر بديلة للطاقة لعدة أسباب اقتصادية وسياسية وبيئية، فعلى سبيل المثال أعلن الرئيس الأمريكي الحالي «جورج دبليو بوش»، أن الولايات المتحدة ستبني المزيد من المحطات النووية، لتقليل الاعتماد على المصادر الخارجية للطاقة، وتخطط ألمانيا للحصول على 60% من حاجتها من الكهرباء من طاقة الرياح بحلول عام 2020م، علماً أن الإنتاج العالمي من الكهرباء الرياحية بلغ في نهاية 2003م نحو 40 ألف مليون واط(GW40) وهذا الرقم يمثل 54.0% من الإنتاج الكلي من الطاقة العالمية، تستأثر ألمانيا بـ 40% من إنتاج الكهرباء الرياحية في العالم، علماً أن الإنتاج العالمي من الطاقة قدر نهاية 2003م بنحو واحد مليار طن مكافئ من النفط) (1Gtoe ولا تزال كلفة إنتاج وحدة الطاقة (الوات) ...$/w] من النفط أقل من كلفة المصادر الأخرى، إلا أن هذا الفارق يتقلص، وحسب القراءة الحالية لمعدلات انخفاض تكلفة إنتاج وحدة الطاقة من المصادر البديلة «المتجددة» فإنه في عام 2015م، سوف يتقدم هذا الفرق وستتساوى التكلفة لإنتاج وحدة الطاقة «الوات» من المصدر الأحفوري (نفط، فحم، غاز) والمصادر المتجددة، وبعد (2015م) سوف تقل كلفة إنتاج وحدة الطاقة من المصادر المتجددة عن كلفة إنتاجها من الوقود الأحفوري، وبالتالي سيبدأ تقلص مبيعات النفط كمصدر للطاقة، وستواجه الدول التي تعتمد اقتصادياتها بدرجة أساسية على النفط وضعاً صعباً، خاصة وأنها لم تقم بما يجب من بناء بنية تحتية واستغلال موارد النفط لبناء قاعدة اقتصادية غير تابعة بشكل مطلق لتقلبات أسعار النفط، وستواجه الدول المنتجة وخاصة العربية وضعاً مأساوياً، ما لم توجه الموارد نحو أبحاث تحلية المياة وامتلاك تقنيات استغلال الطاقات المتجددة والتي تستأثر الدول العربية جميعها بأعلى معدل إشعاع في العالم (3000kw/m.year) إلا أنه في المقابل حين تنخفض أسعار النفط باعتباره مصدرا للطاقة أمام المصادر المنافسة الأخرى، سوف يحافظ النفط على الهيمنة على الحياة المعاصرة باعتباره مصدرا للبتروكيمياويات بلا منافسة، وعليه ينبغي على العرب قراءة المستقبل بشكل جيد واستشرافه بوضوح والحفاظ على هذه الثروة العظيمة التي ينصح العلماء بعدم حرقها وإهدارها، ينبغي عليهم بيع نفطهم بشكل مكرر«مشتقات نفطية» والمشتقات النفطية هي بدورها مواد خام لمواد بتروكيمياوية، فعلى سبيل المثال يمكننا الحصول من الـ(naphtha) روح النفط على سلسلة من المواد الأولية للصناعات البتروكيميائية، والحصول على مواد ذات طبيعة مدنية وعسكرية، يجب على العرب عدم بيع النفط الخام مطلقاً، أي بيعه بشكل مشتقات نفطية وهذا يعني بناء عشرات المصافي الضخمة ذات الإنتاجية العالية، وتأسيس الصناعات البتروكيميائية، وهذا من شأنه أن يقضي على البطالة بين الشباب العربي ورفع المستوى المعيشي للفرد العربي وتحسين ظروف حياته، وهذا سيقود إلى زيادة الدخل على المستوى القومي والفردي، لقد قدر أنه لتحسين الظروف المعيشية للفرد العربي نحتاج إلى 600 مليار$، علماً أن الأموال العربية المودعة في البنوك الغربية والمحركة لاقتصاد العالم الغربي تناهز ألف مليار دولار «واحد تريليون دولار» ولو قدر واستثمر نصف هذا المبلغ في بناء المنشآت النفطية، القادرة على استيعاب وتكرير كامل النفط العربي المستخرج، والدخول في الصناعات البتروكيميائية على نطاق واسع لتضاعفت المداخيل العربية، وتمكن العرب من بناء اقتصاد قوي لا تهزه المضاربات الدولية والأزمات المفتعلة الهادفة إلى سحق اقتصاديات الدول النامية، وجعلها تابعة للاقتصاد الغربي المبني على استنزاف ونهب ثروات الشعوب بشتى الطرق والأساليب الملتوية، ولا يسر العالم الغربي أن يرى شعوب العالم النامي وهي تمسك بمقاليد أمورها الاقتصادية وتدير شؤونها بكفاءة ونجاح واقتدار.

إن الطريق إلى صناعة نفطية متكاملة بدءاً من التصفية والتكرير مروراً بإنتاج البتروكيمياويات «المواد الأساسية» وانتهاءً بتصنيع كل متطلبات الحياة المعاصرة، يمر من خلال قرار سياسي سيادي أولاً ومن ثم تهيئة الإنسان وهو الثروة الحقيقية غير القابلة للنضوب، وهو غاية ومنطلق الحياة، وتهيئته فنياً ومهارياً وعلمياً لكي يكون قادراً على إدارة وتشغيل وتطوير الصناعات النفطية، وهذا بالطبع سيؤدي حتماً إلى إلغاء التوترات السياسية والاحتقانات الاجتماعية التي تنشأ عن سوء إدارة الثروة وتوزيعها، وتهميش قطاعات واسعة من شرائح المجتمع، وهي طاقة كامنة هائلة لو كانوا يعلمون. إن الفقر وسوء الإدارة وتبديد الثروة على أيدي منعدمي الحس الوطني والقومي والديني، تربة خصبة لدعاوى العنف والأفكار المتطرفة. وإن الأموال الطائلة التي تنفق لحراسة منشأة نفطية «بئر نفط، مصفاة تكرير، خزانات» لو صرف الجزء الأكبر منها لتأهيل وتشغيل الشباب وبناء المزيد من المنشآت النفطية التي تغطي كامل إنتاج النفط في الحقول لكان ذلك أسلم وأوفر ولقطعنا الطريق على كل من يريد بنا شراً مستغلاً استفحال الفقر والعوز. والصناعات النفطية هي من الحساسية بمكان بحيث تجعل العالم يهتز لأبسط حادث فيها وخاصة إذا حمل هذا الحادث أبعادا ومضامين سياسية، وكلنا رأى كيف زادت أسعار برميل النفط بمقدار دولارين فور سماع نبأ مهاجمة منشأة نفطية «مصفاة تكرير» في 24/2/2006م، وكيف يحبس العالم أنفاسه حينما يرتفع أخبار اجتماع وزراء «الأوبيك» في حين لا يعنيه شيئاً اجتماع الرؤساء العرب في مؤتمرات القمة. علينا أن ندرك تماماً أن الاعتماد على الذات في استخراج وتكرير النفط وبناء المنشآت البتروكيميائية ثمنه ليس هيناً، ومعظمنا يدرك إلى أين قاد رفع شعار «بترول العرب للعرب» الذي رفع في سبعينيات القرن العشرين حينما أقدم العراق على تأميم نفطه من الشركات الأجنبية.

وكلنا يرى ماذا تواجه فنزويلا بقيادة شافيز حين أدارت ظهرها للشركات الأجنبية، ولكن علينا أن ندرك أن بناء الإنسان هو الضمان الأكيد لتمكيننا من الاعتماد على الذات، ونحن في اليمن نحتاج إلى خمس مصافي بحجم مصفاة عدن لتكرير كامل نفطنا وبيعه كمشتقات، واليمن يتمتع بموقع جيو سياسي متميز يمكن أن يكون المصدر الأول لشرق أفريقيا ويصبح شرق أفريقيا السوق الواسعة أمام الإنتاج اليمني، وهذا من شأنه إلغاء الجزء الأكبر من البطالة في اليمن، وبالتالي استقرار الأوضاع المعيشية ورفع مستواها بين أفراد المجتمع.

مهندس في مصفاة عدن

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى