أيــام الأيــام..حيث حريتي ثمة وطني

> محمد علي محسن:

>
محمد علي محسن
محمد علي محسن
ما لم يُحرر المواطن اليمني من أسر الخوف ستظل الديمقراطية والتعددية والتداول السلمي للسلطة ودولة النظام والقانون وغيرها مجردة من قيمتها وبلا معنى يذكر، إلى أن يتحرر الإنسان في هذا البلد من عقدة الخوف المزمنة والمهيمنة على إرادته وتفكيره ومعيشته وحريته فلا أجزم أن ثمة آمالاً وطموحات مرجوة في الإصلاح أو التغيير للأفضل مادام هاجس وشبح الخوف يلاحقان هذا المواطن ولو بنسبة متفاوتة ما بين شخص وآخر، جماعة وحزب، منطقة ومحافظة، جريدة ومطبوعة، فكما هي المقولة الشهيرة لفولتير الفرنسي (لا وطن حر دون مواطنين أحرار) فلا مناص من التأكيد على حقيقة الحاجة القصوى لممارسة الحرية، ليس فقط على مستوى الخطاب الإعلامي والسياسي والنخبوي بل يتعدى ذلك إلى كل مناحي الحياة.

الإنسان في هذا البلد ما زال خائفاً على ذاته وعلى معاشه ووظيفته وحقوقه، لذلك لا يمكن المراهنة عليه في الحاضر أو المستقبل إلا في حالة الخلاص من عقدته المزمنة (الخوف)، والمطلوب من الأحزاب والنخب السياسية وأصحاب الرأي والكلمة الشريفة ورجال الوعظ والقضاء وغيرهم، تحرير هذا الفزع الأكبر أولاً من شرك اسمه الخوف فبدون تخليصه من قيود موروث طويل وثقيل لهذا الفزع الأكبر تبقى كل الأطروحات والأفكار والممارسات الديمقراطية والحريات لا جدوى منها أو نفع مادام الأصل الذي هو الإنسان فاقد الأهلية في التعبير عن إرادته ورأيه بشجاعة وتجرد ودونما خشية من أحد أو مسئول أو حزب.

الخوف يضع أجنحة للنعال، هذا القول المأثور لفرجيل يتطابق مع واقع الحال كما أن لسينيكا أيضاً حكمة شهيرة بهذا الشأن مفادها أن الشجاعة تقود الإنسان إلى النجوم فيما يقود الخوف إلى الموت، ولا أدري عن أية مراهنة يتحدث ويخطب هؤلاء الذين نسميهم دعاة الحداثة والعصرنة إذا كانت الأحزاب السياسية نفسها بقياداتها وبصحفها وأطروحاتها لم تبارح مخاوفها؟ كيف للمواطن البسيط أو الموظف أو المثقف أو الصحيفة مغادرة هذه الذهنية الخائفة والسلوك الخائف إذا لم تحرر بعد الطليعة الفكرية والسياسية من مخاوفها وفزعها؟! لا أحد يحب قيوده ولو كانت من ذهب بحسب قول أطلقه إبراهام لنكولن، إذ إن الإنسان مفطور على الحرية التي هي (أثمن ما في الوجود وثمنها باهظ ومكلف) والقول للشاعر اللبناني الراحل ميخائيل نعيمة، وأعجب كل العجب من إغفال أو تجاوز حقيقة أن الحرية مقدمة على جميع الأشياء بما في ذلك الوطن فحيث تكون الحرية يكون الوطن وحيث حريتي ثمة وطني وفقاً والمثل الفرنسي.

علينا جميعاً إزالة الخوف من أنفسنا وعقولنا وأحزابنا وصحفنا وأذهاننا وحياتنا وحرياتنا وانتخاباتنا فأن يموت الإنسان جوعاً وهو حر خير من أن يعيش عبداً وهو سمين، وهذا المثل الإنكليزي أجده تعبيراً مناسباً عن الأوضاع البائسة ويراد إصلاحها وسبر غورها بإنسان خائف ومكبل بتعقيدات شتى اجتماعية واقتصادية ووظيفية وقبلية وقضائية وحياتية لا حصر لها وما زالت عقبة كأداء أمام مسألة التطور الديمقراطي والتنموي والحداثي، وما لم يتم إخراجه أولاً من حالة الخوف المهيمنة على تفكيره وسلوكه لا يجدر بنا التعويل عليه في صناعة المعجزات في الاستحقاقات الانتخابية أو غيرها من الاستحقاقات الديمقراطية والحقوقية، وعلى قادة الرأي والفكر السياسي المعارض أو الحاكم وعلى حملة الأقلام وكل الشرفاء المنافحين لأجل الحرية والعدل والمساواة إدراك حقيقة واحدة وهي أن الخوف لا يبني أوطاناً ودولاً وإنساناً بل يدمرها ويقتلها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى