قصة قصيرة بعنوان (المسلوب)

> «الأيام» محمود المداوي:

> كعادتها.. تتصدر صاحبة الحكاية مجالسنا. نلوكها. نمضغها وكثيراً نلوذ بعبيرها، وكثيراً نظن إنا نتنشقها ونتهاداها حرثا ووفاء. بينما هي تفعل بنا كل ذلك. نكتشف هذا بعد أن أدركنا القطار.

كعادتها، صاحبة الحكاية تأخذ لنفسها فينا وضعاً يلفت الأنظار. لماذا؟ لأنها هي صاحبة الحكاية وهي صاحبة المكان وهي الزمان الذي ليس له صاحب.. أواه.. منذ عرفتها أنا وهي محط أنظار، يتشاطرني فيها حلم أزلي. ويبقى سؤال. لماذا تنقش فينا نظرات ظاهرها ود وشفافية وما وراءهما إنكار وروائح تزكم الأنوف فواحة بحقد الساسة وقبلهم التجار؟ صرت أنا وصاحبة الحكاية والسؤال والحلم في سوق المال المجنون مستلباً.

كعادتها - صاحبة الحكاية- رغم الوجع ما تزال تعصب رأسها بوشاح أخضر وتلف جدائل شعرها بخيوط غزلتها شمس بلادي: يا سبحان الله! لا فرق بينهما وكأنهما واحد، بحر بلادي وهذه صاحبة الحكاية وأنا بينهما يتقاسمني السؤال- الحلم - ما بين الميلاد والاستلاب.

-2-

قتلتني «أنا» كما قتلت مثلي أمماًً بقيت قبائل لا تتعارف، وما برحت تبحث في ضباب شفافية هذا الزمان عن حلمها المفقود. وأنا ما زلت في انتظار القول الفصل من صاحبة الحكاية متسولاً الإجابة على سؤال «هل ما يزال في حلمي مرام؟».

-3-

هو السؤال. حلمي الذي يداهمني حيثما أكون «لم هم بأحلامنا لاعبون؟»، مائة عام من العزلة وأخرى مثلها مرت «حذلقة». هو الشوق نلفاه في تراب الأرض وفي عيون الأطفال. يتربص بنا وينازعنا إلى حلمنا المفقود. نتوق إليه كتوق سجين من حبسه إلى هواء وماء غير مسموم: «هل لنا بهذا. هل لنا بهذا؟».

وتسخر مني صاحبة الحكاية. تغمغم بهمس هادر يملأ القيعان والذرى: «أيوجد هنا سواه؟» وكأني لا أسمعها. استجرت بحلمي. هاجت بي اللحظة إلى لحظة غير. يلاحقني ازدراء صاحبة الحكاية «احلم .. احلم يا مسكين» وكأنها تعرف كم هو حلمي عبثي. وغادرتني دون تعليق. رأيتها تتركني هشيماً إلا من جذوة على رصيف ملت فيه أحلام الأمان.

-4-

يرحل صوتي إليها ممجوجاً بسعير الكلمات وتشظي الحلم. أنفجرُ ويأتيني صوت كأنه صوت صاحبة الحكاية دون أن أراها. جاءني قوياً يخترق حجب الواقع ويشق للحلم السؤال طريقاً: «بني قومي اجعلوا من أحلامكم أجوبة وأفعالاً على أرض الحقيقة»، يتلاشى الصوت. يبقى رجعاً يهز الوجدان ولأول مرة لم أشعر بأني مسلوب وأن صاحبة الحكاية لا يأس لديها مني.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى