في قضية الجنوب.. تعددت المفاهيم والجوهر واحد

> أحمد عمر بن فريد:

>
أحمد عمر بن فريد
أحمد عمر بن فريد
تهرب دبلوماسية السياسي إلى الأمام حيناً، وتتراجع إلى الخلف حيناً آخر، وتلجأ إلى المراوغة في أحيان أخرى، حينما تتعرض لسؤال صحافي يبدو في باطنه وفي ظاهره أيضاً، أنه من العيار الثقيل الذي ينشد الإجابة الصريحة الواضحة. فيعمد السياسي في هذه الحالة إلى أسلوب التحايل والالتفاف على السؤال من خلال إجابات يغلفها التعميم والتعويم.. ليترك التفسير والتحليل للقارئ والمتلقي (الكريم).. في حين تبقى القضية موضوع الحوار، في حجمها الطبيعي ذاته على أرض الواقع دون أن تزيدها الإجابات الدبلوماسية أو تنقصها شيئاً.. لا في قيمتها ولا في حضورها، كاستحقاق سياسي مطروح على الأجندة الوطنية.

وربما أن (قضية الجنوب) تعتبر من هذا النوع من القضايا الملتهبة التي نتحدث عنها، فهي واحدة من أهم وأبرز القضايا السياسية الوطنية وأكثرها سخونة وحضوراً في وقتنا الراهن، على اعتبار أن حضورها بات يشكل علامة فارقة وواضحة على السطح السياسي اليمني في السنوات الثلاث الأخيرة على الأقل، حتى باتت هذه القضية (تحديداً) حاضرة بشكل دائم وقوي في مختلف الحوارات السياسية على مختلف المستويات والأصعدة، وقلما نجد حواراً صحفياً يجري مع هذا القيادي السياسي أو ذاك - كبر شانه أو صغر - إلا ويطرح عليه السؤال ذاته (الدائم - الحاضر) المتعلق بالقضية الجنوبية.

فما بين الشطط الجامح في التعاطي مع هذه القضية (تعريفاً ومفهوماً وحقاً) من جانب، والتجاهل التام لكل مكوناتها وجذورها والاستهزاء والسخرية منها ومن طارحيها من جانب آخر، يتحدث الجانب الثالث منا حول هذه القضية، بنوع من المنطق والعقلانية والواقعية السياسية الممكنة.. فها هو السيد عبدالرحمن الجفري- على سبيل المثال - يتحدث عنها بعقلانية الفكر السياسي الرابطي، ويستخدم لغة الدبلوماسية بطريقة ذكية وقاطعة حينما يقول: «إن الأرض قد توحدت ولكن الأنفس البشرية تتشظى!!» ثم يدعو في حديثه إلى الالتفات الرسمي إلى هذه القضية باعتبارها قضية وطنية خطيرة، تخص كل أبناء اليمن الواحد بلا استثناء.. وفي الاتجاه نفسه تقريباً نجد أن أستاذنا العزيز الدكتور ياسين سعيد نعمان (يقترب) منها حيناً فيلامسها، و(يبتعد) عنها في حين آخر فيجافيها.. وإن كنت أعتقد أن جميع المفاهيم التي يتحدث عنه السيد نعمان، في مختلف مقابلاته الصحفية، حتى وإن تعددت ألوانها ما بين الفاقع والباهت، إلا أنها تبدو قابلة للصرف من شباك واحد.

ولعل الشيء الجميل فيما يخص هذه القضية الوطنية وشجونها، أن وجدنا (مؤخراً) وبعد طول انتظار، بعض القيادات السياسية التي شاركت في الحرب المشؤومة صيف العام 94م من الطرف المنتصر عسكرياً بحسابات (الأنا) وليس بحسابات (الوطن).. من فضل أن يصغي لما نقول ونتحدث به، بقلوب ودودة وعقول مفتوحة، وأعتقد أن هذه القيادات قد أدركت مكمن خطئها في فهم القضية الجنوبية، واعترفت في لحظة الحقيقة بجزء من مكونات ما نقول به ونزعم، ونعتبر أن هذا القبول في الانفتاح على الآخر الوطني تقدماً يستحق الإشادة والتشجيع.

إن قضية الجنوب - في رأيي الشخصي - لا يمكن اختزالها أو فهمها في مجرد المطالبة بإزالة آثار حرب 94م، ولا بمجرد إعادة المبعدين من وظائفهم - العسكرية والإدارية - وهم بالآلآف، ولكني أعتقد أن جميع تلك المطالب العادلة لا تتجاوز في حقيقتها حدود (النتيجة الطبيعة) لأزمة سياسية سابقة لمرحلتي الأزمة والحرب.. ولا أرى أنه من العيب علينا كيمنيين، خاصة ونحن نتحدث اليوم بإعجاب عن تجربة الصين الشعبية، وكيفية تعاملها مع حالة (هونج كونج) الخاصة، أن نتعامل مع الملف اليمني الداخلي ذاته وهو (القضية الجنوبية) بالروح الوطنية الحضارية ذاتها التي نحسد الصينيين عليها، ولا نستطيع أن (نقتبس) منها ما يمكن أن يضمد جراحنا المزمنة الخطيرة.

newaden @yahoo.com

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى