حينما تستفزنا (السياسة) أكثر من (الكهرباء)

> أحمد عمر بن فريد:

>
أحمد عمر بن فريد
أحمد عمر بن فريد
ربما أن عملية قطع التيار الكهربائي، وتقطيع أوصاله مرة واحدة أو مرتين يومياً على الأقل في مدينة عدن، والتي تتم بطريقة منظمة ومحسوبة، أو كما وصفها وزير الكهرباء مؤخراً بأنها نوع من أنواع (إدارة العجز).. لم تعد المسألة الوحيدة القادرة على استفزاز مشاعرنا ودفعها إلى الحنق والانفعال، إذ إن التصريحات الرسمية التي تطل علينا بين الحين والآخر من هنا أو هناك، محملة بالكثير من المغالطات والتناقضات التي - وإلى حد بعيد - تستخف بالعقل البشري النزيه والمنطق والسليم، باتت تشكل هي الأخرى بالإضافة إلى المقالات شبه الرسمية (العابرة للقارات) مصدراً جديداً لاستفزاز المشاعر وتوليد الحنق والانفعال.

الأستاذ العزيز فيصل جلول، كان عليه بطبيعة الحال - وهذا من حقه - أن يصطف كما كل مرة إلى الصف ذاته الذي تعود على الاصطفاف معه وإلى جانبه طالما وقد حدد خياراته وقناعاته الشخصية.. وله بطبيعة الحال وفقاً لذلك مطلق الحق والحرية في دعم هذا الطرف ونقد الطرف المقابل بما يراه من وجهة نظره سليماً ومنطقياً، ولكنني أعتقد أنه يبقى من صميم حقنا وواجبنا أيضاً أن نفند هذه الأقوال ونكشف تناقضاتها مع مكوناتها ومع الواقع المعاش، خاصة حينما تذهب مضامينها إلى حد المساس بمسلمات وحقائق أكيدة.. نعلم يقيناً أنها (أكيدة) ولا نعلم إن كان الزميل جلول يعي أنها كذلك أم لا..؟ سواء بحكم إقامته في باريس البعيدة عن أرض اليمن وواقعه، أم بحكم مصدر المعلومات، التي على أساسها ومن خلالها تكون كتاباته في الشأن اليمني المعقد.

ففي معرض انتقاده الصريح لتصريحات الأخ محمد قحطان (الأخيرة) التي ذكر فيها أن ممارسة الفساد بهذا الشكل هو عامل انفصال في المحافظات الجنوبية، وأن السيد علي سالم البيض لم يكن انفصالياً بقدر ما كان محارباً للفساد.. أورد الأخ فيصل في مقالة له بجريدة «26 سبتمبر» الرسمية الصادرة يوم الخميس الماضي عدة احتمالات قال إن على قحطان مواجهتها تبعاً لما (ادعى) في تصريحه، وجاء في الاحتمال الثاني، بحسب رأي جلول - بطبيعة الحال- حرفياً ما يلي: «إن القيادي الإصلاحي اكتشف أن الفساد هو الانفصال، وأن اليمن يعيش حالة أو حالات انفصالية بسبب الفساد، ما يستدعي من الأخ محمد قحطان قتالاً هذه المرة إلى جانب السيد البيض بوصفه زعيماً (وحدوياً) أعلن الانفصال من عدن عن الفساد وليس عن الجمهورية اليمنية كما يوحي التصريح، لكن في هذه الحالة - وهنا بيت القصيد - سيكون قحطان مضطراً لحل مشكلة عويصة أخرى وهي أنه (دحباشي) في نظر هذه الشريحة من (الوحدويين) تماماً كمؤسس الحزب الاشتراكي اليمني عبدالفتاح إسماعيل الذي عاش ومات (دحباشياً) بحسب شهادة قريبه سعيد الجناحي».

يبدو واضحاً فيما ذكر أعلاه، أن أخانا العزيز فيصل جلول، أراد - لأسباب تخصه - أن يجعل من مجرد مقولة لشخص سعيد الجناحي (وثيقة تاريخية) يمكن أن يستخدمها من يريد - ومنهم جلول بطبيعة الحال - حينما تلزم الحاجة والضرورة، للاستشهاد (العبثي - المجحف) على عدم وحدوية (شريحة واسعة) من أبناء الجنوب!! والغريب في الأمر أن الزميل جعل من هذه المقولة قنبلة ناسفة لكل قناعاته الذاتية التي رصع بها كتابه الشخصي الموسوم بـ (اليمن.. الثورتان، الجمهوريتان، الوحدة) الذي ذكر فيه وفي الصفحة (17) حرفياً ما يلي: «بعد مضي أكثر من عشر سنوات على رئاسة الشعبي وخليفته سالم ربيع علي (سالمين) تولى السلطة في عدن عبدالفتاح إسماعيل، الذي ينتمي إلى منطقة الحجرية الواقعة في شمال اليمن، وقد عاش وترعرع في جنوب اليمن (وسط عشرات الآلاف من الشماليين) النازحين هرباً من الحكم الإمامي أو بحثاً عن الرزق»!!

وهنا.. يبرز أمامنا السؤال المنطقي التالي الذي يقول: ترى أي (نفس انفصالي) هذا الذي يزعم جلول أنه متأصل لدى شريحة من أبناء الجنوب، والذي يمكنه أن يسمح لشخصية كعبدالفتاح إسماعيل أن (تحكم) الجنوب كل الجنوب.. إذا كان زملاؤه (الجنوبيون) لا يرون فيه سوى مجرد (دحباشي) بحسب سعيد الجناحي وتأكيدات جلول ؟! أو كيف يمكن لهذا (النفس الانفصالي) أن يقوم في مرحلة غاب فيها العقل، بتشريد (عشرات الآلاف من الجنوبيين) من وطنهم خارج الجنوب لأسباب كثيرة يعلمها جلول وغيره بكل تأكيد، في زمن كان فيه عبدالفتاح فاعلاً في قرارات التشريد للجنوبيين من وطنهم؟!

ولربما يكون غريباً ومستغرباً في كل هذه الدراما اليمنية، أن هؤلاء النازحين والمشردين من أبناء الجنوب إلى شمال الوطن، لم يسمح لهم (النفس الوحدوي) في صنعاء أن يحملوا مجرد بطاقات شخصية أسوة بإخوانهم المواطنين من أبناء الشمال، ناهيك عن حلمهم بمعاملة تتماثل مع ما يلقاه أبناء الشمال في الجنوب!! وعلى عزيزي جلول إن أراد التأكد من هذه الحقيقة الدامغة، أن يخبرني برقم فاكسه الشخصي حتى أبعث إليه بصورة بطاقة شخصية لأحد الرموز الجنوبية، التي حصل عليها من صنعاء بعد أن استقر بها إثر خروجه القسري من الجنوب وقد كتب عليها (جنوبي مقيم في صنعاء)!! وهي حالة انسحبت على الأغلبية الساحقة من أبناء الجنوب هناك. كما أنني على يقين تام أن جلول - ومن يمكن أن يعاونه - سيعجز عن إيجاد بطاقة مماثلة لمواطن يمني كتب عليها (شمالي مقيم في عدن)!!

ويبقى منطقياً أيضاً في آخر الأمر أن نطلب من الأستاذ فيصل تفسير مقومات (النفس الوحدوي) لدى تلك الشريحة العريضة التي اعترضت على الوحدة اليمنية من شمال الوطن، وهي شريحة تضم (رموزاً كبيرة وكثيرة) لا بد أن جلول يعرفها ويعرف موقفها في ذلك الوقت من وحدة اليمن.

ثم عليه بعد ذلك أن يفند لنا الأسباب والعوامل (الحقيقية) التي جعلت من تلك الشريحة السياسية تغير موقفها وحالها من الوحدة اليمنية؟ وكيف باتت اليوم تحمل لواءها وتوصم غيرها من الوحدويين الحقيقيين بتهمة (الانفصالية) إذا ما طالبوا بحقوقهم المشروعة المصادرة، أو إذا ما تساءلوا عن وجودهم الفعلي في دولة الوحدة.

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى