القضاء وضمانات الاستثمار

> القاضي/ سمير عبدالله شوطح:

>
سمير عبدالله شوطح
سمير عبدالله شوطح
أحادية النظرة للمواضيع والمسائل هي أحد العيوب المتكررة والدائمة في بلادنا.. والأكثر خطورة حين يتعلق الأمر بأصول جوهرية وقواعد أساسية تختص بتنظيم البناء المؤسسي للدولة والمجتمع.. وما حثني للخوض في هذا الشأن، إن لم أقل ما استفزني هو ما طالعته عن التحضير لعقد المؤتمر الأول للاستثمار والتنمية البشرية.. وليت الأمر اقتصر على المؤتمر بذاته على ما انطبع لدى الكثير من الناس بشأن المؤتمرات.. إلا أن ما ورد بشأن ما أسمي بإنشاء المحاكم الاستثمارية واعتبارها أحد المحاور النوعية بالنسبة للقطاع الاستثماري باليمن، وهنا بيت القصيد، حيث تكمن النظرة الأحادية في تقييم الاوضاع والنصف أحادية في وضع المعالجات والحلول! إذ لا معنى ولا أثر - بتقديرنا المتواضع المنطلق من تجارب واقعية ومباشرة - لإنشاء مثل هذه المحاكم، فالحل الجوهري هو خلق الظروف المادية الحقيقية والملموسة لتشكل مصدر جذب واقعي للمستثمرين، ومن ثم خلق الظروف والضمانات القانونية.

لقد برهنت الوقائع أن تكرار التعديلات على القوانين الاستثمارية لم يجد، ولم يكن من المتوقع أن تحقق تلك التعديلات وحدها أي نتائج ملموسة.

نحن نتفق تماماً مع وجهة النظر القائلة بأن وجود قضاء قوي وفاعل وعادل وسريع.. وتطوير وسائل غير قضائية لحل المنازعات ذات الطابع الاستثماري والتجاري عموماً مثل: التحكيم والتوفيق والتسوية، لا يمكن إلا أن يكون واحداً من أهم عوامل الجذب للاستثمارات والمستثمرين، لكن التجارب والوقائع أثبتت أن ضيق الأفق والنظرات القاصرة التي تعول على تسمية وتخصيص التخصيص في المحاكم، يمكن أن تحقق وبصورة سحرية مصادر جذب لاستثمار مزعوم!! بل إن الواقع عكس ذلك تماماً فمثل هذه التوسع للمحاكم لا يتعارض فقط مع الأصول والقواعد الدستورية المتمثلة بالمادة (48) من الدستور النافذ التي نصت: (القضاء وحدة متكاملة ويرتب القانون الجهات والدرجات القضائية..).

هذا هو الاتجاه الصائب والمميز الذي تدعو إلى إعماله دعوات فقهية: دستورية وحقوقية في نظم قضائية عريقة.

نحن ندرك تماماً أن حسن النوايا قد يكون دافعاً للبعض لطرح بعض المقترحات، إلا أن حسن النوايا وحده لا يحل احتياجات بهذا الحجم وبهذه السرعة.

لقد عملنا على إنشاء جملة من المحاكم الاختصاصية تحت مثل هذه الطروحات لم تحقق أي نتائج تذكر باستثناء المحاكم التجارية، وليس في هذا القول ما ينقص أو يقلل من المجهودات النوعية التي حققها قضاة هذه المحاكم، نظرتنا للموضوع تنطلق من الأصل الدستوري ومن الواقع ايضاً، حيث إنه وبالنظر لحجم القضايا ونوعياتها وعدد القضاة المحدود والإمكانات المتاحة شكل هذه الاتجاه إهداراً للإمكانات البشرية والمادية وبغير نتائج حاسمة تشفع لهكذا حلول.

إن لدينا قضاء تجارياً يتأصل يوماً عن يوم وقضاة هذا القضاء وهم محوره برزت بينهم نماذج طيبة وواعدة.. وإعطاء هذا القضاء وهؤلاء القضاة العناية الواجبة من الإمكانات المادية والتقنية والمهارية ورفده بالكوادر القضائية المتميزة والمجربة، هو الطريق الواقعي والمباشر مع تأمين الإمكانات لتخصيص القضاة التجاريين بقضايا نوعية مباشرة مثل: قضايا البنوك، التأمين، النقل البحري، الأنماط الحديثة والمستحدثة من العقود الاستثمارية والتجارية عامة.

هذا والله من وراء القصد، إنه نعم المولى ونعم المعين.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى