يوم من الأيــام..دفء الأمكنة

> عبدالقوي الأشول:

>
عبدالقوي الأشول
عبدالقوي الأشول
رسالة ظريفة وصلتني من زميل عزيز تقاذفته دروب الهجرة بكل آلامها وأحزانها ليجد بعد رحلته الطويلة مستقراً في إحدى البلدان الاسكندنافية مستأنساً صقيع الثلج وغرابة السحنات والألسنة والأمكنة على الحياة تحت سماء وطنه.. بعد أن تعذر عليه وعلى الكثير من أمثاله تحقيق أحلامهم المتواضعة تحت سمائه..هناك حيث الدفء واللا دفء استعاض عن دفء شمس الأرض التي ولد فيها بدفء إنسانية المجتمع المضيف والذي كما قال بذل جهداً خارقاً في سبيل الظفر بصك الإقامة فيه بحكم طبيعة الإجراءات المستجدة في التعامل مع ذوي الملامح الآسيوية وكل ما يمت للإسلام.

رسالة صديقي حملت تساؤلات تنم عن قدر من شفافية المشاعر الإنسانية المقترنة بعاطفة بشرية تهذبها أشجان البعد عن الديار والأهل، مشاعر تستحضر الأمكنة والوجوه والدروب وهي المواضع ذاتها التي تكونت عندها معالم شخصية صديقي الذي لا شك أنه يحمل قدراً هائلاً من نكهة هذه المدينة الساحلية التي عاش فيها ردحاً من الزمن، الأمر الذي جعله يستشهد بمقولة إنجليزية مفادها أن الإنسان مهما بذل من سعي وجهد يبدو عاجزاً عن الاستمتاع بالحياة.. فهو ما بين الخامسة عشرة والعشرين من العمر يمتلك الوقت والعافية إلا أنه لا يملك المال مما يجعله غير قادر على الاستمتاع بالحياة كما ينبغي. أما حين يكون بين العشرين والستين فهو يملك المال والعافية لكنه لا يملك الوقت للاستمتاع بالحياة.. وعندما يبلغ الستين والثمانين فإنه يمتلك الوقت والمال إلا أنه لا يمتلك العافية.

فعلى الرغم من أن معايير الصورة بحسب الأعمار الواردة في المقولة الإنجليزية تبدو متناقضة مع أعمارنا التي تبدأ بصرخة المجيء إلى رحاب الكون ثم تبدو متلازمة بجور الحياة وخيبات الأمل المتوالية التي تجعلنا نشعر بقدر من العدمية والضياع في دهاليز حياتية نشيخ فيها قبل الأوان من دون أن نكون قد حققنا شيئاً مما ينبغي أن نشعر معه بالانتماء الطبيعي للحياة .. إلا أن هذا الحال لم يعفني من استحضار زملاء المهنة ممن طوتهم يد المنون قبل منتصف العمر.. ما جعل مساحة الحلم تبدو ضيقة للغاية أو هي متأرجحة بين واعز وحلم الشباب سريع المضي إلى دهاليز مثبطات تبدو وكأنها القدر الذي يرسم أفق حياتنا ويكتنفها قسراً.. حين ترسم للحياة صفحة مختلفة أو هي مغايرة تماماً لمعاني حياة الإنسان الطبيعية تحت سماء وطنه.

بمعنى أننا لم ندرك لا المال ولا العافية ولا الوقت.. ووسط صخب كهذا تداهمنا شيخوخة العمر معلنة حالات الاعتلال التي تهد حيلنا لنبدو كمن تفاجئه شمس الغروب المنحدرة في أفق الكون. حينها نبدو حاملي همنا وحزننا على ذات لم تهتد لنتائج مرت عديمة على صفحة مياه مالحة، فهل ترانا بعد كل هذه السنين نستجيب لقدر دروب الهجرة .. نستأنس أصقاع المنافي الثلجية بعد أن طال مقامنا تحت شمس أرضنا الدافئة الحارقة.. ثم كيف نهيل التراب على صفحة حبنا البائسة وتلك العلاقة الحميمية التي تربطنا بالوطن، بالأرض التي أنجبتنا؟

الهجرة.. بكل ما فيها من تحقيق الآمال المادية لا تمنحنا وطناً ولا أفق غروب بمثل هذا الذي نرقبه تحت سماء أرضنا.. الهجرة هذا القدر المحتوم الماحق أو هي اللعنة التي تبدو قدرنا معشر اليمانيين ربما لارتباطها بما أنزل من مباعدة في أسفارنا بعد أن بدلنا بجنتنا جنتين.. لنبدو مستمرئين الحياة في ظل هذا التبدل.. أو هي المباعدة في أسفارنا والمقاربة في أعمارنا.. وجملة الحقائق الكثيرة التي يبدو أننا لا نود استظهارها.. بما يعني أن الأمر الطبيعي في حياة الإنسان أن يعيش ويعمل تحت سماء وطنه، فماذا عندما يتعذر على المرء تحقيق مثل هذه الأحلام المتواضعة والمشروعة؟

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى