أيــام الأيــام..الأرض والأرضية طاردتان للاستثمار

> محمد عبدالله باشراحيل:

>
محمد عبدالله باشراحيل
محمد عبدالله باشراحيل
أرضية الاستثمار في البلاد رخوة للغاية لا يستطيع المستثمر أن يقف على قدميه فيها ويطمئن قلبه على ماله، فلا مواقع محددة أو مناطق صناعية للاستثمار ولا بنية تحتية مهيأة تتمثل في توفير الأرض والطاقة والمياه والمجاري والطرق ووسائل الاتصالات، فلا وجود لكل ذلك إلا في الوعود والتصريحات النارية الكاذبة التي يطلقها المسؤولون بين حين وآخر، بل يلاحظ العكس وهو ما أشار إليه أحد تقارير الغرفة التجارية والصناعية بعدن أنه «من العوامل الطاردة للاستثمار أن المؤسسات الرسمية لا تحمي ملكية المستثمر وأبرزها الأرض وأسعارها الباهظة وأن المستثمر يبدد ماله ووقته في متابعة الإجراءات مع الهيئة العامة للاستثمار والمرافق الرسمية الأخرى ذات العلاقة». ومن النماذج ما قيل لنا من أن مستثمراً قدم من الاغتراب لإنشاء مشروع وبعد طلوعه ونزوله ومروره بالدوائر الرسمية العديدة طلب وثيقة ملكية الأرض التي سيقيم عليها المشروع فقيل له عليك أولاً تنفيذ 70% منه، وبعده ستصرف لك الوثيقة، فرد: ومن سيضمن لي ألا تصرف الأرض لشخص آخر خلال التنفيذ؟ هذا بلد العجائب مستثمرون لا يثقون في الدولة، ودولة لا تثق في المستثمرين والنتيجة أن صاحبنا هاجر وهو نادم على الوقت والمال اللذين أضاعهما في هذه البلاد. وهناك أيضاً نموذج الشيخ عبدالرحمن بانافع، الذي أراد أن يقيم مصنعاً للعطور بعدن وواجه عراقيل جمة، الأمر الذي اضطره إلى المغادرة وإقامة مصنعه في إمارة الشارقة وتمكن من تشغيله بعد شهر واحد فقط من بدء الإجراءات هناك.

وفي رأينا أن أهم عامل طارد للاستثمار هو القضاء وتسويفه للإجراءات وضعفه وعدم نزاهته وحسمه للأمور المتعلقة بالجانب الاستثماري والتجاري، إضافة إلى القوانين التجارية والملاحية والتأمينية المرتبطة بالتجارة الإقليمية والدولية، هذا الوضع أدَّى بأحد المستثمرين الموقع اتفاقية مع جهة رسمية بإقامة مشروع أن يضمّن الاتفاقية بنداً ينص على أنه في حالة وجود أو نشوب أي إشكاليات يلجأ الطرفان إلى مركز دبي للتحكيم التابع لغرفة تجارة وصناعة دبي، وهو الجهة الوحيدة المخولة الفصل في أي نزاعات بينهما، والعمل على تنفيذ الحكم الصادر منه دون تأخير. هذا يعني عدم الثقة في المحاكم اليمنية ذات السمعة الطيبة والنزاهة الكاملة والحكمة والصرامة والحسم (يقال العكس صحيح).. والجدير بالإشارة أن المحاكم التجارية اليمنية تفتقر إلى التعامل باللغة الإنجليزية وهي اللغة العالمية للمعاملات التجارية الدولية.

والخلاصة لا توجد شواهد أمام المستثمر تقنعه بمصداقية الدولة في إقامة بنية تحتية للمشاريع الاستثمارية أو اتخاذها إجراءات حاسمة وعملية ونافذة بحق المفسدين وناهبي الأراضي والمتلاعبين في القضاء تجعله يطمئن على ماله، وأن الاستثمار يحتاج إلى إدارة وإرادة ومصداقية، وضرورة تبسيط الإجراءات والمعاملات مع الجهات ذات العلاقة كافة وإبعاد المفسدين عنها، واختصار التعامل من خلال النافذة الواحدة، وأن رأس المال يحل حيث يجد الأمان والتسهيلات والإغراءات ويستقر في البلد الذي أرضيته وأرضه جاذبتان للاستثمار ويهرب من بلد فيه دولة لا تثق في المستثمرين، ومستثمرون لا يثقون في الدولة، وأن المستثمرين أصبحوا لا يصدقون ما يقال من أن كل شيء في البلاد على ما يرام لأنهم يشاهدون ويلمسون أن كل شيء ليس على ما يرام.

كبير خبراء ورئيس قسم الإحصاءات الاقتصادية

بالأسكوا- الأمم المتحدة

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى