رجال في ذاكرة التاريخ

> «الأيام» نجيب محمد يابلي:

> الشهيد عبدالقوي المفلحي: شرّفه الرئيس سالمين بحضور زواج كبرى بناته .. الميلاد والنشأة .. الشهيد المقدم عبدالقوي محمد يحيى القديمي المفلحي من مواليد 25 مارس 1925م بمدينة «الجُربَة» حاضرة مكتب المفلحي اليافعية. تلقى أبجديات تعليمه في كتاتيب القرية وحفظ القرآن الكريم وأتقن فلاحة الأرض ومشاركة الكبار في مجالس أبيه وهو في سنوات صباه. شكل العام 1943م نقطة انطلاق في حياة عبدالقوي المفلحي، عندما نزح من قريته الجربة إلى عدن والتحق بسلك الجندية في جيش محمية عدن (APL) وتلقى دورة تدريبية لمدة (6) أشهر في عدن.

عبدالقوي المفلحي ودقات ساعة «بيج بن»
كان العام 1946م منعطفاً ثانياً في حياة عبدالقوي المفلحي، الذي كان في ربيعه الحادي والعشرين والذي كان مع عدد من زملاء السلاح في جيش محمية عدن تم اختيارهم للمشاركة في العروض العسكرية التي أقيمت في بريطانيا بمناسبة انتهاء الحرب العالمية الثانية (1939-1945م) وانتصار الحلفاء على دول المحور بزعامة ألمانيا الهتلرية، حيث نقلت إحدى السفن الحربية البريطانية عبدالقوي المفلحي وزملاءه إلى بريطانيا في أول تجربة له مع الأسفار البحرية والتي تمتع فيها برؤية مدينة الضباب لأول مرة ووقف أمام عدد من معالمها ومنها ساعة «بيج بن» الشهيرة والعريقة بدقاتها المعهودة التي ترددت على مسامع الناس عبر عقود طويلة من الزمن.

للمفلحي عودة مع سماع دقات «بيج بن»
حظي عبدالقوي المفلحي بعدد من الدورات التأهيلية في عدن ولندن وتدرج في سلم الرتب العسكرية حتى حصل على رتبة مقدم وتحمل عدداً من المهام والمناصب بلغت ذروتها بتعيينه قائداً للكتيبة الأولى وقائداً للمنطقة الغربية - الضالع - خلفاً للعقيد محمد سعيد شنظور اليافعي عام 1965م.

صعد المقدم عبدالقوي المفلحي سلم الوظيفة على خلفية اكتسابه المعارف والعلوم العسكرية وإجادة اللغة الإنجليزية كتابة ونطقاً، وسجل له رؤساؤه ذكاءه وتفانيه في أداء عمله وكان محل احترام وتقدير أفراده وحماسهم في تنفيذ أوامره لا بصفته قائداً لهم وحسب، بل لأنه كان أباً وأخاً أكبر للجميع.

أحمد محفوظ عمر لم يبخل على المفلحي بالكتب
تأثرت الشعوب العربية قاطبة برياح ثورة 23 يوليو 1952م وبروز زعامة جمال عبدالناصر التي دعمت حركات التحرر العربية، منها ثورة الشمال (ثورة 26 سبتمبر) وثورة الجنوب (ثورة 14 أكتوبر) وكان المقدم عبدالقوي المفلحي كغيره من الشباب المتأثرين بالزعامة الناصرية، الذين رابطوا إلى جانب المذياع لسماع كلمة الزعيم الخالد جمال عبدالناصر. كان المقدم عبدالقوي المفلحي مهتماً بقراءة الكتب السياسية والثقافية وكان يقتنيها من زملائه وأصحابه ومنهم الأديب القاص أحمد محفوظ عمر، كما كان يتردد على المكتبات لشراء الصحف والمجلات عامة والمصرية خاصة لمتابعة التطورات على الساحة العربية والعالمية، وساهم كل ذلك في توسيع مدارك المقدم المفلحي وتشكيل ثقافته الوطنية وشحذ وعيه وحسه الوطني.

المفلحي في رواية الحاج سعيد محمد ناجي
يفيدنا الحاج سعيد محمد ناجي، صديق عمر المقدم المفلحي وابن عمه بأن الشهيد عبدالقوي كان مطلعاً على عيون الشعر العربي، حيث حفظ قصائد للمتنبي وأبي العلاء المعري، كما كان الشهيد عبدالقوي يقرأ للعقاد وطه حسين وتوفيق الحكيم وكان يحرص على قراءة بعض القصص الإنجليزية، وكان -رحمه الله- شغوفاً بسماع الأغاني العربية واليمنية وكان يحفظ أشعاراً وزوامل شعبية لشعراء من يافع وبيحان ولحج.

كان قلب المفلحي مع ثورتي سبتمبر وأكتوبر
كان الشهيد عبدالقوي المفلحي من أوائل الضباط الملتحقين بتنظيم الضباط الأحرار وكان متعاطفاً قلباً وقالباً مع ثورة 26 سبتمبر، وكان على اتصال بالمناضل السبتمبري الشهيد أحمد عبدربه العواضي، قائد منطقة حريب/مأرب عندما كان المفلحي متمركزاً بكتيبته في بيحان. ويدلي الأخ المناضل صالح محسن مقبل الضالعي بشهادته للتاريخ بأن الشهيد عبدالقوي كان متمركزاً بقواته في بيحان وكان يعمل على صد الملكيين ويستولي على كميات من الألغام والأسلحة والذخائر ويرسلها في صناديق إلى الضالع ويتسلمها هناك العقيد محمد سعيد شنظور، الذي يتولى إيصالها إلى مجاميع جيش التحرير في الضالع وحالمين وردفان.

أما الأخ عبدالله مطلق صالح، قائد جبهة حالمين إبان الكفاح المسلح (وكيل محافظة لحج حالياً) فقد أدلى بشهادته للتاريخ بأن السلطات البريطانية قررت احتلال جبل القضاة بقوة عسكرية قوامها الكتيبتان الرابعة والخامسة من جهتي الشرق والغرب بمساندة الطائرات المقاتلة والعمودية، فقام المقدم عبدالقوي المفلحي بإبلاغ الثوار بتفاصيل الخطة وكان العقيد محمد سعيد شنظور قد غادر موقع قيادته في طريقه إلى عدن لقضاء إجازة.

نفذت قوات جيش التحرير الخطة المناهضة للجيش النظامي بحسب توجيهات المقدم المفلحي وتم محاصرة الكتيبة الرابعة وفشلت الحملة في تحقيق أهدافها على كتفي المقدم المفلحي.

الشهيد المفلحي في صفوف الجبهة القومية
كان المقدم عبدالقوي المفلحي من تنظيم الضباط الأحرار، تشكيل الجبهة القومية داخل القوات المسلحة وكثيراً ما عقد أولئك الضباط اجتماعاتهم لتدارس الأوضاع العامة خاصة بعد اندماج الجبهة القومية ومنظمة التحرير في 13 يناير 1966م وكانت بعض الاجتماعات تعقد في منزل ناجي عبدالقوي المحلئي بالمنصورة أو في أحد المنازل القريبة من معسكر ليك (معسكر عبدالقوي حالياً) وكان المواظبون على الحضور: أحمد محمد بلعيد ومحمد أحمد السياري، وعبدالقوي المفلحي، وصالح محمد الزنجبيلة وناجي عبدالقوي المحلئي ومحمد سعيد يافعي ومحمد قاسم عليو، سكرتير تنظيم الضباط الأحرار.

كان استديو عبدالرحمن، لصاحبه الشخصية الوطنية المعروفة عبدالرحمن محمد عمر العبسي نقطة تسلم الأسلحة لتنفيذ العمليات العسكرية في عدن، وكان عبدالرحمن العبسي من الأعضاء الفاعلين في تنظيم الجبهة القومية بل ومن أسرة تحمل كل أفرادها شرف النضال شمالاً وجنوباً.

المفلحي مع فيصل وعلي عبدالعليم وسالمين ومطيع وآخرين
حرص أعضاء قياديون من الجبهة القومية على حضور اجتماعات تنظيم الضباط الأحرار ومنهم على سبيل المثال لا الحصر:

فيصل عبداللطيف وعلي عبدالعليم وسالم ربيع علي ومحمد صالح مطيع وأحمد صالح عبده وعبدالقادر أمين وعبدالله الخامري وفضل محسن عبدالله وغيرهم. كما كان عبدالقوي المفلحي وزملاؤه في السلاح يحضرون الاجتماعات السرية لقيادة الجبهة القومية لمناقشة آليات مد الثوار والفدائيين بالأسلحة والذخيرة وتأمين تنقلاتهم على طول الجبهات القتالية وعرضها، وخاصة بعد قطع الإمدادات عن الجبهة القومية عام 1966م. عند عقد المؤتمر الطارئ للجبهة القومية في «خمر» لعب المقدم عبدالقوي المفلحي دوراً بارزاً في تأمين وصول قيادات الجبهة القومية من الضالع إلى قعطبة بحكم موقعه قائداً للكتيبة الأولى وقائداً للمنطقة الغربية، ويقال إن التقارير الاستخبارية البريطانية رصدت كل تحركات المقدم عبدالقوي المفلحي.

المقدم المفلحي في عداد الشهداء
في 23 مارس 1967م الموافق 12 ذي الحجة 1386هـ كان المقدم عبدالقوي المفلحي، قائد الكتيبة الأولى في زيارة عيدية تفقد خلالها المواقع العسكرية وأحوال جنوده المرابطين هناك، انفجر لغم أرضي في منطقة سناح شمال مدينة الضالع عند مرور سيارة القائد المفلحي ليكتب عند ربه شهيداً وانتشر الخبر المشؤوم بسرعة البرق في أوساط الناس في كل مكان والذي انتقل إليهم عبر الأثير. يروي الشيخ يحيى عبدالله قحطان (عضو مجلس الشورى وشقيق أرملة الشهيد عبدالقوي المفلحي) إن الخبر الذي سمعوه من القسم العربي بهيئة الإذاعة البريطانية (B.B.C) نزل عليهم كالصاعقة، إذ كانت أسرته في عدن تحضّر لاستقباله لمشاركتهم فرحة عيد الأضحى المبارك، أما أخوه عبدربه المفلحي فقد كان في قريته «الجربة» بيافع المفلحي مبتهجاً بارتزاقه طفلاً وسرعان مازالت البهجة عند سماع الخبر المشؤوم من الراديو، فحجب الخبر عن والدته (أم الشهيد عبدالقوي) وأعلن على الملأ أن «عبدالقوي» هو اسم المولود الجديد.

يضيف الشيخ يحيى عبدالله قحطان: إن طائرة عمودية نقلت الشهيد في اليوم نفسه إلى المستشفى العسكري بعدن وأُديت عليه صلاة الميت الحاضر في مسجد معسكر ليك (معسكر عبدالقوي) وكان جثمان الشهيد ملفوفاً بعلم الجبهة القومية، وشيع جمهور غفير جنازة الشهيد عبدالقوي مفلحي حتى مثواه الأخير في مقبرة العثماني بمدينة الشيخ عثمان، وبعد انتهاء مراسم الدفن أعلن الأخ فضل محسن عبدالله على جمهور المشيعين أن الشهيد عبدالقوي مفلحي من الأعضاء البارزين في قيادة الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل.

أفراد الأسرة يتولون رعاية الأرملة ويتيماتها الثلاث
كان الشهيد عبدالقوي مفلحي متزوجاً من ابنه الشيخ عبدالله قحطان التي أنجبت له 3 بنات وتحمل أفراد أسرته شرف مسؤولية رعاية الأرملة وبناتها الثلاث وهم حصراً: الشيخ يحيى عبدالله قحطان وشقيقا الشهيد عبدالهادي وعبدربه محمد يحيى المفلحي والشيخ صالح المفلحي (ابن عم الشهيد) والشيخ سعيد محمد بن محمد (زوج شقيقة الشهيد عبدالقوي).

سالمين يشارك الأسرة أفراحها بزواج ابنة الشهيد
حضر الرئيس الأسبق سالم ربيع علي (سالمين) في منتصف سبعينات القرن الماضي حفل زواج كبرى بنات الشهيد عبدالقوي، تعبيراً عن وفائه للعلاقات الحميمة التي ربطته بالشهيد في فترة الكفاح المسلح، وشكلت تلك اللفتة الكريمة جزءاً من اهتمام سالمين ورعايته لرفاق دربه واعتبرت الأسرة تلك المشاركة أكبر وسام زين سماء الفرحة في قلوب أفراد تلك الأسرة المكلومة.

أوسمة ونياشين في صدر الشهيد المفلحي
حصل الشهيد عبدالقوي المفلحي على عدد من الأوسمة والنياشين هي:

ميداليتان للخدمة العسكرية، ميدالية التفوق والمشاركة في العروض العسكرية التي أقيمت في لندن، وسام ثورة 14 أكتوبر، ووسام الوحدة اليمنية.

أسرة الشهيد المفلحي تناشد فخامة رئيس الجمهورية
دأبت أسرة الشهيد عبدالقوي المفلحي على مناشدة فخامة رئيس الجمهورية علي عبدالله صالح عبر صحف منها «الأيام» و«الجمهورية» بأن جوراً لحق بها منذ أكثر من ثلاثة عقود، حيث انقطع المعاش وغاب الوفاء تجاه رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه وما بدلوا تبديلاً، وتتطلع أسرة الشهيد إلى قرار رئيس الجمهورية باعتباره ولي الأمر بإنصاف أسرة الشهيد بالتوجيه باعتماد معاش لها وصرف قطعة أرض.

أوجه جزيل شكري وتقديري للزميل منصور نور، الذي زودني بمعلومات قيمة ساعدتني على إعداد هذه المادة للنشر.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى