في ظل ثورة المعلومات والإنترنت هل نقول للكتاب وداعاً ؟معارض الرصيف تظل هي الرقم الصعب

> «الأيام» فتحي علي ناصر لزرق:

>
معارض الرصيف .. هل يعود لها ذلك الألق القديم؟
معارض الرصيف .. هل يعود لها ذلك الألق القديم؟
أول الطريق خطوة .. حقيقة لا أدري من أين أبدأ موضوعي هذا، فعلى بساطة السؤال الذي يفرض نفسه وهو لماذا لا نقرأ؟ ولماذا نحن مجتمعات لا تقرأ ؟ على بساطة السؤال أجدني حائراً أمامه، فثمة تعقيدات متشابكة ننساق إليها كي نجيب على هذا السؤال تجعل الإجابة لا تقف عند محور واحد، أو اتجاه وحيد، بل تتفرع لتأخذ منحنيات عدة.

لا يختلف اثنان على أهمية القراءة في حياتنا وذلك لما لهذه العملية من أهمية كبرى في حياتنا برغم تعدد طرق اكتساب المعرفة، الا أن الكتاب يظل الرائد دونما منازع، وعلى مر العصور كان الكتاب هو وسيلة المعرفة الأولى وفي جميع الازمان أولت الأمم للكتاب بكافة أشكاله عنايتها، وأصبح الكتاب رمزاً ومعياراً يستدل به على ما وصلت إليه أمة ما من رقي وتطور، ولطالما حثت هذه الحضارات شعوبها على القراءة، ولعل القرآن الكريم أول من يحث على ذلك حيث كانت أولى آياته تتحدث عن القراءة، ولكن برغم أهمية القراءة والكتاب في حياتنا وحاجتنا اليها كوسيلة معرفية عظيمة إلا أنه لا يمكن أن نتغاضى عن الازمة التي تعيشها القراءة والكتاب في الوقت الراهن، فمعدلات القراءة في تناقص مستمر وهجر الناس للكتاب لا يزال متواصلاً.. تداخلت وسائل المعرفة بشكل مخيف وأصبح الايقاع السريع هو النمط الذي يطغى على مناحي حياتنا بشكل عام، وكل ذلك انعكس سلباً على شيء اسمه الكتاب حيث استطاعت هذه الوسائل أن تقصي الكتاب بعيداً، وجعلته ينزوي في ركن قصي من حياتنا، أضف إلى ذلك مشاغل الحياة وتعقيداتها وتأثير ذلك على شيء اسمه القرآن، إذن فالكتاب يعيش في أزمة ولا يخفى على أحد أنها خانقة .. لكن الغريب في الأمر أن هذه الازمة ليست عالمية فكل العالم لا يزال يقرأ ويهتم بالكتاب رغم التطور الالكتروني الذي يعيشه، ولم يتأثر الكتاب في العالم الغربي وغيره بما قدمته وسائل الاتصال الكتروني من بدائل. بل إن الكتاب يعيش حالة ازدهار، وحسبك عزيزى القارئ أن تعلم أن دولة غربية واحدة هي اسبانيا استطاعت أن تترجم خلال سنة واحدة ما فاق ما أنتجه العرب وترجموه طوال حياتهم الفكرية كاملة، أضف إلى أن دولة كإسرائيل على صغر حجمها وقلة عدد سكانها تطبع وتترجم ما يفوق ما تطبعه وتترجمه الدول العربية مجتمعة، هذه الارقام تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن المشكلة ليست عالمية بل عربية صرفة نعيشها وحدنا كمجتمع عربي دون غيرنا من خلق الله.. لكن السؤال الذي يفرض نفسه علينا هذه اللحظة.. لماذا نحن لا نقرأ؟! هل نحن مجتمع لا يحب القراءة اصلاً ولا يميل إليها؟! أم أن هنالك أسباباً أخرى؟ من خلال هذا التحقيق المتواضع سنحاول أن نشير إلى أهم الاشكاليات في هذا الجانب.

البيئة والمجتمع
مما لا شك فيه أن القارئ جز من المجتمع الذي يعيش يؤثر ويتأثر بكل ما يعايشه ويعيشه في هذا المجتمع، في هذا الإطار فإن الأوضاع التي يعيشها المجتمع لها الأثر الكبير على حياة كل منا، وهذه الأوضاع قد تكون ايجابية وقد تكون سلبية، فإذا كانت أيجابية فإن دورها سينعكس بشكل جيد على كل شيء والعكس صحيح، فربما كان للأوضاع السيئة الدور السلبي على جميع مناحي حياتنا، حديثنا هنا حول القراءة والسؤال هو ما مدى تـأثير الأوضاع الاجتماعية على ميولنا الثقافية؟! الجواب واضح وجلي مثلاً الأوضاع الاقتصادية في حال ما إذا كانت متدهورة فإن أول ما يمكن أن تنتجه مثل هذه الأوضاع هو انخفاض عام في دخل الفرد والانخفاض يعني التأثير على مناحي حياة الشخص بشكل عام وترتيبه للاهتمامات والاحتياجات، وفي هذا الإطار قد يسقط الكتاب في مواجهة رغيف الخبز، هذا أحد العوامل لكن هنالك من العوامل ما لا يمكن إجمالها ولكن يمكن أن نشير اليها على مضض.

سؤال حائر
يرى بعضهم أن الميل إلى القراءة هو ظاهرة صحية لأي مجتمع، وحب القراءة ينبع أصلاً من تكوين هذا المجتمع يكتسبها جيلاً بعد آخر لا ينال منها أي عارض، ويعود ذلك إلى عادات وتقاليد اجتماعية يسير عليها هذا المجتمع أو ذاك وفي هذا الإطار تساهم كل من الأسرة والمدرسة والحياة العامة ونمط سير الحياة في ذلك، والسؤال الذي يبرز هنا وبشدة ما هو دور كل من هذه الجهات سلباً وإيجاباً؟

مثلاً لو تطرقنا إلى الدور الايجابي للأسرة لوجدنا أن الاسرة يمكن أن تساهم في انعاش الحالة الثقافية لأفرادها من خلال الحث على القراءة وخصوصاً لأطفالها وذلك من خلال تشجيهم على القراءة وغرس حب الاطلاع فيهم وربطهم بالكتاب، ويتأتى ذلك من خلال توفير المواد التي تشجع الطفل على القراءة وتحببها إليه مثل كتب وقصص الاطفال والاستطلاعات المصورة وغيرها، أضف إلى ذلك العمل على إيجاد مكتبة منزليه ولو متواضعة يمكن أن تكون دليلاً للطفل في عالم المعرفة، كما يمكن للأسرة أن تعمل على الحد من تأثير استحواذ وسائل الإعلام المدنية والتي يأتي على رأسها التلفاز بتنظيم وتحديد أوقات خاصة لمتابعة مثل هذه الاشياء. لكن الناظر إلى الواقع بشكل جيد سيجد أنه واقع سيئ فأغلب البيوت لا يوجد فيها مكتبة منزلية أو بالأحرى أنه لا يوجد كتاب اصلاً، وانعدام الكتاب في المنزل وانعدام صلة الطفل به والأسرة وبشكل عام يجعل البدائل كثيرة لعل أولها التلفاز، حيث أننا نجد وفي الوقت الحالي أن أطفالنا يقضون أغلب أوقاتهم إما في اللعب وإما في مشاهدة التلفاز وإما في أشياء عبثية أخرى، وفي الغالب نجدهم لا يستغلون أوقات الفراغ في أشياء مفيدة بل إن صلتهم بالكتاب والقراءة قد لا تتعدى الكتاب المدرسي وربما في بعض الاحيان القصص المصورة، وهذا بالتأكيد معضلة كبيرة .

أبجد هوز
يعتبر الكتاب المدرسي أهم ما يقع بين أيدي أي شخص، حيث إن هذا الكتاب هو أولى تجاربنا في عالم المعرفة وعلى هذا الأساس فإن جودة هذا الكتاب وروعته وطريقة صياغته وتأليفه تتحدد عليها أشياء كثيرة لعل أولها أن وجود كتاب مدرسي يتميز بلغة سهلة وجميلة ومحببة يخلق لدى القارئ الصغير إمتاعاً ومؤانسة تشجعه على تقبل القراءة وربما الخروج من دائرة هذا الكتاب إلى كتاب آخر والعكس صحيح، ففي حالة ما إذا كان الكتاب المدرسي مملاً وذا لغة صعبة فإن هذا سينعكس سلباً على القارئ، وشعوره بتعقيد هذا الكتاب ومرارته سيجعله ينفر من أي كتاب. والناظر إلى الكتاب المدرسي وحتى الجامعي في اليمن يصاب بخيبة أمل لا يتسع لها الوطن باتساعه، فإذا قدر لك أن تطلع على أحدها فإنك ستفاجأ - خصوصاً الكتاب المدرسي - بأنه كتب بلغة صعبة عاجزة عن إيصال المعنى الحقيقي للمعرفة وفيه من الفظاظة الشيء الكثير، بعكس ما نراه في الكتب المدرسية السابقة، فمن أعد هذه المناهج اعتمد الاسلوب العلمي في صياغة الفكرة وكما هو معروف أن الاسلوب العلمي يشوبه الكثير من النقص خصوصاً إذا كان من تخاطبه به في سن صغيرة. شخصياً أظن أن السياسة التعليمية في هذا البلد بحاجة إلى مراجعة شاملة ووجود كتاب مدرسي بهذا الشكل أحد الأسباب التي تجعل أطفالنا ينفرون من القراءة.

ثقافة الإنترنت طغت على ثقافة الكتاب وأصبحت تستقطب أعدادا كبيرة
ثقافة الإنترنت طغت على ثقافة الكتاب وأصبحت تستقطب أعدادا كبيرة
شيء اسمه الخراب
هلا سألت نفسك كم من الوقت تمضيه أمام ما يسمى جهاز التلفاز؟ هذا سؤال أوجهه لكل قارئ والسؤال الآخر كم من الوقت تمضيه في القراءة في اليوم الواحد؟! اذن هنالك سؤالان إجابة كل منهما فترة زمنية محددة، لكنني هنا أستبق كل شيء لأن الإجابة معروفة سلفاً، فالوقت الذي يقضيه الغالبية منا أمام التلفاز تفوق بأضعاف مضاعفة ما نقضيه في القراءة، بل إن بعضنا قد يكون لا يقرأ البتة، وهذه اشكالية مخيفة. بلاشك أن العالم يعيش ثورة الكترونية مفزعة اجتاحت كل شيء. لعل أكثر ما أنتجته هذه الثورة إثارة هو التلفاز فبضغطة زر بامكانك أن ترحل من عالم إلى آخر: أفلام، أخبار، أغان، برامج وثائقية وغيرها الكثير، ولكثرتها وتنوعها نجد أنها تستهلك وقتنا دون أن ندري، المصيبة ليست في أننا نقضي الوقت أمام جهاز التلفاز، وذلك لأن هذا الجهاز هو في الاساس وسيلة اعلامية يمكنها أن تكون فاعلة في اداء رسالتها الاعلامية بشكل جيد، لكن المصيبة هنا أننا نستمر لساعات طويلة في مشاهد أقل ما يمكن وصفها بأنها شيء من الاسفاف والاستخفاف بالعقل، فالناظر إلى نتاج الاعلام العربي في الوقت الراهن يجد أنه لا يقدم شيئا يمكن أن يشار إليه، فكل ما نشاهده ويستحوذ على اهتمامنا مشاهد ساخنة وأغان هابطة وبرامج لبيع الوهم بالمجان، وهذه الأخرى إشكالية لكن من نوع آخر فلقد سرقنا التلفاز من الكتاب لكنه لم يكن بديلاً جيداً عن هذا الكتاب.

كتاب نت
أهم الاختراعات الكترونية بعد التلفاز في الوقت الحاضر من وجهة نظري هو الشبكة العنكبوتية أو ما تعرف بالانترنت هذا الاختراع أوجد نقلة نوعية في كل شيء، فمن خلاله يمكنك الحصول على كل شيء وبأيسر الطرق وبأقل التكاليف، أصبح بإمكانك من خلال هذه الخدمة أن تعرف أي شيء عن أي شيء .. أقرأ، العب، تعلم مارس التجارة .. بحق إنها عالم مستقل بذاته، وهذا العالم أحد طرق المعرفة والذي يميزه عن غيره سهولة الوصول إلى ما تريد، فمن خلاله باستطاعتك العثور على ما تريد خلال ثوان، وبلاشك أثرت هذه الوسيلة تأثيراً كبيراً على ما يسمى الكتاب، حيث أصبح البعض يفضل أن يحصل على المعلومة ساخنة وبسهولة على أن يبحث عنها بين أرفف الكتب، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الإيقاع السريع سائد في كل شيء في واقعنا الحالي، وأعتقد أننا لم نتمكن حتى من الاستفادة من هذه الخدمة.. فالباحثون عن الممنوع في هذا المجال هم الأكثر.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى