الغنائية في شعر الصوفية

> «الأيام» مصطفى غيلان:

> نظم فرع اتحاد الأدباء بعدن في مقره بخورمكسر يوم الاثنين الموافق 3/7/2006م فعالية للكاتب عمر عبدالعزيز بعنوان (الغنائية في الشعر الصوفي)، وذلك في إطار التحضير للموسم الثقافي لفرع الاتحاد لتنشيط الحياة الثقافية في محافظة عدن، ومد جسور التواصل مع منظمات المجتمع المدني ومؤسسات الدولة.. وإيذاناً ببدء هذه الفعالية ألقى الأخ مبارك سالمين كلمة الفرع قائلاً:«إن د. عمر عبدالعزيز رقم ثقافي وإبداعي أصّل لتجربته منذ زمن وهو من الذين رسموا المشهد الثقافي في عدن. بل وقد اندرج في النسق العربي لبلوغه درجات في البحث والتشكيل والاقتصاد»، مستطرداً بالقول:

«كم نحن سعداء في هذه الليلة لمشاركة وزارة الثقافة ممثلة بالأخ عبدالله باكدادة مدير مكتب عدن»، معرباً عن «أهمية الغنائية في النص الصوفي الدال على سر طغيان الفن على الماديات، لأنه يتلابس مع الروحانيات ويسمو بالذات إلى مراتب الترقي الوجداني» متسائلاً عن تلازم الغناء بالشعر الصوفي، لماذا هي عدة هذا الشعر وقصده، مؤكداً على الإيقاع النغمي للحامولي والقصبجي الذي يطرب بروحانية الشرق، مختتماً كلمته بضرورة تواصل هذه الأنشطة التي تكسب معارف في إطار التخاصب والتلاقح وأن تناول مفهوم الغنائية هو موضوع إشكالي يبحث في علاقة الأدب بالنص الصوفي والتغاير والتماهي مع تجليات مكنون الواقع.

ثم تحدث د. عبدالمطلب أحمد جبر مقدم الفعالية موضحاً في سياق تتبعه لتاريخ الشعر الصوفي في العالم البدايات الأولى للزهاد الأوائل أمثال أبو هريرة وأبوذر وصهيب، التي أقيمت على فكرة المحبة والتجرد والتزهد، وكان من آثار هذه البدايات ظهور الاتحاد الحلولي الصوفي في القرن الرابع الهجري، ولكن في نظره الزهد صار مجالدة للذات، والتجرد والاتصال والمحبة للآخر أخذت تعبير الحلول بتأثير الأفكار اليونانية، ثم مع تطور الترجمة في القرن الرابع الهجري ظهر تأثير نظرية الفيض الإلهي وهي في نظره تجمع ما بين الاستدلال الفلسفي والإيمان ولكن فيه إقصاء للوحي ونظرية المعرفة في المفهوم الإسلامي.

وأفاد د. عبدالمطلب قائلاً: «السماع الذي أثاره ابن عربي مرتبط بالوجد الصوفي، فهو منزع الصوفي نحو الغنائية عند النفري والحلاج وابن عربي، فهي إيقاع بالغناء عبر موسيقى وأوزان الشعر بل وفي النثر والنظم». موضحاً أن مصطلح السماع كان مصاحباً للغناء وأجاز ذلك الإمام الغزالي في كتابه (إحياء علوم الدين) وهو ظاهرة فنية عبر توظيف اللغة توظيفاً جمالياً وهي اللغة التي كتبها ابن عربي». وأضاف: «لا أستطيع بالفعل التحدث عن الشعر الصوفي في اليمن إلا بحلول القرن السابع الهجري وكانت له امتداداته إلى القرن التاسع والحادي عشر بظهور شعراء يمانية منهم العيدروس وأحمد بن علوان». واختتم تقديمه مؤكداً أهمية القراءات التأويلية للنص الصوفي لأنه ليس نصاً مغلقاً على معنى بل يتجاوز المعنى الحقيقي إلى المجازي والترميز الإشاري الإيحائي.

ثم تحدث د. عمر عبدالعزيز قائلاً: «الحديث عن غنائية النص أو شعرية النص عند المتصوفة هي اقترابية من المعرفة الأولى للما ورائي، وهذه الشعرية تتكامل مع النص الوجودي فهو ليس نصاً مموسقاً كي يتسق مع موسيقى الوجود بكل تجليات الواقع العيانية والنصية، فالبعض قد يتحدث عن علاقة الصوفية وفن التشكيل، لكن التشكيل محكوم بضوابط، أما الغنائية فيها داخلية في المتون وقد تتجلى في التعبير النصي ويبرز هذا التعبير بأشكال يمكن أن تكون تعبيرا نثريا أو قصصيا، وتتداخل الحدود الإبداعية بما يعرف بالمزاوجة الأدبية الإبداعية بين الأجناس والأنواع الأدبية، لهذا نجد الغنائية كتيمة وإيقاعا خفيا في التعبير البصري، وهي في شعر ابن عربي تقترب من الوجود وتتموسق شكلاً وباطناً، وعلى المستوى الدلالي فيها تظهير للوجود المؤول، أما في طواسين الحلاج ففيها أشكال التراتب النسقي مفعم بالمعاني الكلية الاقترابية من الفلسفة الماورائية وظواهر الوجود وانفتاح المعنى عن دلالات ترميزية عن مفاهيم الماورائية بلغة الاتصال اللفظي، أي تلك اللغة التي تعتمد على الإشارة، لغة تقرب من الظاهر وتبطنه وتتضمن حالة من التحول المستمر، فالنص متحول في تعدد الدلالات واللفظ ظاهر ومجازي في محايثته ومجازوته للنصوص التعبيرية التشكيلية والوجودية».. وتابع الدكتور:

«وهذه النظرية أصّلها المتصوفة في أشعار وقدموا نماذج». مشيراً إلى الفتوحات المكية لابن عربي «التي فيها إحالات إيحائية وقراءات تحويلية تتخطى حدود الشكل والمعنى الحقيقي إلى معنى رمزي ومجازي وما قاله في مقدمات الفتوحات المكية:

(جاءني هاجس في ليلة بدأت أسطر الكتابة وبدأت أكتب فلم أدر ما أكتب). فهذا القول عند المحدثين أصل لنظرية موت المؤلف، بمعنى أن النص الذي يكتبه المتصوفة هو نص غير جاهز مسبقاً في الذهن وشخصية الكاتب تعطي له أبعاداً وتحولات لا يفكر فيها مسبقاًُ كون الفن عندهم يتداعى إلى المخيلة ولا يقوم على قوانين متحكمة تجعل الذات غير متسيدة ولا متحكمة في الكتابة ويكون مكتوباً غير كاتب، هكذا يتم تحويل المؤلف أسير اللحظة في انفعالاته ورموزه ولم يعد سيد الموقف بل يدخل في نسق إبداعي تتداخل فيه عوامل نفسية وذاتية وموضوعية وتتداعى فيها الحالة الوجدانية والشعورية وهي الحاملة للنص، لهذا يصير النص متحولاً يغاير ما هو سائد وعياني».

لهذا حسب قول د. عمر عبدالعزيز وهو يفسر قول الحلاج:

العلم علمان مطبوع ومكتسب

والبحر بحران مركوب ومرهوب

«بأنه يتضمن نقداً لنظرية المعرفة عند السلفية الذين يتلقون العلم رسماً على رسم، ميتاً عن ميت ويفرق بين العلم الصوفي الذي يعتمد على الحدس وعلى التجلي وعلى ما جاء من الحال مفيداً بوضوح هذه التجليات عند السهروردي التي فيها أبعاد المكان، وهذا المفهوم يتصل عنده بما يسمى بدائرية النص الذي ينتهي عند المتصوفة حيث يبدأ، وهو يتسق في شكل كلي ووحدة نصية متكاملة مؤسسة على فكرة مركزية وحدة الوجود». منوهاً بأن الغنائية «هي تنغيم إيقاعي فيه تراتب موسيقي هي أشبه في تناظمها في بحور أوزان الخليل بن أحمد الفراهيدي التي فيها موسيقى وأوزان، بحوره فيها موسيقية تراتبية عما هي في النص الشعري المدور والموسيقى في قصيدة التفعيلة لتراتب السكون والحركة.

أما ما يتعلق بالظاهر أي الرسم الكتابي فهو لا يعبر عن موسيقى النص إلا إذا وظف عنصر الإدهاش في المعنى وتجاوز حدود الرسم والنص المكتوب الذي يتوقف عند المعنى الحقيقي».. وأضاف: «دائرية النص هي أشكال العلاقة الرياضية بين أبعاد المكان والمعاني، لهذا فالسلم الخماسي في الموسيقى هو إيقاع مدور يؤدي هذا التدوير لا إلى التكرار النغمي، بل إلى اتصال برقم وفواصل فيه تواشج لتراتب موسيقي، فهو يغاير السلم الرباعي لأنه يبدأ بدائرة لا نهائية وتعود إلى البداية وهي الصفر، تعبر عن تكرارية موسيقى الوجود». مشيراً إلى أن المتصوفة «يتمثلون المعرفة من الدائرة التي يكون مركزها القطب المحاط والمسيج بالمريدين، لأن الدائرة مركزها الصفر لهذا عندهم تبدأ المعرفة من الصفر وصدورها من مركز الجماعة (القطب) فهو الذي يقودهم إلى الحق والمعرفة ودائرة الوجود تتكاثر وتعود للصفر. أما بخصوص الفن الصوفي فهو يماثل من حيث الغنائية الشعر العذري والشعر الحميني وشعر الموشحات، لكنه شعر متروحن بالميتافيزيقي والماورائي وينفلت عن ماهو واقعي وحسي فهو فعل دهري لا يرتهن إلى المسافات والزمان، والمكان فيه مفتوح غير ثابت والزمن فيه ليس قياسياً يرتبط بتحولات الإنسان ويتجلى فيه الماورائي وهو دهري وكلي يتجاوز حدود الواقع والبصر الاعتيادي»، محيلاً القارئ إلى قراءات لمقاربات محمد عبدالجبار النفري وإشكالية معرفة مفهومات هذه النصوص ومغزى قول النغري: إن لم تقف على ما لا يقال لست تعرف فيما يقال، إلى فهم آثار الفلسفة الوجودية والحلول فيما يتعلق بمفهوم الناسوت والتوحد والمعرفة المتروحنة بالماورائي الميتافيزيقي والغيبي.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى