حقوق المواطنة غير المتساوية بين اليمني المغترب والأمريكي اليمني في حق المشاركة في الانتخابات

> «الأيام» د. محمد علي السقاف:

>
د. محمد علي السقاف
د. محمد علي السقاف
تهتم السلطة السياسية القائمة بأحوال اليمني المغترب لتدعوه للاستثمار في وطنه الأم ولا تهتم بدعوته لممارسة حقوقه السياسية ضمن حقوق المواطنة للمشاركة على الأقل في الانتخابات الرئاسية المقبلة. تهتم بما في جيبه ولا تهتم بحقوقه السياسية وأن يضمن على الأقل أن من يختاره سيؤمن له مردوداً لاستثماراته في سياق سياسة اقتصادية ومالية سليمة وفي ظل دولة قانون تحمي ممتلكاته وحقوقه من النهب والمصادرة.

وهنا تثبت اللجنة العليا للانتخابات أنها مرتبطة بالسلطة السياسية وأنها غير محايدة، فقانون الانتخابات لعام 2001 أعطاها الحق بأن ترتب الإجراءات التي تكفل للمغتربين حق التصويت (المادة 6/أ) وعليه من المفترض أن اللجنة العليا تعلم بمواعيد استحقاق الانتخابات الرئاسية في عام 2006، فما الذي عملته منذ خمس سنوات للقيام بمهامها تلك ولديها المرجعية القانونية لعمل ذلك في قانون الانتخابات نفسه المشار إليه؟ وتبرع الكاتب بتذكيرها بواجبها وتفضلت صحيفة «الأيام» بوضع ذلك في مانشيت كبير وباللون الأحمر بالصفحة الأولى «هل استعدت اللجنة العليا لإشراك المغتربين في الانتخابات الرئاسية؟» («الأيام» بتاريخ 8 يوليو 2006م)، وإضافة إلى المانشيت عنوان آخر للتصريح برغم «(ترزية) القوانين قصروا حق المغتربين على الاستفتاء والانتخابات الرئاسية وقيدوها بالعراقيل».

برغم كل هذا وذاك لم تحرك اللجنة العليا ساكناً ومن المؤسف له أيضاً أن أحزاب اللقاء المشترك بدورها لم تهتم بالأمر ولم تثره مع الحزب الحاكم واللجنة العليا للانتخابات. إشارة واحدة جاءت في صحيفة «الناس» بعد 9 أيام من تصريحنا لـ«الأيام» دون ذكره في خبرها بعنوان «اللجنة العليا للانتخابات تقرر حرمان اليمنيين في المهجر من المشاركة في الانتخابات؟»(«الناس» في 17/7/2006م) .

ما دفعني لإعادة الحديث عن هذا الموضوع المهم قراءتي لدعوة سفارة الولايات المتحدة بصنعاء «جميع الأمريكيين اليمنيين المتواجدين في مختلف المحافظات اليمنية الى المشاركة في الانتخابات العامة في الولايات المتحدة والمقرر إجراؤها في السابع من نوفمبر المقبل وكذا في الانتخابات الأولية والنهائية لمجلسي النواب والشيوخ الأمريكي» داعية «اليمنيين إلى تسجيل أسمائهم في الاستمارات المحددة لذلك سواء عن طريق الانترنت أو عن طريق السفارة ليتمكنوا من الحصول على أوراق الاقتراع السرية» وقد أوردت صحيفة «الثورة» التي نشرت هذا الخبر قبل يومين بتاريخ 30/7/2006م تصريحاً للدكتور نبيل الخوري القائم بأعمال السفارة الأمريكية أشار فيه بعبارات ذات مغزى كبير إلى تزامن الانتخابات الأمريكية مع الانتخابات الرئاسية والمحلية في اليمن كفرصة متاحة «لمواطني البلدين للمشاركة في هذه العملية الديموقراطية والتعبير عن إرادتهم السياسية بطريقة حرة ونزيهة وذلك تجسيداً لمبدأ التداول السلمي للسلطة».

يلاحظ هنا أن الأمريكيين اليمنيين حسب تعبير السفارة الأمريكية بدعوتهم في المشاركة في الانتخابات الأمريكية المقبلة من أماكن تواجدهم في اليمن تتعلق بانتخابات برلمانية وهو الشيء الذي لم يعطه قانون الانتخابات اليمني للمغترب كما طالبنا بذلك منذ مطلع عام 1996م، واقتصر بإعطائه إمكانية المشاركة في الاستفتاء والانتخابات الرئاسية، بدعوى أن الانتخابات البرلمانية بسبب عدد المرشحين يصعب تنظيمها في الخارج في حين كثير من الدول تسمح بذلك عبر وسائل عديدة ليس هنا المجال لشرحها، والملاحظة الثانية أن القانون الأمريكي لا يميز بين حديثي التجنس والأمريكيين القدامى المهاجرين أنفسهم إلى الولايات المتحدة، بينما القانون اليمني ينص أن على المتجنس انتظار خمسة عشر عاماً من قرار حصوله على الجنسية كي يمارس حقوقه السياسية، هذا هو الفرق بيننا وبينهم.

والسؤال المطروح هنا : مثلما يحق للأمريكي اليمني المتواجد في المحافظات اليمنية المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة لأمريكا انطلاقاً من اليمن هل هذا الحق نفسه يستمتع به اليمني المتواجد في أمريكا في المشاركة في انتخاب رئيس الجمهورية في الانتخابات الرئاسية المقبلة؟ وقد يستغرب البعض من هذه المقاربة بين الولايات المتحدة واليمن واختلاف قدم تجاربهما الديموقراطية؟ إذا قبلنا بذلك ما رأيهم في تجربة جيبوتي البلد الصغير في القرن الأفريقي الذي في كل استحقاق انتخابي للرئاسة تدعو سفارتهم بصنعاء مواطنيها للمشاركة فيها ناهيك عن دول عربية أخرى أقدم تجربة من جيبوتي.

إذا تركنا جانباً انتخابات الرئاسة الأخيرة في ابريل 2005، وتوقفنا أمام انتخابات الرئاسة التي قبلها في ابريل 1999، فقد نشرت صحيفة «الثورة» حينها بتاريخ 10 أبريل 1999 (العدد 12568) خبر «توجه أبناء الجالية الجيبوتية في الجمهورية اليمنية إلى مراكز الاقتراع التي أعدتها سفارة جيبوتي بصنعاء للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية الجيبوتية..» وأشارت الصحيفة الى أنه بهذه المناسبة ألقى الأخ يوسف دعاله سفير جيبوتي بصنعاء كلمة استعرض فيها الإجراءات القانونية والتنظيمية التي سبقت عملية الاقتراع، منوهاً في هذا الصدد «أن الجيبوتيين في أماكن تواجدهم خارج بلادهم أعدت لهم التسهيلات اللازمة للمشاركة في الانتخابات الرئاسية». ما رأي اللجنة العليا للانتخابات في كيفية تعامل بلد صغير من الديموقراطيات الناشئة مع مواطنيه المغتربين؟ لماذا لا تفكر اللجنة العليا في إمكان الاستفادة من تجربة جيبوتي حتى لا نقول تجربة أمريكا لكي لا نتهم بالتعامل والاستقواء بالخارج؟ وجيبوتي ليست الاستثناء فهناك دول عربية كتونس والجزائر والمغرب تسمح لمغتربيها ولمزدوجي الجنسية منهم بممارسة حقوقهم السياسية بل وتخصص لهم عدداً من المقاعد في مجالسها النيابية حسب قول د. مصطفى عبدالعزيز في مقال له في «الأهرام» بتاريخ 21/8/2003 حول «الحقوق السياسية والقانونية للمهاجرين ومزدوجى الجنسية».

في الوقت الذي أهمل دستور الجمهورية اليمنية أهمية المغتربين اليمنيين كعنصر رافد للاقتصاد الوطني فإن دستور (ج.ى.د.ش) لعام 1978 نصت المادة (11) منه بأن ترعى الدولة المواطنين اليمنيين في المهجر وتعمل على تقوية صلتهم بالوطن وتحمي الدولة الحقوق المشروعة للمغتربين اليمنيين.

وقد قدم (الأحرار الدستوريون) تجربة رائدة وبعد نظر واعترافا بحقوق المواطنة المتساوية بشكل أفضل من عقلية التمييز بين المواطنين التي تسكن عقول بعض السياسيين الحاليين حين أكدوا في الفقرة (د) من المادة (7) للميثاق الوطني المقدس لعام 1948 بأن «يكون للمهاجرين اليمانيين في أي بلد يوجدون فيه حق إرسال ممثلهم إلى المجلس...» والمقصود به مجلس الشورى الذي كان مزمعاً تشكيله مما يعني ذلك أن الأحرار الدستوريين ربما فكروا قبل الدول العربية الأخرى في تخصيص عدد من المقاعد في مجلس الشورى لمغتربيهم.

والآن اهتمام الحكومة يرتكز وفق تقرير حكومي صدر مؤخراً في كيفية تعزيز دور المغتربين من خلال تحسين البيئة الاستثمارية وتقديم التسهيلات اللازمة، ومنحهم كافة التسهيلات لزيادة استثماراتهم وتحويلاتهم.. ويشير التقرير إلى أن تحويلات المغتربين اليمنيين خلال الفترة 1995-2005 تتراوح بين مليار و1.3 مليار دولار سنوياً («الثورة» بتاريخ 4/7/2006م) ولم يشر التقرير إطلاقاً إلى الحقوق السياسية للمغتربين.

كفى تمييزا بين المواطنين، وكفى التفكير بمدخراتهم وأموالهم، أعطوهم أولاً حقوقهم في المواطنة، بأن يشاركوا في انتخابات الرئاسة لهذا العام، وإن أردتم الاستفادة من تجارب الآخرين فاطلبوا الخبرة ولو من جيبوتي.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى