قصور مذعورة

> محمد عبدالله الموس:

>
محمد عبدالله الموس
محمد عبدالله الموس
يمتلك وزير الخارجية القطري من الشجاعة ما يجعله يسمي الأشياء بمسمياتها في كثير من الأحيان وذلك استثناء من القاعدة المعروفة عن أقرانه في كثير من بلدان العالم الثالث وفي المقدمة منها البلاد العربية.

وصف الرجل الزعامات العربية أو من يمثلهم في الأمم المتحدة بأنهم بعد تفجيرات (سبتمبر الشهيرة) كانوا يتسابقون إلى إعلان براءتهم من هذه التفجيرات وهم فزعون (كالفئران المذعورة).

لم يمر وقت طويل حتى تأكدت حقيقة أن هناك فئران تسكن القصور، فقد تم انتشال أحد الزعامات من جحر، كان الرجل مذعوراً في جحره ومذعوراً من مصيره وهو الذي كان يصول ويجول ببطانته تنكيلاً في أبناء وطنه بقطع الألسن والآذان، وكان يرمي معارضيه للكلاب والنمور - التي كانت تعج بها مزارعه وباحات قصوره الخلفية - على طريقه ملوك الرومان حين كانوا يرمون معارضيهم إلى حلبات مليئة بالأسود والنمور الجائعة ويشاهدون طريقة افتراسهم من على مدرجات أشبه بمدرجات ملاعب كرة القدم كما نراها اليوم.

محمد حسنين هيكل قال في مقابلة له مع محمد كريشان - المذيع في قناة الجزيرة - مستنكراً وصف مقرات الزعماء العرب بالقصور ما معناه (أن في القصور ترسم السياسات والاستراتيجيات والأهداف البعيدة وتنطلق منها مشاريع الإمبراطوريات) وكأننا به يقول، إن ما يقطنه الزعماء العرب ليست إلا غرفاً خاوية إلا من التحايل على بعضهم وعلى أبناء أوطانهم، وإن ما يرسم فيها ليست إلا مشاريع حكم أو التشبث بكراسي سلطة حصلوا عليها (بالسطو المسلح) في الغالب، وإن حاول بعضهم منحها صبغة الديمقراطية بعد السطو.

بغض النظر عن اختلاف الرؤى حول ما أقدمت عليه مقاومة حزب الله والقبول بعدم جواز وجود السلاح خارج الأطر الرسمية الخاضعة للقانون، فإن ما تقوم به الآلة العسكرية الإسرائيلية هو تدمير للبنان ومجازر للمدنيين لم تكن أولها مذبحة مروحين ولا آخرها (قانا الثانية) وغريب أن يتم التعاطي الرسمي العربي (بالصمت المطبق) أو (النطق الكفر) - إن جاز التعبير - على ما يتعرض له هذا الجزء المضيء من الوطن العربي، فالحل لا يكمن في أن (اللي عاوز يعمل حاجة لازم يقول للدولة اللي هو فيها) كما قال زعيم عربي، ولا (نحن كحكام لا نستطيع السيطرة على الشعوب) كما قال آخر، وكأن أبناء الأوطان مجرد قطعان بحاجة إلى سيطرة، أو كأن البلاد العربية مساحات مملوكة نحن مجرد (موجودين فيها) بل يجب الضغط لوقف الحرب وإيجاد معالجات سلمية بما يجنب المدنيين المجازر ولبنان الدمار وهو الذي يحتذى به كوطن يتسع لتنوع كل أبنائه، لكننا نحلم بحدوث هذا الضغط.

إن ما نعانيه كعرب هو نتاج طبيعي لأساليب (حكم) لا تحمل مشاريع أوطان بقدر حرصها على التشبث بكراسي السلطة، فهذه الأنظمة هي التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه من جهل ومرض وفقر وتخلف في كل شيء، وخذلان، وملعوب فينا طول الزمان، وهي التي تتاجر بقضايا الأمة من أجل أهداف أقل من مصالح شعوب وأوطان، وهي حتى في خطاباتها لا تخاطب مواطنيها وإنما تخاطب من يهمها استعادة كسب رضاهم. إننا فعلاً (محكومون) بأفراد مذعورين، مذعورين من بعضهم، ومذعورين من متغيرات العصر، ومذعورين من مجرد الحراك في المجتمع خارج إطار (سيطرتهم)، أما قصور الحكام العرب فليست سوى مبان مهولة تقطنها جماعات لا تحمل مشاريع تواكب العصر، ولا تشعر حتى بالأمان.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى