قصة قصيرة بعنوان (ثور الشيخ)

> «الأيام» عبدالله سالم النهدي:

> اعتاد عليه سكان القرية، على حركته وهو يتهادى في أزقتها الضيقة، وخيلائه في سوقها الصغير، فهو ثور الشيخ الذي يجلّه ويبجله، فترى الشيخ إذا ما صادفه يترجل من سيارته ليربت على ظهره بحنان وزهو واعتزاز، بل يتعمد أن يفعل ذلك أمام أهل القرية استفزازاً لهم وإيماءً منه بأن هذا الثور أحب إليه منهم.

لم يستفز أهل القرية ذلك بقدر ما كانوا ينظرون إلى هذا الثور - الذي أنقذه الجرار مما خلق له - بمقت.

كان أبوه وأخوه مجرد ثورين في حظيرة الشيخ، يستفاد منهما لحراثة أرض أهل القرية الزراعية.. طالما ألهبت السياط ظهريهما.. يقال إن أباه مات متعباً في إحدى الأراضي من شدة الإرهاق بعد أن تقدم به العمر، أما أخوه فما زال حياً، مجرد هيكل عظمي عليه آثار السياط القاسية منحوتة بوضوح، شريداً، حتى الشيخ لا يأبه له إذ شك في إصابته بالجرب، وأخرجه من حظيرته وسرحه من أملاكه.

هو أيضاً حينما كان صغيراً رُكّب عليه المحراث وهو في الحظيرة ليعتاد عليه ولتهيئته، بل هناك من يجزم بأن الشيخ قد أخذه إلى أرضه مع الثورين، وربطه بجانبهما، وتركه يتحرك في الأرض جيئة وذهاباً برفقتهما وهما يحرثان الأرض.

الآن أصبح ذا شان له الحظوة عند الشيخ، وصار سميناً جداً يفتخر الشيخ بسمنه عند الآخرين، أُبيح له أن يفعل ما يحلو له في السوق وأن يدنو من أغراض الناس، ويعبث بها، والويل لمن يعترض أو يحاول ردعه، هكذا قرر الشيخ، فبدأ يتضخم ويزداد عربدة ورعونة لا يردعه أحد عما يفعل ولا يحاسب على ما فعل.

ازدادت نقمة أهل القرية على الثور، وتذمروا من شيخه، وصار أول دعاء يستفتح به أهل القرية يومهم مع قهوة الصباح «اللهم اكفنا الثور بما شئت ولا تجعله في طريقنا».

لم يكن السوق مكتظاً لكن الثور كان هناك، وبعض الأشخاص الذين يقضون مآربهم وحاجياتهم وهم ينظرون إليه بريبة ومقت، وبعضهم بخوف وحذر، حينما أقبلت سيارة الشيخ يقودها ابنه وهو بجانبه واقتربت من الثور.

شعر الشيخ بنشوة في مداعبة الثور، ثوره المبجل، فترجل من سيارته، ودنا من الثور ليربت بيده على ظهره.

وما إن مرت يد الشيخ على ظهر الثور حتى دار الأخير بمؤخرته تجاه الشيخ فحرك ذيله بسرعة صافعاً به الشيخ في وجهه، الذي وجم ذاهلاً.

وتنطلق ثلاث طلقات من كلاشنكوف الابن تخترق رأس الثور ليتهاوى كالبالون المنفجر، فيستفيق الشيخ على إثرها من ذهوله صارخاً في الابن «ماذا فعلت؟.. الثور.. أهل القرية.. ألا تعرف...» قاطعة الابن بفتور «ماذا أعرف يا أبي.. إنه ثور.. مجرد ثور».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى