كـــركــر جـمـل

> عبد حسين أحمد:

>
عبد حسين أحمد
عبد حسين أحمد
هل من العبث أن يجعل الإنسان بينه وبين الآخرين مسافة.. مهما كانت مساحة هذه المسافة؟.. وهل هذه المسافة بين الإنسان والآخرين هي الدليل على حريته؟.. وهل الإنسان الحر هو القادر على أن يجعل بينه وبين الناس مسافة؟.. وهل الذين يتقوقعون في مكان واحد.. غير البيت والعمل والمدرسة.. هم ضحية الجمود والنسيان؟.. تذكرت هذه الأشياء وأنا أصافح شاباً قابلته في الشارع.. كان هذا الشاب يحمل بطاقته الشخصية.. وفيها صورته ومحل وتاريخ ميلاده.. وعندما سألته: إلى أين؟.. قال لي: إلى أي شخص يستطيع أن يدلني على شخصي.. هويتي.. وجودي في هذه الدنيا.. واستغربت منه هذا الكلام.. واعتبرت أنه بدأ يتفلسف.

< وعندما استوضحت منه الأمر.. قال لي بمرارة: لا تعتقد يا أخي بأنني أتفلسف عليك.. ولكن هذه هي الحقيقة.. هل تصدق أنني بعد أن تخرجت في الجامعة منذ خمس سنوات.. وجدت عملاً في إحدى المؤسسات الحكومية.. وفرحت جداً.. ولكن بعد أن ملأت استمارة العمل.. وأنهيت الإجراءات المطلوبة من شيخ الحارة والشرطة.. طلبت مني المؤسسة (ضمانة تجارية) موثقة من المحكمة والغرفة التجارية.. وللأسف لم أجد أحداً يوقع لي هذه الضمانة.. وفقدت الثقة بنفسي.. وقلت هل مكتوب علينا أن ننزع عنا هويتنا.. وأن نهيم على وجوهنا بحثاً عن هذه الضمانة التي لا معنى لها لكي أجد عملاً أعيش منه أنا وأبي العجوز وأمي وإخوتي.

< قلت له: وماذا فعلت بعد ذلك؟ قال: رجعت إلى المؤسسة واعتذرت لعدم حصولي على الضمانة المطلوبة.. وقلت للمدير: يا سيدي ألا يكفي أن تكون بطاقتي الشخصية التي تعني انتمائي الى هذا الوطن هي الضمان الوحيد لحصولي على العمل؟.. فرد علي المدير: يا ولدي هذه البطاقة لا تكفي.. نريد ضمانة تجارية.. فسألته عن طبيعة العمل وهل له علاقة بالمال؟.. فقال: لا.. أنا لن أكون صرافاً.. وليس لي علاقة بالمال.. وإنما سأشتغل كاتباً فقط.. وإذا كانت بطاقتي الشخصية لم تشفع لي لدى المؤسسة.. فما هي الفائدة من هذه البطاقة؟

< قلت له: إذن أنت الآن بلا عمل.. والذي لا عمل له حر.. بل هو أكثر حرية من كل الناس الذين يعملون .. فقال لي: أنت الآن تتفلسف يا أخي.. قل لي بالله عليك.. ما قيمة هذه الحرية وأنا أموت جوعاً أنا وأسرتي بسبب الضمانة التجارية.. فقلت له: القضية ليست هي الضمانة التجارية.. ولكنها قضية هذا النظام الفاسد الذي فرض عليك هذه الضمانة التجارية.. ونسي هذا النظام حقوقك الوطنية والدستورية.. فالدستور يضمن لك حق العمل.. ويكفي أن تكون مواطناً صالحاً يحمل المؤهل الدراسي المطلوب للعمل.

< وعرفت أنه لا حل لهذا الضياع الطويل.. ولا معنى لأن يكون الإنسان مواطناً نظيفاً ليجد عملاً شريفاً.. نحن الذين اخترعنا هذه القوانين.. ووضعنا هذه الصعوبات والعراقيل أمام الإنسان ولقمة عيشه.. وهل الضمانة التجارية من حقها أن تجرد الإنسان من إحساسه بهويته وانتمائه إلى الوطن.. وأن تحرمه من حقه في العمل؟

< لم نعرف الضمانة التجارية أثناء الإدارة البريطانية في عدن.. ولا عرفناها أثناء النظام الاشتراكي.. أنا مواطن إذن أنا موجود!!<<

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى