> «الأيام» محمد أبوبكر الحداد:

أجل كل التزاماته حتى مجيء موسم التربح، أقساط غرفة اليوم، ومقدم الدراجة النارية، وديون أصحاب القات. كان يمنّّي نفسه أن مشاكله سوف تحلها يد سحرية، وأن خلاصه من ساعة الفقر قد حان، وأن أبواب المجد سوف تفتح أمامه على مصاريعها، كل شيء يومئ له بذلك، تملكه التفاؤل، وذهب يرتشف من الحياة، ويعبّ منها عباً، غير آبه لآداب المجتمع، أو معول على الوصول بالطريق القويم.

لا تخرج من بين شفتيه إلا قذائف السب والشتم، يتبادل تحية الصباح مع أقرانه بلعن الأب والام، نظراته مريضة، وجلساته مشبوهة، وعشرته ضجّ منها القريب والبعيد، وعوده وعود عرقوب، صار الكذب خلقاً مكتسباً عنده يتنفسه كالهواء، يراوغ روغان الثعلب، ويلتف كالحية على من يتعامل معه، كل همه إشباع رغباته بكل وسيلة، معوزه مهلهل ورأسه منتف، يتمايل في مشيته في تحد لمشاعر الناس، لا يقدر كبيراً، ولا يرفق بصغير، صار عبئاً على أهله، ثقيلاً على أصحابه، لم ينتفع بنصح، ولم تؤثر فيه موعظة.

لملم حاجياته، وأطلق لقاربه العنان حتى مشارف شرمة، أسقط عدته وعتاده، مرت الساعات، ولم يسعفه البحر ببغيته، ظهر السخط على محياه، وهو يعود أدراجه خالي الوفاض، ظل ذلك دأبه طيلة ثلاثة أيام وهو يعود بالخيبة، مزود بالحسرة، انتابه شعور عميق، واحتار في حظه العاثر، استرجع وتمتم بكلمات مبهمة- لعله يحوقل- بدرت منه استغاثة، وحد الله، تضرع إليه في خشوع وعزم على الإنابة، فاضت عليه البركات، وانبسط أمامه الرزق، فشكر الله على عطائه، ونذر بنصف الحمولة لأبواب الخير.