بثينة العيسى..شعرية وأفكار ووصف..وأحداث معلقة دون جذور

> بيروت «الأيام» رويترز :

> تتسم رواية "عروس المطر" للكاتبة الكويتية بثينة العيسى بسمات ابرزها شعرية واضحة ووصف حي وموضوعات تطل بوجه صوفي حينا ووجوه فكرية احيانا.. لكن نصيبها من حيث احداثها وشخصياتها يدعو الى تساؤل وشك. احداث الرواية تبدو في معظمها كأنها معلقة في عالم لا جذور محددة له في الارض.. فكأن الامر اقرب الى افكار وانطباعات واحكام عامة وان شهدنا فيها كثيرا من التوتر والنبرات الشعرية.

اما الشخصيات -وبسبب العلاقة الضرورية روائيا بالاحداث الفعلية والذهنية- فقد تحولت نتيجة تلك السمات التي ميزت الاحداث الى وجوه تمر احيانا مرورا "شبحيا" وتبدو اجمالا ثابتة لا تتغير.

رواية بثينة العيسى التي جاءت في 221 صفحة متوسطة القطع صدرت عن "المؤسسة العربية للدراسات والنشر" وحمل غلافها لوحة للفنان التشكيلي المصري مجدي نجيب.

بعد ان اهدت بثينة عملها الى امها ننتقل معها الى كلام يلقي بعض الضوء على الاجواء الفكرية التي تسود الرواية وهي اجواء تترجح بين الفلسفة والتصوف في شكله "الديني" المألوف وشكله الآخر الذي اخذه آخرون ومنهم الرومانتيكيون مثلا عن مصادره الشرقية. انها قضية وحدة الحياة بكل اشكالها.

تورد الكاتبة بيتين من الشعر تنسبهما الى الامام علي بن ابي طالب.. وقد الف القراء نسبتهما في شكلهما هذا او باختلاف طفيف إلى الامام وإلى ابي العلاء المعري ومحي الدين ابن العربي حينا. اما البيتان فأشهرهما الثاني وهو "وتحسب نفسك جرما صغيرا/ وفيك انطوى العالم الاكبر."

تبدأ الكاتبة وبواقعية ودقة بداية ناجحة تجعل القارئ في تأهب وتشوق الى ما سيأتي. تقول بلسان بطلة الرواية "عندما فتحت الباب كانت رائحة الشقة تشبه رائحة السردين على الرغم من انني وشقيقي لا نحب السردين ولا نأكله. كانت ملابسنا المغسولة حديثا منشورة على الارائك وقد تركت وحدة التكييف مفتوحة لتساعد في تجفيفها.. والبطانية الزرقاء المهترئة مرمية على الارض مع وسادتين وعلبة بسكويت صفراء ورقائق بطاطا تشيبس متكسرة..." تنتقل البطلة من هنا.. من هذه الاشياء اليومية "البليغة" الواضحة حتى من خلال "عاديتها" الى وصف وحدتها بما هو اقرب الى تجربة شعرية تنقل بكلمات سيالة حارة. تقول عن زمن لم يعد كما كان "اللقالق لن تمر من هنا.. فقد كبرت. اغطي عيني بساعدي.

ينبغي الا تكف الالوان عن الحضور والروائح المشبوهة لمساحيق الغسيل الحزينة وعلب السردين ورائحة الخل والملح والبطاطا..وكأن كل شيء يتحرك في هذا العالم الا انا. ينبغي ان يكف العالم عن الحضور ينبغي ان تضمر ملامح الاشياء... ليتها تنقرض تنقرض لبعض الوقت رفقا بي وبكل العاجزين عن المواكبة.. عن الاتساق.. العاجزين عن تبرير وجودهم على آدمة العالم.. هناك استطيع ان افكر اقل .. اغمض اكثر واترك العالم يرحل بدوني..." الرواية -سواء أقرأنا احداثها الاساسية قراءة رمزية ام واقعية ام مزيجا من الاثنتين- تتناول موضوع توأمين.. صبي وبنت والصبي تحول لاحقا الى شاب وسيم هو اسامة والبنت بقيت كما كانت فصارت فتاة قبيحة الوجه تعيش عزلة نفسية وخيبات.

في هذا الجو تدور الرواية التي كثيرا ما تتخللها كلمات وجمل بالمحكية الكويتية.. نقرأ من احد فصولها مثلا جوا فكريا وصوفية وحديثا عن التخاطر مع الاشياء. "تقول ابله حصة:

الاسماء قدر.. الاسماء تختارنا... وبانني بفضل اسمي استطيع ان اكون اي شيء. تقول ان اسمي هو عنوان الاختيار عنوان الحرية لا يحده الا الصمت..." والكتب قدر "تقول الكتب التي قرأناها اختارتنا اصطفتنا... الكتاب لن يهبك روحه ببساطة لانه يريدك ان تحبيه كفاية وعندما يتحقق ذلك سيدلق روحه فيك ويمتزج بكيانك وهو يعرف بان فناءه لن يكون سدى لان فناءه وجوده.. وجوده فناؤه وهذا هو.. جوهر الحب واقصاه. انه المعنى المنسي للشهادة." وعلى رغم جمال هذا الكلام وامثاله الكثيرة فالقارئ قد يشعر بانه اقرب الى زخرفة خارجية لم نكتشف لها مكانا في صلب الرواية وانه لم يكن جزءا من نسغ الحياة الذي يجري فيها.

تتحدث بطلة الرواية عن مشكلة المرأة. الام التي انفصلت عن الاب الذي تزوج من ثلاث نساء غيرها فصار للبطلة عشرون اخا واختا لا تعرفهم. تقول في مكان ما من الرواية "عندما نولد اناثا فنحن نولد قضايا لان العالم مزود بتقنيات جاهزة للحد منا... اظن بأن المرأة التي تترعرع في وطن او في منزل ذكوري هي امرأة محظوظة لان الفرصة متاحة لها لتقاتل. انها تملك الكثير من الفرص لاجل ان تتحول الى نموذج. فهي كبيرة لمجرد انها انثى وهي مزودة بقضية جاهزة... لقد وفرت على نفسها عناء البحث عن معاناة ومشقة المكابدة لاجل ان تظل على قيد الانسانية.. ان لا تتخشب مفاصلها او تتحول بشرتها الى جلد سلحفاة ووجهها الى تابوت طفل..."

وبنفس افلاطوني "معكوس" نوعا ما تتحدث في فصل آخر عن الحقائق والظلال وهل الظلال هي الحقيقة بينما الاجساد هي الصور؟

وفي فصل آخر تتحدث عن الكتابة فهي في النتيجة تعويض من ناحية وهي ايضا من نواح اخرى ستار وقناع.. وهي اكتشاف ايضا.

افكار عميقة ومشاعر حارة مؤثرة.. لكن الحركة الروائية في هذا العمل ليست بطيئة فحسب بل هي "متوقفة" عمليا اذ ان الرواية من خلال "اسماء" وهي الشخصية الاساسية بل الوحيدة فعلا فالآخرون "ظلال" مساندة.. استنفدت الاحداث الروائية بعد البداية وتحولت الامور الى شؤون فكرية وشعرية تتكرر وتتكرر. احداث الرواية يمكن ان تكون كافية لقصة قصيرة.. اما ملء الصفحات بتلك الافكار والمشاعر الجميلة والمؤثرة فلا يبدو انه افاد العمل الروائي بل اساء الى وعود حملها هذا العمل في انطلاقته الاولى.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى